كنت أتابع مثل الآخرين اقتحام الجيش الفاشي للدولة العنصرية إسرائيل ؛ وشاهدت هذا الجيش المدجج بعنصريته وقد اخرج السجناء العزل عراة، ومن خلال هذا المشهد رأيت عري المحافظين الجدد من ورقة التوت: معاضدة الديمقراطية، وتقديم النموذج الغربي لأنعتاق شعوب الشرق الأوسط الكبير، كما رأيت مع آخرين تمادي بلير وحزب العمال في الكذب والتبعية.
هكذا مشهد يجسد مأزق الإدارة الأمريكية أما الديمقراطية الفلسطينية، ويكشف هذه السياسة التي تكيل بمكاييل؛ فيتجسد الإرهاب على شكل جيش لدولة لا تتحقق الديمقراطية في مجتمعها إلا بالقتل والعدوان، ولا تكون مصداقية لحلفائها إلا في التراجع عن أي تعهدات من أجل إنجاح هذه الديمقراطية الدموية.
هكذا بين هذا الحدث المأزق الذي خلقته الديمقراطية الفلسطينية لإسرائيل، وقبلها الإدارة الأمريكية وحليفها الصغير بيلر. لقد عادت هذه العقلية الفاشية إلي الدفاتر القديمة كي تعيد توازن القوى في مجتمعها العنصري؛ قضية سعدات ورفاقه. وهي تعيد نهج شارون من يعاني سكرات الموت؛ الذي كلما اختلت صفوفه أعاد الثقة لناخبيه بعملية عسكرية في غزة تحت أي مبرر.
وكي يتقدم هذا الـ quot; إلي الأمام quot; ndash; كاديما- في الانتخابات لا بد من ارتكاب جريمة، ولأن بوش نبي الديمقراطية ذات الأنياب فلا بد من تقديم كل عون، من أجل إيقاف هذه الديمقراطية الفلسطينية التي بينت انه باستطاعة هذا الشعب الفلسطيني أن يقاتل وباقتدار علي كل المستويات، وأن يقدم في الشرق الأوسط النموذج الديمقراطي الذي جعل ما قدم كنموذج للديمقراطية؛ المتمثل في إسرائيل، نموذجا رديئا وحتى فاشيا مرتكزه الفصل العنصري.
فما هي الجريمة الجديدة لسعدات ورفاقه؛ غير أنهم شاركوا في انتخابات ديمقراطية، وقدموا نموذجا فريدا من زنازينهم. وما هو قد حدث فيما مضى، بغض النظر عن رأينا فيه، قد تم ضبطه بمواثيق والتزامات أمريكية انجليزية، فما استجد في الأمر غير الانتخابات الفلسطينية ونتائجها، والانتخابات الإسرائيلية القائمة التي استدعت تعرية أجساد السجناء كي يكون كل شيء على المكشوف.
هكذا إذا يسوق المحافظون الجدد بضاعتهم بنقض المواثيق، وباستعمال للقوة بشكل إرهابي فاضح يستفز كل نائمة، ويبرر كل رد فعل ضد هذه العنجهية، التي تحب أن تظهر مفاتنها على السجناء سوى في غونتاناموا أو في quot; بوغريب quot;، ثم في أريحا.
فما هي الرسالة المسكوت عنها التي توكد عليها إدارة بوش والتي نفذها زعماء كاديما، غير دفع الناخب الإسرائيلي الإرهابي إلي التصويت لكاديما، وغير إحراج السلطة الفلسطينية، ودفع حماس لردود أفعال تورطها وتزيد من مأزقها في حل مشكل تكوين الحكومة، ومشكل التعهدات الفلسطينية؟


ظهور الحكيم
منذ فترة اختفي عنا الحكيم أو جورج حبش الأمين السابق للجبهة الشعبية، وفي هذه اللحظة أصدر بيانا يشجب فيه الاقتحام الصهيوني لسجن أريحا والتواطؤ لانجلوا أميركي.
لقد بدأ وكأن هذا العدوان عند الحكيم إعادة لسيناريوهات يعرفها جيدا، وكثيرا ما واجهها في النصف الثاني من القرن الماضي. هكذا يبدو أن ما شاهده الحكيم وما دفعه للظهور هو استعادة أساليب ونهج الحرب الباردة، فليس بإمكان التحالف الثلاثي أنجلو أمريكي إسرائيلي القبول بغير أجندتهم لمجريات الأمور في الشرق الأوسط على الخصوص.
وعلى ذلك كان خروج مؤسس الجبهة الشعبية؛ كي يوضح المسألة أيما توضيح، وكأن هذا الظهور الشاجب، يشير إلي أن مواجهة هكذا نهج يستدعي نهجا ثوريا، فمن الحكمة عند الحكيم أن يكون الرد علي الفعل المتمثل في نقض المواثيق، والاعتداء على السجناء، والتنكيل بهم أمام الكاميرات، فعلا يسترد روح المقاومة المقاتلة. وأن علي الديمقراطية الفلسطينية أن تكون أيضا ديمقراطية مقاتلة. فالعدو بما فعل؛ إنما يعمل علي تجريد السلطة الفلسطينية من معنى وجودها كممثل للشعب الفلسطيني، وكحامي لهذا الشعب، مثل كل سلطة ديمقراطية في بقاع الدنيا. وهذا الظهور في تقديري، ليس رسالة رمزية من قبل قيادة تاريخية لقيادة سعدات ولنهج الجبهة الشعبية، بقدر ما هو معاضدة لنهج الحكومة المقبلة والتي ترأسها حماس، ولإصرار حماس علي ثوابتها التي انتخبت على أساسها.
هكذا إذا هناك متغيران في الساحة الفلسطينية النجاح الذي تحقق علي الصعيد الديمقراطي، ومن ثم رد فعل الإسرائيلي المدعوم من الإدارة الأمريكية اتجاه هذا النجاح.
ولعل هذا العدوان علي أريحا استهدف في نتائجه السلطة الفلسطينية بالدرجة الأولي؛ فهو يريد أن يبين الأجندة المطلوبة من قبل الرئيس الفلسطيني؛ وأن قبول إسرائيل بعباس مشروط بتنفيذ هذه الأجندة، ومنها التصدي لنهج حماس. ولأن العدو لا يخون فقد أرفق هذه الأجندة مع دبابته التي انتهكت سيادة السلطة الوطنية، مذكرة بهذا النهج الذي اتبع مع الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ولوضوح هذا لدي القيادة الفلسطينية؛ وقف الرئيس محمود عباس مؤيدا لكل رد فعل اتجاه هكذا عدوان من جهة، ومن أخري أدان التواطؤ الأمريكي / الإنجليزي، مقدما التفاصيل التي تدين هذا التواطؤ. لكن هذا الوضوح هو نفسه ما يضع السلطة الفلسطينية أما التزاماتها اتجاه شعبها واتجاه كيانها الذي صار علي المحك، فلقد البس أبو مازن طاقية ياسر عرفات وصار رأسه مطلوبا في رأس هنية، بعد أن تم اقتطاع رأس سعدات من حجر رأس السلطة الفلسطينية.
والغريب أن سيادة دولة ما، تكون في سجونها، وأن الفرادة الفلسطينية حتى في هذه.

أحمد الفيتوري
[email protected]