الحلقة السادسة


يبدوا أن العلاقات بين الغرب والشرق ستأخذ منعطفاً تاريخياً وجذرياً بعد قضية الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للإسلام والتي نشرتها الصحيفة الدانماركية والتي سيدونها التاريخ في صفحات سجلاته.
وإستكمالاً للحلقات السابقة نود في البداية أن نستعرض أهم النقاط التي وردت في الحلقة الخامسة لنستكمل بعدها التفاعلات المستمرة ويمكن تلخيص أهم النقاط فيما يلي: نشر خبر إستطلاع للرأي في الدانمارك، المكابرة ومغالطة التاريخ، العنصرية البغيضة تبدأ من الغرب، تأخر الفاتيكان في الرد وأثرها على حوار الأديان، الجهود التي تقوم بها منظمة المؤتمر الإسلامي، دعوة الكاتب للإستفادة من دراسة الحالة، بداية حملة للتعريف بالإسلام والرسول الكريم، إعادة النظر في قوانين النشر، لمحة سريعة عن الدعوات المغرضة والتحذير من الدعوات التي قام بها عضو الكونجرس الأمريكي.

الرسوم الكاريكاتورية وأثرها على الإقتصاد والسلم العالمي، المقاطعة ودورها في علاج الأزمة، أثر الرسوم الكاريكاتورية على الهجرة والمهاجرين الى الغرب، التنظيمات النازية وأثرها على المهاجرين، التحذير من إستفادة بعض الدول من هذه القضية وخصوصاً فيما يتعلق بالمعارضين السياسيين.

وإستكمالاً لما سبق سوف نركز على أن الهدف الأساسي هو المطالبة بحقوق المسلمين المشروعة التي تكفلها لهم جميع الديانات السماوية، والقوانين الدولية العادلة التي تنص على احترام الأديان، وينبغي التفريق بوضوح بين حرية الرأي والتطاول على الرسل.

ولاسيما أن بعض الصحف الأخرى ألمانية وإسبانية وفرنسية وسويسرية وغيرها من دول أخرى، أعادت نشر الرسوم متذرعين بحرية الرأي حتى قالت إحدى الصحف أنه لاحصانة لأحد من التهكم في الغرب، حتى أن منظمة مراسلون بلا حدود دافعت عن نشر الرسوم، بالقول قد تبدو هذه المبادرة استفزازية، لكن أساسها مبرر بالكامل ولا تستحق في أي حال من الأحوال الاعتذار من أي كان.


حاولت الجالية الإسلامية ومعها السفارات العربية والإسلامية في الدنمارك تجاوز الأمر بالطريقة الأفضل وعبر القنوات الحكومية والدبلوماسية، إلا أن إعادة نشر الرسوم تعتبر بكل المقاييس عملا وقحا وشنيعا فيه تعدي على مشاعر المسلمين مع سبق الإصرار، وأن ذلك ما كان ليتم لولا قوانين النشر في يعض الدول الأوروبية التي لا تمنع ذلك ولا تحدده الأمر الذي يدعونا أن نطالب بتغيير قوانين النشر في تلك الدول وأن تتمسك منظمة المؤتمر الإسلامي بهذا الحق غير القابل للتنازل.

ولابد من الإشارة هنا الى وسائل الإعلام الصهونية ودروها في تأجيج الصراع بين الغرب والشرق من خلال تشويه صورة الإسلام والاستهزاء بالأنبياء والرسل، بتغذية الحقد، وماذا يعني أن يصف بعض الحاخامات المسلمين بأنهم أفاعي وحشرات، ومازالو يتطاولون على شخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وإن هذه الإساءات المتكررة سبََّبَها قادة الكراهية والشر في هذا العالم.


