اليس يائسا من قال ان العراق ذاهب إلى الهاوية. والهاوية تبدو اليوم كما لو انها المكان الذي نقصده كما تدل على ذلك افعالنا واقوالنا، وبالتاكيد فان الطريق الى الهاوية سياخذ الجميع معه، فليس ثمة مفترق طرق هناك، وليس ثمة محطة لاخذ النفس cedil; كما ان الحافات ستكون حادة وغير منبسطة والسقوط على الرؤوس سيكون مدويا ومفجعا.


ماهو الحل؟

وتبدو لعبة الديمقراطية العراقية اليوم متجاوزة المظهر الديمقراطي التقليدي وكانها صورة تهزأ من الليبرالية بأكملها بعد ان اكتمل رسم اطارها بالدم والقتل اليومي، كما ان تصرفات السياسيين في ياسها تشبه اعتراف شركة سيارات بوجود خلل فني في سياراتها وهي مضطرة اليوم لسحب هذه السيارات من الأسواق العالمية. ولعل هذا سبب كاف في ان تتزعزع ثقة المستهلك بمنتجاتها.
ومايحصل اليوم ان الجميع يرزح اليوم امام فكرة ماهو الحل الذي اصبح تفاحة متخيلة غير قابلة للقطف حتى بالنسبة للامريكان الذين بدو وكانهم يستجدون الحل من هذا وذاك. وبات الجميع يعيش حالة من الوهم الافتراضي فهم موجودون في الوزارات ومجلس النواب ولكنهم لا يفعلون شيء

ديمقراطية مذعورة

وبدت لنا الديمقراطية الجديدة للاسف ذليلة مذعورة وهاربة من حرب لاقيل لها بها، ومافعلته فقط هو إرسال الشبان الأميركيين للبلد البعيد على بعد آلاف الكيلومترات من بلادهم، بينما يموت شباب هذا البلد بالعشرات بالقتل، ومن بقي ارهقته البطالة.

والأخطر في طريق الهاوية هذا انه ينم عن سلوك يتم بصورة لا شعورية،حيث يعمى الجميع عن حقيقة الخضوع للمطب الذي اوقعوا انفسهم فيه، فيحاولون الهروب بحيلة من حيل اللاشعور هي حيلة التسامي او الانكار.. فيصدقون الوهم ان لاشيء يدعو للقلق في العراق وان مايحصل هو امر طاريء ومؤقت وان الموقف تحت السيطرة، وان الخطة جاهزة لاصلاح الموقف وعلى وجه السرعة وكان المسيح المخلص قادم لاريب.
وامر هؤلاء يذكرنا يتحليل فرويد للشخصية المضطربة الخائفة من هزيمة منتظرة..حيث يصف فرويد هذه الشخصية بعجزها عن رؤية الحقائق الواقعية واستبدالها بأوهام النصر القادم بغية اصلاح العالم. والمشكلة في هذه الشخصية ما ان تستفيق حتى تلجأ إلى الانتحار...

سقوط مدوي

ومايفزع في طريق الهاوية هذا ان مزدوجي ومتعددي الشخصية ممن وضعوا البيض كله في سلة الاجنبي (كرهوا انفسهم بعد ذلك لفعلتهم هذه ) يتاملون سكاكين التقسيم على الجغرافيا والتاريخ وكأنهم يستقبلون مولوداً جديدا بكامل صحته ً. وماعاد يهمهم مبضع الجراح الذي بدا ستاصل ويبتر كيفما شاء دون أن يهز ذلك طرفة عين. ولعلهم سيضطرون بعد سنوات الى إلغاء كتب الجغرافيا واستبدالها بما يؤول اليه السقوط المدوي.

ان رَحِمَ الشرنقة التي بذر بيضها تدخل اقليمي سافر انتج نمطا سياسيا هزيلا مغاير بطبيعته لنسق الدولة التقليدي باعتماده التعدد الطائفي بين سكانه وسيلة لترتيب اوضاع مشابهة لمايحصل في لبنان وسط جو من اللامبالاة العربية لمجريات الأحداث وكأن الأمر لا يعنيها من قريبٍ أو بعيد. وهذه السلبية العربية تكمن خطورتها في خوف الأنظمة العربية من التدخل في الشأن العراقي خشية اتهامها بالتحيز لهذا الطرف لاسيما وان اغلب الانظمة العربية هي انظمة (سنية ) وتدخلها لايرضي كل الاطراف مثلما تدخل ايران لايرضي الاطراف جميعا.

