الحلقة الثامنة

إن صراع الحضارات قد يتحول الى صراع أديان مالم تحل قضية الرسوم المسيئة للرسول الكريم التي بدأت شرارتها الملتهبة من الدانمارك وتضامن الدول الغربية معها والسؤال الآن هو كيف للدول العربية والإسلامية أن تخرج من هذه الأزمة متوحدة؟.
وإستكمالاً للحلقات السابقة نود في البداية أن نستعرض أهم النقاط التي وردت في quot;الحلقة السابعةquot; لنستكمل بعدها آخر التطورات والأفكار التي نشرت ويمكن تلخيص أهم النقاط فيما يلي: أعادت العديد من الصحف نشر الرسوم وهذا يعني تمادياً في الجريمة مع سبق الإصرار، المسلمون بحاجة الى التضامن من أجل حماية سنة رسولنا الكريم quot;ليسquot; بحرق الاعلام أو المظاهرات ولكن بالتطبيق العملى وإتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا يقوم معظم الناس من كل الاديان والجنسيات بمهاجمه الدين الاسلامى؟، لنتعرف على السبب فى مهاجمه الاسلام و الرسول، وبعد أن نتعرف على الأسباب ينبغي أن تقوم الجهات المسؤولة بطلب إستصدار قرار دولي من هيئة الأمم المتحدة بتجريم الإساءة للإسلام وسيدنا محمد، كما أستطاع اليهود إستصدار قرار بتجريم من ينكر محرقة الهولوكوست.

وفي هذه الحلقة سوف نستعرض أهم ماتداولته وسائل الإعلام وآخر تطورات القضية ونحن مازلنا في أول المشوار وينبغي أن يعلم دعاة الحضارة الجديدة أن ثمة محرمات لا تطالها الحريات وأن الديانات بشكل عام والسماوية بشكل خاص بل والاسلام بالأساس هي من أكثر الأمور حساسية و المؤثر الأكبر في النفوس، لقد أخطأ الإعلام الغربي وبعض السياسيون عندما أرادوا أن يصوروا الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم على أنها تدخل ضمن حرية التعبير.

إن محاولة الصحف الأوربية الأخرى للتضامن مع الصحيفة الدنماركية من هذا الباب ينبغي أن ينظر لها بأنها عملية في غاية الخطورة وهو ما قد يؤثر على التعايش الإنساني برمته، وأعتقد بأن المطلوب حالياً من المسلمين التعقل ودرس الأمور بحذر وتأني فالإستفزاز العالمي قادم وليس من دولة الدنمارك وحدها بل سيتبع ذلك مراحل أخرى حتى تستيطع قوى الشر في العالم السيطرة على العالم الاسلامي أجمع ووصمه بالإرهاب العالمي.

فلا بد من أخطاء يتم إرتكابها حتى تكون أعمالهم مبررة من قبل البعض وهذه الأخطاء لن تتم إلا بالإستفزاز العالمي الذي تترأسه قوى الشر في العالم عندما بدأوا بنشر صور معادية للديانة الاسلامية ومن ثم ينتظروا ردود الأفعال وهذه هي السياسة الجديدة المعادية للعالمين العربي والإسلامي، فهم ينتظروا ردة فعل عنيفة من قبل بعض المسلمين ليتحركوا ضد هذه الدولة الإسلامية أو تلك.

وينبغي أن لانكرر الأخطاء مثلما حدث في معظم أرجاء العالمين العربي والإسلامي ومن أمثلة ذلك في لبنان عندما خرجت الجموع الغاضبة وأحرقت السفارة الدانماركية وخرجت الوف اللاجئين الفلسطينيين في مسيرة بشوارع مخيمهم أحرقوا فيها الاعلام الدنمركية والنرويجية داعين أسامة بن لادن زعيم القاعدة للانتقام للرسول، أو ماحدث في سوريا عندما أحرقت السفارة الدانماركية أو ماحدث في الأراضي المحتلة أو ماحدث في البحرين عندما خرج بضعة الوف من المتظاهرين في مسيرة حاملين لافتات مكتوبا عليها quot;تسقط الدنمركquot; وquot;تسقط فرنساquot;، أوماحدث في مصر أو الباكستان أو العديد من البلدان.

