شكلت حادثة اغتيال بيار الجميل وزير الصناعة اللبناني في حكومة الأكثرية ضربة جديدة للبنان واستقراره ومحاولة أضافية في نزع الشرعية عن حكومة السيد فؤاد السنيورة، التي هي حكومة منتخبة أصولا وبالضد من نظام الوصاية السوري اللبناني وملحقاته في لبنان. وهذا يقتضي منا الدخول على سياق الحدث دون الدخول على أحجيات استخبارية وقضائية، على طريقة من قتل السيد بيار الجميل أهي السلطة في سورية أم قوى أخرى من أي نوع كان ؟ فهذا الآن وإن كان مهما لكن الأهم هو السياق الذي أتت فيه عملية الاغتيال هذه.


إنه سياق ليس قصير المدى كما يتوهم بعض السادة من حيث ربطه فقط بصدور القرار الدولي بشأن المحكمة الدولية التي ستكشف عن الكثير من الجرائم السياسية وأهمها جريمة اغتيال الراحل رفيق الحريري.
من اغتال بيار الجميل يعلم جيدا أن السياق اللبناني هو سياق إلى تفجير خطير لم يشهده لبنان حتى في عز حربه الأهلية أو حرب الآخرين على أرضه من خلالها. وسياق لن ينتهي بتشكيل المحكمة الدولية التي تحتاج لموافقة الحكومة ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية ! إذن المعركة من أجل المحكمة الدولية طويلة ولازالت طويلة حسب رأيي. وهذه العرقلات الدستورية التي تبناها الطرفان الروسي والقطري هي غيض من فيض والتي أتت جريمة الاغتيال لتحرج هذه العرقلات نفسها. على كل هذا ليس موضوعنا الآن.


هذا السياق الذي يحتاج إلى درجة من استقرار الوضع في لبنان، ولايحتاج إلى هيجان في الشارع وخوف لأعضاء الحكومة والبرلمان اللبناني. ويحتاج إلى أن يتعافى لبنان من جراحه التي خلفتها الحرب الأخيرة. ولملمة أشلاءه التي توازعتها القوى الأقليمية صاحبة المصلحة في بقاء لبنان تربة لتصفية الحسابات، حسابات الجميع مع الجميع.


بات من المضحك المأساوي في الحقيقة عن اتهام سورية بهذه العملية. لأن هذه المسألة باتت قناعة راسخة ليس لأن السلطة في سورية يمكن أن تكون وراء العملية أم لا ؟ بل لأن السياق السياسي والخراب اللبناني هما الآن يضعان التحالف السوري الإيراني في قلب الحدث !
السياق الذي هو ليس تعطيل قرار المحكمة الدولية إلا جزء يسيرا منه، إنه السياق الذي يجعل الطاولة السياسية في لبنان والمنطقة مقلوبة على الجميع، ويتم الحوار حولها معكوسا.
والذي يؤكد ويؤدي في نفس الوقت إلى إعادة لبنان إلى نقطة اللادولة ! وهذا هو الخطير والمطلوب في الموضوع والذي يشكل السياق الفعلي لعملية اغتيال بيار الجميل.


تعالوا لنتسائل: إن عملية الاغتيال هذه ستزيد من شعبية قوى الرابع عشر من آذار لبنانيا وعربيا ودوليا ! فهل من مصلحة التحالف الإيراني السوري هذه المسألة ؟ إذن هذا السؤال البسيط ينفي التهمة عن هذا التحالف. بالمقابل لو افترضنا أن هنالك قوى موالية لإسرائيل من قوى الرابع عشر من آذار ـ كما جاء في بيانات وتصريحات بعضا من رجالات السلطة السورية ـ فهل من مصلحة هؤلاء خلق الفوضى لهم وهم في الحكم وهم الأكثرية ؟ المشهد مقلوبا الآن.


ولو نظرنا إلى وقائع الجريمة لاكتشفنا ببساطة بأن من قام بها ليس طرفا عاديا وهاويا مطلقا. فإن الوزير يركب سيارته الكورية غير المصفحة الرصد عالي المستوى.
دخلنا في هذه الأسئلة التي أردنا ألا ندخل عليها فقط لكي نصل إلى تحديد السياق والذي هو الأهم في رؤيته.
السياق : لبنان بدأ يعود تدريجيا إلى عافيته وهذا ممنوع.


لبنان يجب ألا تقوم فيه دولة الآن وبالذات، ليس المشكلة فقط في قوى الرابع عشر من آذار بل المشكلة تكمن في رفض بعضا من القوى الإقليمية قيم مثل هذه الدولة في لبنان. لأن حلفاءها في لبنان هم قوى يرفضون قيام الدولة اللبنانية من حيث المبدأ !! إما لأسباب عقائدية ـ وهي واهية ـ أو لأنهم قوى ذات طابع مليشياوي لا تتوافق نشاطاتها ووجودها واستمرار هذا الوجود مع وجود دولة قانون وحكم منتخب من أكثرية الشعب اللبناني.
لو قامت الدولة فستحل محل السيد حسن نصرالله في تحشيد الجنوب حوله / إيرانيا وطائفيا. وكذا السيد سليمان فرنجية والأحباش وحركة التوحيد والفصائل الفلسطينية المتواجدة في لبنان القائمة طويلة ولا تعد.كلها قوى مسلحة ذاتيا ماشاء الله فهل لعاقل أن يصدق أن هذه القوى تريد رمي سلاحها وأن تقوم الدولة كطرف وحيد يحتكر السلاح واستخدامه ؟


فهل السيد حسن نصرالله يخيف البشر لأنه زعيم قوة سياسية وتخضع لقانون الدولة أم لأنه حزب مسلح وقادر على استخدام هذا السلاح متى شاء ؟


أما قوى الرابع عشر من آذار فليسمحوا لنا التوقف قليلا عند برنامجهم الذي لم نر منه شيئا حتى هذه اللحظة برنامج الدولة العلمانية المدنية برنامج دولة القانون دولة المواطن لا دولة الطائفة. هذا هو المطلوب من قوى الرابع عشر من آذار كرمى للشهداء الذين سقطوا من أجل هذه الحركة الاستقلالية.


على هذه القوى استخدام هذا الرصيد الاستقلالي والذي بات الآن منسوبه أعلى من قبل في العمل مع المجتمع الدولي والعربي واللبناني من أجل قيام دولة عصرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. لأن لعراقيل ستبقى قائمة ويجب أن تتوحد برامج هذه القوى حول هذه النقطة المهمة والأهم بالنسبة لنا قيام الدولة اللبنانية. على قادتها أن يتخلوا وبسرعة عن أية حسابات ميليشياوية أو شخصية أو طائفية. لكي يتحولوا إلى رصيدا من الزعامات الوطنية لا أن يبقوا في دائرة الوطنية التي توظف بطريقة أقل مما تقتضيه الدولةالعصرية لأن تجمعهم في الحقيقة يصب شاؤوا أم أبوا في خانة السياق الذي يمكن أن يؤدي إلى قيام الدولة الحديثة. نعتقد أنه الرد الوحيد والحقيقي على التحالفات الأخرى والتي من مصلحتها تأبيد وضع اللادولة في لبنان ولذا نعزي بوفاة السيد بيار الجميل متمنين أن يكون دمه بداية لمشهد جديد وجدي من أجل استقلال لبنان وقيام دولته العصرية.

غسان المفلح