ماان يرد خبر عن الاكراد في موقع الكتروني او جريدة او يكتب احد مقالا عنهم او يعنون كتابته بهذه الكلمة ( اكراد ) حتى وان كان هذا الواحد عربيا، وتحلى باقصى درجات الموضوعية والحرص على المشاعر ودقة المعلومة وحتى وان كان الموضوع على قدر كبير من الاهمية ومقرونا بالادلة والبراهين فان الكثير ين من قراء المواقع العربية ndash; تعليقات وردود القراء ا لتي تنشر في القدس العربي و ايلاف والعربية امثلة وليس حصرا ndash; لا يتناولون الموضوع الا من زاوية ضيفة وكان القارئ العربي غير معني بهذا الموضوع او انه يعتبرها قضية طارئة او دخيلة على ثقافته وثقافة الجيل ولا يرتقي حتى الى درجة الاهتمام بالعاب الكومبيوتر او صرعات الموضة والفن و يعتبرون هذا الكاتب عنصريا ويتهمونه بالتحامل على العروبة والعرب والاسلام اضافة الى سيول الشتائم والنعوت التي تنهال على الاكراد ككل وكان العروبة تعني بالضرورة معاداة الاكراد او الغاؤهم.. او ان الاكراد هم عالة على العروبة وكردستان التي ينادون بها وطنا هو جزء من وطن العرب احتله الاكراد او سوف يحتلونه !... وعادة ياتي اتهامهم من قراءة السطور الاولى للمقال او حتى العنوان ! دون الغوص في عمق الموضوع وابعاده والوصول الى فكرة الكاتب التي من الممكن ان تكون فكرة حميدة.
الكتابة في هذا الموضوع ndash; براي ndash; والوقوف على وشائج العلاقات التاريخية بين العرب والاكراد والتداخل والتمازج الحاصل في اكثر من بقعة جغرافية ومساحة تاريخية بين ما هو كردي وما هو عربي ndash; سواء ما جاء بقغل الظروف والرغبة ومصالح الطرفين او ما تم بفعل سياسات عنصرية انتهجتها انظمة الحكم في كل من سوريا والعراق هي في غاية الاهمية ولا سيما في هذه الفترة التي تعج فيها المنطقة بالاحداث الساخنة وترتسم خرائط جديدة للمصالح والطموح من قبل الخارج المعتدي ومن الداخل المغبون على الترتيب، وتنبئ الايام بالمزيد الاخر..، وبقدر اهمية الكتابة والبحث الموضوعي من قبل المعنيين تاتي اهمية القراءة النقدية المسؤولة وتناول الموضوع بجدية اكثربعد التخلص من رواسب التعبئة الخاطئة وثقافة اعلام السلطة الذي شوه التاريخ في اكثر من مكان والحقائق في كثير منها و التي يجب ان نتناولها هي الاخرى بالاهمية ذاتها... هذا طبعا اذا كنا نريد ان نساهم بشيئ من اجل مستقبل اكثر امنا وازدهارا لاجيالنا القادمة وفي ربوع منطقتنا.
تناول هذا الموضوع والبحث في محطات هذه العلاقة وما شابها من شوائب التفكير القومي الضيق الذي يغذيه وينميه غلاة الطرفين وللانصاف- كفعل من القوميين العرب ورد الفعل من القوميين الاكراد حيث لا يعترف القوميون العرب - مثلا ndash; بوجود امة كردية اساسا ولا يقرون بوجود كردي قومي ضمن البقعة التي حددوها بانفسهم وسموها بالوطن العربي وان العروبة ( بمفهومهم لها) هي المستهدف الوحيد من قيل القوى العظمى وان كل من لا يدافع عن العروبة هو موضع شك ! يجب محاربته اولا ! واعتمدت على اساس ذلك سياسات الاضطهاد والصهر القومي بحق الشعوب والاقليات.! ولا سيما بعد استلام حزب البعث لمقاليد السلطة في كل من سوريا والعراق عن طريق الانقلابات العسكرية في حين كان من الحكمة والعدل طرح مشاريع وطنية تستوعب الاقوام والطوائف التي تعيش الى جانب العرب وتقر لهم بالحقوق والهوية وخصوصا تلك التي خرجت مغبونة ومغلوبة على امرها اثر اتفاقيات التفسيم والترسيم التي تمت في المنطقة وبالتالي جذبهم الى الكل الوطني ورص الصف الداخلي.. وموضوعنا هنا الاكراد الذين يعتبرون انفشهم من اكبر المتضررين وقد تم استهدافهم من قبل نفس القوى الخارجية الى درجة الغائهم من خارطة المنطقة التي رسموها وفرضوها على قاطنيها.