وهذه الإساءات ليست جديدة في طابعها ومقصودها، فقد دأبت كثير من وسائل الإعلام على التعرض للإسلام والمسلمين والنيل من قدسية معانيه ونبل مبادئه العظيمة، ولا تزال تلك الوسائل تحتضن كل شاذ وضال ممن له تاريخ أسود حافل بالتطاول على الإسلام وعلى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم والتربص بالإسلام والمسلمين، وتقدم لهم التسهيلات بحجة حرية الرأي وتشجيع الأعمال الفنية والأدبية.

وإن مايحدث من إستمرار التهجم على الإسلام والمسلمين يأتي ضمن سياق المفهوم الغربي لأيديولوجية quot;الخير والشرquot; التي تعتبر المسلمين شرا لا بد من إستمرار الحرب عليهم تحت أي ذريعة أوأي مسمى براق في ظاهرة ولكنه قاتم ينم عن حقد دفين في جوهره، وإن كان الخوف من الإسلام بعد سقوط الشيوعية هو الذي يدفع بعض الغربيين إلى النيل من شخص رسولنا الكريم.

ولم تكن الصحف الدانمركية والنرويجية الجهة الأولى في التهجم على الإسلام والمسلمين، بل إنها تأتي في سياق زمني طويل بدأ بإصدار الدراسات التي تتهكم على النبي وأصحابه، والسخرية من عبادات المسلمين، وبث الأعمال الفنية والسينمائية التي تنتقد المسلمين، من خلال تشويه صورتهم لدى الرأي العام العالمي.

من الواضح أن هذا الأسلوب في الإساءة إلى المسلمين لدى بعض الكتاب، غدت أقصر الطرق للشهرة، ورفع حجم المبيعات، بدءا آيات شيطانية ومرورا بالاستهانة بلفظ الجلالة، وسلسلة طويلة من البذاءات، وانتهاء بما أقدمت عليه الصحف الدانماركية والنرويجية وماتلاها.

ولعل البعض يتصور أن دور الموقف العربي والإسلامي في المقاطعة الإقتصادية للمنتجات الدانماركية والنرويجية سيضع حدا لهذا التطاول في العالم بأسره لعلهم يشعرون بمدى الجرم الذي قام به البعض منهم، وأن عليهم إحترام عموم المعتقدات والأديان السماوية ونحب أن نذكر بسؤال أين هؤلاء المتطاولون على الدين الإسلامي من كلمات الرسول الطيبة التي تدعو الى الرحمة والتعاون والسلام والعدل وكرامة الإنسان ؟.

ونحن لانستغرب ماقامت به تلك الصحيفة وماتلاها من صحف ووسائل إعلام فكل ذلك مخطط مرسوم بدقة متناهية منذ الحروب الصليبية ولكن على مراحل وهذه المرحلة هي مرحلة دخول هذا المخطط إلى خطواته العملية والتنفيذية بدأت بعض ملامحها بالظهور ويقوم أساس هذا المخطط على الخطاب الإعلامي الذي أصبح يتسرب عن طريق صور ومعلومات وبطرق غير مباشرة لينتزعوا الأمة الإسلامية من واقعِها ويختطفونها من محيطِها، يسهلُ التنظيرُ لها، حتى لا تكونَ واقعاً عمليّا ملموسا ونحن نعيش في الغرب ونعلم ذلك تمام العلم.

ان المخطط الذي يستهدف القضاء على الإسلام والمسلمين مستمر وسنتعرض إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراءه والتي تكمن في قياس ردة فعل الشارع الإسلامي وراء نشر مثل هذه الصور كبالون إختبار للاستعداد رسميا والتهيؤ من اجل إطلاق مخططات كيدية تدميرية والتي نعرف أهدافها جيدا ومنها هدفان الأول ضد رسول الله عليه أفضل الصلوات والسلام والثاني تدمير الإسلام وأهله.


