بداية التحول


بمناسبة اعتذار السيد وليد جنبلاط عن تعامله مع النظام السوري طيلة العقود الثلاثة الماضية، وإصراره على أن المعركة من أجل الديمقراطية واحدة ومترابطة بين سوريا ولبنان، رغم الإدانة التي تواجه بها تصريحاته من قبل بعض السوريين وخصوصا السلطة وإعلامها وبعضا من المعارضين!! هذا الاعتذار الذي انتظره الشعبين السوري واللبناني لم يأت متأخرا كثيرا بل جاء في قلب الحدث السوري في تصعيد لافت ومستمر من قبل السيد جنبلاط الذي تحول صوته إلى صوتا يخدم قضية الحرية في البلدين، هذه التصريحات التي لم تعد تأخذ بعدها من الأس الطائفي للتركيبة اللبنانية، بل تتعداها إلى الأس اللبناني السوري للمطلب الديمقراطي، هذه التصريحات والمواقف والتي نرجو ألا تكون عارضة بالطبع يحتاجها الشعبان السوري واللبناني معا، والغريب بالأمر أن الأدانة التي أتت من مشايخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا لتصريحات السيد جنبلاط: تؤكد أن النظام السوري ماضيا في نفس السياسة، بغض النظر إذا كانت هذه التصريحات لمشايخ العقل تمثل موقفهم الفعلي أو أنهم ككل الشعب السوري تعرضوا ويتعرضون لضغوط من أجل التحرك في المساحة التي تخدم النظام السوري، إنما يؤشر على المدى الذي يذهب إليه النظام السوري في تفعيل أي عامل مهما كان من أجل أهدافه الخاصة وأجندته التي باتت مهترئة ومكشوفة ومأساوية على الشعبين السوري واللبناني. وتفعيل تصريحات لمشايخ عقل الطائفة الدرزية في سوريا والذين لم يكن يسمح لهم حتى الآن التدخل وإبداء الرأي المخالف للنظام في أي شأن من الشؤون السورية إنما يؤكد ما نقوله: أن النظام يلعب بالنار ومستعد للمضي في ذلك دون أي رادع. ومع ذلك نشكر السادة مشايخ العقل بأنهم أدلوا برأيهم وموقفهم تجاه شأن سوري. عل هذه المسألة تكون بداية لصوت جديد في كل ما يخص الشأن السوري وليس فقط الرد على تصريحات السيد جنبلاط فقط.
في الضفة الأخرى أيضا نجد أن التحالف الجديد الناشيء بين العماد ميشيل عون وحزب الله والتي تعتمد على التحالف بين حزب الله والنظام السوري من جهة وعدم تدخل تيار لبنان الحر في القضية السورية / وعدم التدخل هنا تأتي على أرضية أن السيد ميشيل عون يعمل من أجل الوصول إلى الرئاسة اللبنانية مهما كان الثمن، وهذا يذكرنا بتحالفه مع صدام حسين في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي في مواجهة خصومه السوريين والقوات اللبنانية. وهذا يؤكد دوما على أن هنالك تلازم موضوعي بين البلدين وشؤونهما الداخلية حتى، فالتوضعات اللبنانية باتت تتوضع الآن على أساس مهم من الأسس التي تنبني عليها وهي العلاقة مع النظام السوري.
أما تيار 14 آذار فعليه ان يتخلى عن حساباته الطائفية نهائيا لصالح لبنان علماني وديمقراطي وهذا الفضاء الدولي الآن يساعد لبنان في الخروج من عنق الزجاجة الطائفية إلى فضاء دولة مدنية علمانية معاصرة. ودون هذا البرنامج ستبقى قوى 14 آذار دون الفاعلية المطلوبة في بحثها عن استقلال لبنان!! لأن المطلوب هو استقلال لبنان وليس استقلال بعضا من طوائفه وفئاته فقط. ولا يتم هذا الاستقلال الفعلي إلا بالمضي قدما نحو هذا الهدف.
وما يلفت النظر هو تصريحات بعض مسؤولي حزب شارون / كاديما / من أن حياة السيد جنبلاط تهمهم، ومستعدين للدفاع عنها وحمايتها!! تماما كما نشرت الصحف الإسرائيلية خبرا عن علاقة السيد عبد الحليم خدام مع الموساد الإسرائيلي بعد أن انشق عن النظام السوري!! وكأنهم يريدون دوما الإساءة إلى أي شخص يمكن له أن يؤثر على وضع النظام السوري!!
وهم أكثر من يدركون أن التلميح والتصريح بمثل هذا إنما يؤدي إلى حرق أصحابه شعبيا أمام الرأي العام في المنطقة العربية، وهذا بالضبط ما يريدونه!! لأنهم يعملون على بقاء نظام بشار الأسد / ضعيفا في سوريا ودون أي تغيير بحجة خوفهم من الفوضى بعد تغيير النظام!! الإسرائيليون أوالقسم الغالب من ساستهم يخافون من الفوضى!!
الأسرائيليون تماما على ما يبدو كالنظام المصري لايريدون تغييرا سلميا ديمقراطيا في سوريا يكون نموذجا ديمقراطيا حقيقيا لشعوب المنطقة العربية، لهذا هم بالمرصاد لأية محاولة من شأنها أن تساهم في هذا التغيير السلمي الديمقراطي!!
وهذا ليس موضوعنا الآن ولكن بتنا نرى ترابط الأوضاع المعقد في هذه المنطقة، والتحول الأهم هو التغير الذي بدأ على القوى اللبنانية الفاعلة في التعاطي مع الشأن السوري والذي افتتح فضائه الشهيد سمير القصير رحمه الله.

غسان المفلح