السياسات القومية الصرفة وغياب المشروع الوطني ادت فيما ادت الى تشبث الاكراد اكثر بقوميتهم وخصوصيتهم وولدت لديهم ردود افعال تتراوح ما بين العاطفة القومية وحب القومية و حتى العنصرية... وقد اخول نفسي لاقر بوجود اكراد عنصريين لكن عنصريتهم لم تتحول الى شوفينية حتى اليوم ولم تتعدى حدود الاخرين ndash; بمعنى لا توجد احزاب ومرجعيات كردية معلنة تعادي الاقوام والملل الاخرى او تقلل من شانها لا بل تدعو بمجملها حكام الدول و ممثلي الاطراف الاخرى الى الحوار والمعالجات الموضوعية...
الغالبية العظمى من الاكراد في سوريا والعراق والى حد ما اكراد ايران وتركيا ولا سيما النخب السياسية والدينية واتباع الطرق الصوفية يمسكون بمفاتيح اللغة العربية وينجذبون اليها والى الكثير من عادات وتقاليد العرب واعرافهم ونسبة الاكراد الذين يجيدون اللغة العربية لا توازيها نسبة لا بين الفرس ولا الاتراك.... يدرك الاكراد انهم عاشوا جنبا الى جنب مع الشعوب الاخرى في ظل الخلافة الاسلامية ولا توجد معلومات تفيد بتصادم او حتى فتنة حصلت بين العرب والاكراد بخلاف الفرس الذين جاؤوا بالشعوبية ولا زالت يدهم الخفية تعمل على خطف البريق العربي من الاسلام اوالاتراك الذين بسطوا سيطرتهم ونفوذهم واستعمارهم على كل المنطقة باسم الدين الاسلامي حتى التفكير بنقل الكعبة الى بلادهم...! كما يعي الاكراد جيدا انهم في عهود العديد من الخلفاء العرب قد شهدوا الازدهار وتولوا المناصب الهامة واعطيوا الفرصة في اقامة دول وامارات لهم وحتى في صنع حقبة من تاريخ المنطقة ( الفترة الايوبية ) بخلاف الحال مع الاتراك الذين استغلوا ظروف الاكراد فوضعوهم في الصفوف الاولى اثناء حروبهم على الصفويين ومن ثم الارمن... والفرس الذين حاربوا بهم الاذريين والتركمان.
لم تكن خلافات الاكراد يوما مع الشعب العربي او الشعوب الاخرى ولن تكون الاستراتيجية الكردية هي قطع دابر التاريخ المشترك والمستقبل المشترك كما يتوهم البعض او هي الابتعاد عن العرب او الاسلام باتجاه الغرب او امريكا كما تروج بعض البؤر فالقضية الكردية هي قضية امة وشعب مسلم مهما يكن تعداده يعيش في هذه المنطقة في بقعة انا اسميها ارض الكرد او كردستان وانت تسميها جزء من بلاد العرب والاخرون يحسبونها لهم... ذبحت هذه الامة على مقصلة المصالح الدولية قبل عقود من الزمن في ظروف اشبه بهذه التي تمر بها منطقتنا مؤخرا وحينها ايضا كان الغرب الاستعماري وكانت امريكا كما اليوم تصول وتجول وترسم الخرائط وعلى اثرها تحول الاكراد الى رعايا في الدول الناشئة لا حول لهم ولا قوة.............. ايها الاخ والشريك في هذه البقعة من الارض تصور ولمدة وجيزة انك كردي !.. ومن سوى نفسه بالناس ما ظلم ! وان اهلك وملتك موزعون بين اربع دول يفصلهم العسكر واسلاك الحدودالتي وفي كثير من الحالات تفصل القرية الواحدة والعائلة الواحدة الى جزاين !!...وفي كل جزء تفرض سلطات الدولة( الدولة التي من المفترض ان ترعى وتصون الحقوق ) لغتها وثقافتها وتاريخها وسياساتها على حساب لغتك وثقافتك ومصالحك وتعتبرك غنيمة من غنائم الحرب....! وانك يجب ان تتحول الىعربي او تركي او فارسي.! ولا مكان لك في هذا العالم الا تحت هذه المسميات. تصور انهم يعاملونك بذل!..وفي احسن الاحوال باستصغار... ليس هذا فحسب بل وانك تتعرض وقومك الى سياسات استعلائية واضطهاد ndash; تختلف من جزء لاخر ndash; تهدف الى الغاء الوجود القومي والهوية القومية لك و لامتك التي يزيد تعدادها على ( 3 0 ) مليون نسمةلابل بلغ الامر ببعض حكام هذه الدول الى شن حروب ابادة جماعية وتطهير عرقي راحت ضحيتها مئات الالاف من الناس لانك!... لانهم اكراد كما خلقهم الله... وذلك وسط صمت... او لا مبالاة الخيرين والغيورين على خلق الله من الشعوب الجارة! في الوقت الذي يتباهى التركي والعربي والفارسي كل بانتمائه وقوميته...!
