كان قد تخلل رحلة بحثي عن عمل في دولة الإمارات العربية المتحدة ذهابي إلى جزيرة quot;كيشquot; الإيراني، التي تبعد عن إمارة دبي مسافة نصف ساعة ونيف بالطائرة . أول ما لفت انتباهي لحظة وصولي إلى مطار الجزيرة المتواضع التنافر، واختلاف الدم الفارسي، المقروء من سحن موظفي المطار، عن الدم العربي. إذ أنا من قومية عربية توحّدها اللغة والعرق (الدم) والتاريخ والجغرافيا. وهناك تعاريف تضيف quot;المصلحة المشتركةquot; كمقوّم الأساسي استطاع أن يذيب الاختلافات كما هو سائد في بنية المجتمع الأمريكي. وأنا أتناول العلاقة بين العرب والفرس، سيبقى الدين الإسلامي خارج المقومات، ويؤخذ على أنه محرضٌ ، بوصفه بعداً مشتركاً بين العرب والفرس ، من دون أن يوحد القلوب بالشكل الإيماني العظيم . فمهما حاول هذا الدين إذابة الاختلاف بين القوميات المنطوية تحته، فلن يستطيع أن يشطب الأمجاد التاريخية التليدة التي تذاكرها وتعتز بذكرها الشعوب. وفي هكذا حال، فالدين يصب في مصلحة القومية الفارسية التي تسعى للنهوض من ماضيها قوةً لها السلطة والمجد في المنطقة العربية. هذا القول يدعوني لأن أتذكر ذلك الطفل الإيراني حميد ابن مدير فندق quot;آرامquot; الذي مكثت فيه ستة عشرَ يوماً؛ كان حميد يداوم في الكافتيريا، ودائم التلفّظ بعبارات إيرانية نابية، ويتعامل بروح المصلحة والاستعلاء مع النزلاء العرب. فإذا اختلف وعيه الصبياني مع أي عربي؛ سرعان ما سدد له شتيمته الجاهزة والحاضرة على لسانه (عربي غبي ) بالانجليزية طبعاً. حتى أن صديقتي المغربية تساءلت مستغربة عن سبب غياب روح الطفولة عن حميد ، وتأسّس وعيه على العدائية تجاه (الآخر).

وكنت أنا الفلسطيني قد تعرفت، أثناء تواجدي في الجزيرة، إلى شابين من سوريا جاءا لنفس السبب الذي جئت أنا من أجله، وهو تغيير فيزة زيارة، لأتمكن من العودة مجددا لإمارة دبي. فقانون دولة الإمارات يقتضي أن يغادر الزائر فور انتهاء صلاحية الفيزا إلى خارج حدود الدولة. ويحق له، بعد ذلك العودة لها زائرا جديداً. وقد شاء القانون دولة الإمارات أن يلتقي العرب على أرض فارس، بينما تشاء الدولة المضيفة أن يجتمع العرب على كلمة حاسمة لاستعادة الجزر الإماراتية الثلاث: طمب الكبر، وطمب الصغرى، وأبو موسى. وفي هذه الآونة تدعو الدولة الفارسية دول الخليج لتوقيع اتفاقية دفاع مشترك، ضد أي هجمة محتملة قد تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على إيران. إن إيران تتشابه في هذه الدعوة (من مستوى القوة ) مع إسرائيل في طلبها من العرب المشاركة في توفير الأمن. والدولتان تسلبان أراضي عربية!

أثناء التجوال في (بازارات) quot;كيشquot; لمسنا جهل الإيراني باللغات الأجنبية، إلا ما ندر من بعض الباعة والسياح الإيرانيين الذين تقاطروا، في الصيف، من بعض المدن الإيرانية المختلفة: طهران، شيراز، أصفهان، مشهد ، بندر عباس - لقضاء عطلهم الصيفية والاستجمام في هذه الجزيرة الجميلة المتحررة. وقد بدا واضحاً اهتمام الباعة في البازارات بفلسطين وسوريا، ربما لحبٍّ! أو لترويج البضاعة الإيرانية. وفي الحقيقة، ما بدا أوضح بشكل خاص هو أن هذا الاهتمام موصول بخطاب الدولة السياسي. فالباعة على دين تجارهم الكبار. وقياساً على هذا الاهتمام يمكن النظر إلى إيران بوصفها بائعة ومروّجة من الدرجة الأولى. وهنا تتجلى المصلحة في الدين والعاطفة الوهمية. وأما العقل الإيراني فإنه دائم السعي لبسط الهوية الإيرانية، وهو في طريقه الآن للماضي من أجل استرداد النفوذ. وهنا مرشح أن يمكر التاريخ للعرب، ما لم يتيقظوا، فيجعلهم نهباً للفرس والرم. فعلى أي جنب نميل.

نصر جميل شعث