تدور في العراق، لشديد الأسف وبالغ الأسى، حرب طائفية طاحنة، منذ مايقارب السنوات الأربع، كثيرا ً ما حاولنا، كمثقفين عراقيين قبل أن نكون شيعة، التسامي على تفاصيلها، رغم حصدها آلاف الأرواح البريئة، من أهلنا وذوينا وأقاربنا وجيراننا، من ملح الأرض وأهل الشروق، شروق الشمس والطيبة والوداعة والطبيعة المسالمة حد ّالسذاجة. أهلنا، الذين لم يخل بيت من بيوتهم، تقريبا ً، من نائحة وصائحة ونادبة ولاطمة. أهلنا، الذين تلاقفتهم أيدي القتلة والإرهابيين من مختلف الملل والنحل اليعربية، المخبئين بعناية كثعابين بين ظهرانينا، في بيوت جيراننا وفي مساجد نظرائنا وفي حجور أترابنا، دون وازع من دم أو رادع من رحم، تلاقفتهم بأنواع وصنوف الذبح والتقطيع والفرم على الهوية، مما يعجز عن تصويره أبدع ريشة وأذرب لسان وأمضى قلم، تسامينا على ماعددناها صغائر رغم فداحتها، وتعالينا على جراحنا رغم شدة الألم والتألم، لكننا نعلن اليوم فشلنا الذريع في مواصلة التستر على القتل والقاتل والمقتول، فالمفردات الثلاث ومفاهيمها ومصاديقها جلية الوضوح، رغم شدة الضجيج.


لعل هذه الكلمات الهدوء الذي يسبق عاصفتنا. لعلنا، من بعدها، نتحول إلى حداة لركب الثأر الأعمى، ولافخر ولا ريادة، أفلم يسبقنا دهاقنة القلم والكلام والفضاء من اليعربيين شرقا ً وغربا ً.. ألم quot; يؤبنوا quot; بالتضليل والتحريف والتزييف المئات من ضحايانا الكادحين والمعدمين، الباحثين عن لقمة العيش المشترك غير المغموسة بالذل ونسمة الهواء الحرة غير الملوثة بالكراهية العمياء والتكفير الأعمى على حافات الغدر والتفخيخ في مدينة الصدر والحلة وبلد والضلوعية، في بعقوبة والغزالية والعامرية وسامراء، في حي الجامعة وحي العدل وحي الجهاد، والعشرات من مواطن الاحتكاك القسري والطوعي. ألم يحاولوا تضييع دماء أكثر من مئتين من شهداء مدينة الصدر من خلال اختلاق القصص عن إحراق أحياء وتخريب مساجد تعيد إلى الأذهان قصة المسجد اليتيم الذي أصابته رشقات كما قال وزير الدفاع العراقي السابق سعدون الدليمي فتحول إلى quot; آلاف quot; المساجد المدمرة في لعبة الدعاية التي لطالما أ ُجيدت وأ ُتقنت، منذ عهد الملك العضوض بل والسقيفة..


لقد قيل قديما إن السياسة هي فن تعريف الناس بالأمور التي يجهلونها، فيما تبدو سياسة الأبواق الدعائية التي تحمي ظهور قتلة الشيعة العراقيين وتزين لهم أعمالهم وتدفع ذوي الضحايا إلى طريق الثأر والعنف دفعا ً وحتف أنوفهم ذات معنى ثان مغاير، هو تجهيل الناس بالأمور التي يعرفونها. فيتحدثون مثلا ًعن قصف بالهاونات لحي الأعظمية ببغداد، في ذات الوقت الذي يجمع سكان مدينة الصدر المسحوقون أشلاء ضحاياهم من بين ركام وجحيم المفخخات الست، وهم، أي الدعائيون التحريفيون، يعلمون علم اليقين، أن مدينة الصدر وغيرها من أحياء الشيعة ذاقت الأمر ّين طوال أشهر من نيران قذائف المورتر دون نجدة، لا بكلام ولا بسلام ولا حتى بصمت شريف. وتشيع مدينة الصدر المفجوعة جثامين وأشلاء ضحاياها إلى وادي السلام، فيتحدثون عن إحراق بشر وهدم مساجد وصراع مليشيات وأحزاب شيعية فيما بينها، وكأن الشيعة ثيران هائجة تعيث في الأرض فسادا ً بلا داع ولا مبرر، كمن يسقط آثامه وعقده النفسية عليها منذ سنين.
تصور أيها القارىء الشريف، خاصة إذا لم تكن مسلما ً، أية درجة من الاشمئزاز والقرف تثور في نفسك النبيلة، حينما تقرأ برقية أمير دولة جارة للعراق، بعث بها إلى الرئيس العراقي جلال طالباني استنكارا ً لحرق quot; آلاف quot; المساجد وتدميرها، إبان تدمير المرقد العسكري بسامراء، دون أن يذكر هذا الأمير المثقف جدا والواعي جدا، ولو لرفع العتب فحسب، كلمة واحدة عن جريمة سامراء التي يفترض أن تكون مزعجة له كمسلم، ودون أن يتريث ليرى ماذا يقول وزيرا الدفاع والداخلية العراقيان في ذلك الحين في مؤتمرهما الصحفي، عن أصل القصة وحجم التضخيم ومقدار التهويل الدعائي. فإذا كان تصرف أمير والد وقائد وكبير بهذا الحجم من الضآلة، فلماذا تعتب على فهمي هويدي وجرائد الوطن وفضائيات البلدان والعربان والركبان ؟


من المؤكد، بشدة وكثرة ووفرة، أن شيعة العراق منخرطون، بعد صبر طويل، في حرب طائفية طاحنة لايعلم من بدأها قبل أربع سنوات أين ستنتهي. ومن المؤكد أن ظهورهم مكشوفة وصدورهم عارية وما أكثر الضرورات التي تبيح المحظورات أمامهم. وقد لا نأتي بجديد أو بشطارة إذا عددنا جيش مقتدى الصدر ؛ جيش المهدي، أحد أبرز هذه الضرورات. وليتذكر من يريد أن يتذكر، أن أفواج المقاومة اللبنانية، أو quot; أمل quot; في لبنان، كانت ذات يوم، في خضم ٍّ وقصة صدريين مشابهين، أولى ضرورات البقاء حيال الوقوف أعزل وحيدا ً على حافـّات الكينونة أو البينونة...

عيون الكلام : شاعر : فإن ّ النار بالعودين تذكى / وإن ّ الحرب أولها كلام ُ
وإن لم يطفها عقلاء قوم ٍ / يكون وقود َها جثث ٌ وهام ُ
أقول من التعجب ليت شعري / أأيقاظ ٌ ربيعة َ أم نيام ُ
فإن كانوا لحينهمو نياما ً / فقل : قوموا فقد حان القيام ُ

علاء الزيدي

[email protected]