لا اطالبكم بكردستاني الممزق ولا احملكم عاقبة ما لم ترتكبوه من ذنب، وان طالبت فكردستان ارضي وبلادي و ليست جزء من ملككم الا وفق خطوط التقسيم التي ترفضونها انتم انفسكم......ادعوكم فقط لنقاش جاد وحوار مسؤول حول القضية الكردية قضية شعب يبحث عن الهوية...قضية ( ايتام المسلمين)! وضحايامصالح ( الغربيين )!..قضية شعب لم ينل انصاف التاريخ ولا عدل الحكام ولا مؤازرة الخيرين.....! وتاتي دعوتي هذه في ظل ظروف دولية واقليمية تشبه الى حد ما تلك التي سادت بعيد الحرب الكونية الاولى.. مع فارق ان هذه المرة يمكن ان نستفيد من التكنولوجيا و نتحاور..
هي دعوة نطلقها هنا الى جميع الغيورين على الامن والاستقرارفي ربوع منطقتنا، الى كل الذين يكرهون الحروب والاقتتال... ان يمزقوا الهالات التي تحجب رؤية الواقع... وان يتجاوزوا الحواجز الاجتماعية والثقافية والسياسية تلك التي اوجدتها الانظمة الاستبدادية ل تحول دون رؤية الاخر والاحساس به..... الشريك والجار والقريب.. ندعوا الى نبذ سياسات الاستعلاء والتفوق القومي او الاحقية في تاريخ وتراث المنطقة... و ان نلعن ونستاصل هذه السياسات التي اوجدها اصحاب التفكير الخاطئ والتشخيص الخاطئ والتي ادت الى تاسيس مشوه للبناء الفكري والثقافي في اوساط واسعة بين شعوب وسكان المنطقة
والتي قد تؤدي في حال استمرارها الى بحث الجانب الكردي عن مؤاذرين واصدقاء من محيط اخر ودول اخرى ف لا اظن ان الكورد سيبقون اسرى القدر المصطنع و والحصارالمفروض من قبل الحكومات والقوى الجارة المحيطة بهم ولا اظنهم يقبلون صفة الاخ الاصغر ! لان الاخوة الكبار تمادوا في قسوتهم وظلمهم ولم تعد تكفي مقولة( كلنا مسلمون. كلنا اخوة....) اذا استمر العرب والمسلمون بعد الان في تناسي وتجاهل قضية الشريك الكوردي من بين جميع قضايا المسلمين الاخرى في العالم.... ان الموضوع يتحول يوما بعد اخر الى الجهة المعاكسة وتتحول القضية الى ورقة بيد قوى اخرى تملك الامكانيات والمبرر... و قد تفرض مرة اخرى حلولا من مقاساتها على شعوب المنطقة ومشاريع لا نستطيع التكهن بنتائجها ونعيش لعقود قادمة اخرى حالة الاقتتال والنزاعات، و العالم من حولنا ينمو ويزدهروينعم بالامان. الشعب الكردي او القيادات الكردية والاحزاب والنخبة وكل الذين يحلمون بغد افضل لبتي جلدتهم سوف يحاولون استثمار الفرصة السانحة ومن حقهم ان يستخدموا الميزان في كيل المصالح وتقديم المصلحة الكردية على المصا لح الاخرى وهذا وان تعارض مع مصالح الاخرين لا يتعارض مع العرف والقانون... ولن يكونوا على اثرها قومجيون او عنصريين لانهم ببساطة لم يخرجوا ndash; كما الاخرين - عن منطق السياسة والمصالح.