ولكن أخشى ما أخشاه أن يطول الصمت المطبق على عقول البعض من قادتنا وشيوخنا وعلمائنا لما يتعرض له الإسلام وأهله من مؤامرات، حتى يعتادوا على ذلك، فتخرج الأمور عن سيطرتهم فتقل هيبتهم، فلا يُقبل منهم رأي ولا مشورة ولا فتوى ولا نصيحة، لأنّهم سكتوا والساكت عن الحق شيطان أخرس، وكلنا ثقة في شعوب هذه الأمة.

إن هذه القضية ليست بجديدة فالحرب على الإسلام بفكره ومنهجه ممثلة في شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم مستمرة ومستعرة وان كانت تأخذ أشكالا مختلفة، ولكن الله عزيز ذو إنتقام وسوف ينتقم لرسوله الذي ارسله للبشر كافة بشيراً ونذيراً.

وهناك رسومات ومغالطات تشوه الرسول ومنها على سبيل المثال: صورته مع عائشة وجبريل والبراق في كتاب دنماركي جديد لتستمر الإساءات وتنطلق من قلب الدنمارك تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأتي كتاب `القرآن وحياة الرسول محمد` لمؤلفه كوري بلوتيكن ليشكل استهتاراً جديداً بمشاعر المسلمين بعد صدوره في 24/1/2006م. وعلى الرغم من الغضب الكبير الذي أنتجته الكاريكاتيرات الأولى التي نشرتها صحيفة `يولاند بوسطن` الدنماركية، في العالم الإسلامي. إلا أن الكاتب بلوتيكن أصر على تحدي المسلمين في كتابه الجديد المكون من 272 صفحة، مزودة برسومات تصور الرسول صلى الله عليه وسلم.

واللافت في الكتاب أن مؤلفه يدعي أنه موجه للأطفال، ولذلك زوّدوه بالرسومات التي تقدم تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعتبر تلك الرسومات مرفوضة أصلاً في العقيدة الإسلامية، لأنها تقدم تشويهاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فإحداها على سبيل المثال تصوره وهو يتأمل تعذيب اليهود في المدينة المنورة وهم يتألمون، وأخرى له مع عائشة رضي الله عنها، وثالثة، تظهره على البراق في الإسراء والمعراج، ولم يكن البراق لدى الرسام والكاتب سوى حصان بجناحين ورأس امرأة، ورابعة، في غار حراء ويبدو فيها جبريل عليه السلام بجناحين أيضاً... وما إلى ذلك من رسومات هدفها تشويه صورته صلى الله عليه وسلم.

ويدعي الكاتب أنه استمد معلوماته من كتب ثقافية إسلامية من أجل سرد حياة محمد عليه الصلاة والسلام، غير أن واقع الحال ومحتويات الكتاب تؤكد أنه لم يفعل ذلك سوى لغاية التأثير على عقول الأطفال وتقديم صورة مسيئة للإسلام. فالأطفال عند قراءتهم لمثل كتابه لا يستطيعون التفريق بين الحقيقة التاريخية والخيال، وترسخ الصور بذاكرتهم وترسم الرؤية غير الصحيحة.

ويلاحظ أن محتوى الكتاب يتركز على آراء الكاتب الشخصية التي يظهر فيها الاتجاه العدائي للإسلام، إذ إنه لم يكن صادقاً في وصف الوقائع والأحداث التاريخية، ونجده يكتب بسخرية عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها، ويحاول التأثير على عقول القراء في الغرب باختلاق روايات لا أساس لها من الصحة. وأمعن المؤلف في الإساءة حيث يصف الرسول صلى الله عليه وسلم، بأنه قاتل بدم بارد، ولا يحمل مروءة، وكتب ألفاظاً كثيرة أخرى لوضع الصفات السامية موضع الشك لدى الأطفال.

وقبل أن أودعكم أتسائل هل هناك علاقة ذات دلالة علمية أو دينية ستؤدي الى غزوة كوبنهاجن ؟ وهل ستكون من الداخل أم من الخارج ؟

الحلقة الخامسة

مصطفى الغريب

شيكاغو