لكن هذا لايعني اننا نعول هلى التدخل العربي فالعراق ن لن ينصلح حاله إلاَّ إذا تجرَّد السياسيون من الاهواء والانتماءات، وأصبح ولاءهم لدولتهم، و إلاَّ إذا وعت الجماهير بحجم الأخطار المحدقة بالكيان العراقي، وتخلصت من عبودية الاقطاعيات الدينية التي اضحت رموزا للابتزاز

الامريكيون يتخبطون في الفوضى العراقية

ان سياسة امريكا في العراق تبدو كما لو ان بوش رمى بزهر نرده على العراق، و من دون ان يعرف عواقب ذلك وبدت الادارة الامركية منساقة وراء الاحداث بدلا من صناعتها. الى الحد الذي يصف فيه الصحافي الامريكي نير وزن والذي امضى فترات طوال في العراق منذ عام 2003 وضع الامريكيين في العراق بانهم ميليشيا اخرى ضائعة في الفوضى العراقية لاسيما وان القوى المسلحة بالعراق تحقق انجازات كبيرة على الارض، وتتوازى هذه الفوضى الامنية مع فساد عارم يبدأ برؤوس الهرم في الدولة.

العراقي البوم لايريد حكومة وهمية او شكلية لااحد يشعر بالانتماء اليها. بل يطمح الى حكومة تعيد للدولة هيبتها، حتى يضمحل دور الميليشيات التي تعيث في الارض وعدا ذلك فان خيال المآتى هو افضل وصف لها.

ويتطلب ذلك الوضوح والصراحة بدلا من ' الإختباء وراء الإصبع، لان المواقف متباعدة جدا والعوامل الإقليمية التي أوصلتنا الى هذا الحال قوية ومؤثرة وقادرة على إعادة كل شيء الى نقطة الصفر. ففي العراق اليوم شك متبادل بالنوايا، وخوف و تخويف مفتعل يستثمر سياسياً نشا بالقصد أو بالافتعال او بالتحريض وهذا أمر بشع، ولكنه واقع... ويزيد في بشاعاته التدخلات الأجنبية، واعتقاد البعض انه يمتلك قدرات استثنائية في الحشد والاقناع، والبعض يستنجد بالتاريخ والاخر بالجيران وهلم جرا.


أشكالات جديدة

ان شرخا خطيرا يمزق الواقع السياسي و الاجتماعي فيحول علاقة العراقيين بعضهم ببعض، وفي علاقتهم بالسلطة القائمة، الى اشكاليات اجتماعية ودينية. ولعل الضحية في كل ذلك هي الثقة التي كان العراقيون يفترضون أنها قائمة ومتينة وراسخة بين طوائفهم.
ان التلاقي والتحاور حول الهواجس المتبادلة، بما يزيل الشكوك والريب، يسقط الاوراق الصفراء من الشجرة العراقية الخضراء وعدا ذلك فان على فعلى الجميع السلام. فليس ثمة رابح وليس ثمة خاسر.

إن ما يجري على الساحة لا يبعث على الاطمئنان، فبدلا من أن تحفظ البنادق في المخازن والبدء فورا بالتنمية وبناء الدولة المنهارة، فإننا نرى خنادق وكلنتونات تشيد، بانتظار نزاع على سلطة لن تكون لاحد ابدا لان الجميع ماض نحو الهاوية.

وعموماً، فان الوضع العراقي يلج مرحلة جديدة تفتح أبوابها على المجهول : فما يتفق عليه في المؤتمرات والاجتماعات يتحول إلى فقاعات وبالونات كلام، والعراقيون تتجاذبهم مشاريع عدّة تتقاطع في تخوفها من المستقبل القادم فإلى أين تقود الأيام القادمة؟

عدنان ابو زيد

[email protected]