من المفروض ان جيلنا وما سبقنا يتذكر مراحل احتلال اليهود لفلسطين ويتذكر ان العديد من البؤر والاوساط العربية حينها كيف شنت مثل هذه الحروب الكلامية ضد اليهود كشعب وكديانة للحط من قدرهم ومن كيانهم تارة على انهم حثالة وتارة مرتزقة وتارة... ولم تكن هذه الاتهامات ndash; كما عرفنا فيما بعد ndash; الا بسبب ضعفها وعجزها عن قراءة الواقع بموضوعية و عدم قدرتها على استيعاب الاخر وتفهم المستجدات في السياسة العالمية مما ساهم في اعطاء الجانب العبري الفرصة والحجة لتوسيع احتلاله على حساب الشعب الفلسطيني وارضه...ومن المفروض اننا نتابع اليوم كيف ان الانظمة العربية على استعداد للقبول باسرائيل دولة ndash; رغم كل ا لنعوت السابقة- لا بل و القبول بشروطها هي في العيش الى جانبهم !
البحث عن عداوات جديدة واعداء جدد للامة العربية هي استراتيجية خاسرة واستعداء الاكراد باطلاق النعوت والالقاب والتشكيك في نياتهم لا يخدم العرب في شيئ وهو سير في الاتجاه الخاطئ سيجلب الكوارث على الاجيال القادمة. فلو تجردنا من العقلية القومية الضيقة واعتبرنا ان لكل شعوب وامم الارض الحق في الحياة والحق في ممارسة عاداتها والتمتع بخصوصيتها والتكلم بلغتها والعيش في وطن امن، ولو صغرنا هذه الصورة على منطقتنا التي تعج بالاقوام والملل والطوائف المختلفة ndash; وليست هذه مثالية ndash;. فلا وطن للاكراد سوى هذه المنطقة التي يعيشونها الى جانب العرب والاخرين و تبقى القضية الاهم هي في كيفية التعايش و بناء علاقات الصداقة والمنفعة المتبادلة وبالتالي الدفاع المشترك عن المنطقة ضد الاطماع الخارجية... فلنكن موضوعيين لن ادافع انا الكردي عن العروبة ما لم ادافع عن كرديتي اولا ! وما لم تتبناني انت كعربي جارا او صديقا او شريكا و من الطبيعي ان ادافع عن نفسي في وجه كل من يمارس ضدي سياسات الصهرو الابادة حتى وان كان باسم العروبة نفسها ! وذلك رغم كل الذي يربطني بالعرب والعربية ( ثقافتي العربية و عشقي للغة العربية ورغم التاريخ المشترك الذي عاشه الاباء والاجداد ). من الواجب ان ادافع غن سوريا او العراق او اي بلد اذا احسست انني انتمي اليه او احسسني القائمون على ادارة شؤون البلاد والقانون انهم يحمونني ويضمنون حقوقي..والا.كيف سادافع عن بلد حكامه وقوانينه يلغون وجودي ؟!
فبحجم الحقوق التي يتمتع بها الانسان في بلده ستدفعه المسؤولية والواجب ان يدافع عنه وبحجم ما ينفعك الوطن ويحفظ كرامتك كانسان ستدافع انت عنه ففي النهاية قيمة الوطن مستمدة من قيمة ابنائه وكرامتهم وحريتهم... وليس من التراب والحجر....
و اخيرا ولكي نمهد الارضية للتسامح والتعايش فعلى الجانب العربي الرسمي والشعبي والاجيال المعاصرة ان تنبذ لغة التعالي والتشكيك والتهويل في مخاطبة شعب كامل شاء القدر ان يعيش الى جواره من اجل مقال كتبه احدهم او تصريح او معلومة جاءت من هنا وهناك.. وان يولي القارئ العربي اهتماما اكثر بهذه القضية الحيوية ( العيش المشترك ) حتى وان كان من منطلق الامن القومي العربي!. وعلى الجانب الكردي ان لا يحمل الشعوب المجاورة ما اقدمت و تقدم عليه انظمة الحكم من سياسات وحروب ضد هم والا تتاجر النخب والرموز بالماسي التي تعرضوا لها خلال تاريخهم في سوق السياسة العالمية لابتزاز الشعوب التي تجمعه بهم الجغرافيا ويجمعه بهم الدين والتاريخ...
صلاح علمداري
التعليقات