لذا لانستغرب أن تكون هناك صورة مشوهة عن العالم العربي والإسلامي والكثير يشارك في صنعها وإزداد التخلف وعم الفقر حتى أصبح العرب والمسلمون أمة مستهلكة وغير منتجة، فأكثر الذين أساءوا للإسلام هم من المسلمين أنفسهم ثم من اليمين الغربي المتطرف الذين هم أول من تكلم عن الإرهاب الإسلامي وتبعهم القطيع لكي يزجوا بالمسلمين في أتون الإرهاب والعنف، وهذا العراق يصرخ وأفغانستان تأن وفلسطين تنتفض والشيشان تنتحب فهل من مجيب؟ لذا ينبغي أن نتدارك الأمر قبل إنتشار موجة العنف الى باقي الدول فيضع الغزاة شروطا على العالمين العربي والإسلامي.

وينبغي أن لانصدق كل مايقال فهناك من يعبر عن قلقه بسبب ما يجري حالياً معللين ذلك بالتقاليد العريقة والتعاون السلمي والعلاقات المفتوحة مع العالم الإسلاميquot;، مشددين على عدم قدرتهم مراقبة الصحف ولا يتحملوا مسؤولية ما تنشره هذه الصحف، ويؤكدون بين الحين والآخر أن الشعوب الغربية تقدر قيمة العلاقات الوطيدة بينهم وبين العالم الإسلامي والتي تقوم على أساس الصداقة والاحترام المتبادل، ويقولون أن الحضارة العربية قامت بمساهمة تاريخية هامة في الحضارة العالمية.

ويتشدقون بأنهم لا نية لهم لإيذاء الإسلام أو المسلمين، منوهين بأن لديهم جالية مسلمة في بلادهم أعطوها الحقوق لممارسة الأعمال ويساهمون بشكل إيجابي في المجتمع الغربي وبعض المسلمين تم انتخابهم في المجالس البلدية المحلية، ومنهم من انتخب في البرلمانات الغربية ويقولون إننا نقدر لهم كبير مساهمتهم في المجتمع الغربي وبعض المسلمون أعضاء حزبيون في الدول الغربية، ونقدر بشكل كبير مساهمتهم داخل الأحزاب.


هناك بعض العلماء المسلمين طالبوا الشعوب الإسلامية بالضغط على حكوماتها لاتخاذ مواقف جادة إزاء ما حصل، وهناك دعوات عديدة لإصدار قوانين تحمي المقدسات وتحرم إهانة الأنبياء، ودعوات أخرى لموقف إسلامي تجاه الدول الغربية التي استمرت في إساءاتها فنشرت الرسوم الدنماركية، ووصفت الجريمة التي تمت بأنها جريمة في أعظم شخصية بشرية في الوجود، وأن ماحدث يعتبر سباب علني، معتبرين أن الغضب الإسلامي فضيلة بل فريضة.

وهناك تساؤلات هامة وهي: ما الباعث على هذه الجريمة؟ ما الدافع إليها؟ وما هو موقف أمتنا من هذه الجريمة؟ وماينبغي علينا أن نعمل من أجل نصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهل السكوت على مثل تلك الجريمة سيولد العنف؟ وهل ينبغي أن نأخذ بالثأر لأنفسنا؟ وكيف يكون ذلك؟

لم يفهم الكثيرون أن الرسوم الكاريكاتيرية ومن نشرها ليسوا هم الغرب كله، بل هي جهات يمينية متطرفة سواء في الدنمارك أم في النرويج أم في غيرها من الدول الغربية أو حتى من سيعيد نشرها، وبالتالي فلا حاجة لنا بإتهام الغرب بمجمله أو دول بأكملها، فلا توجد مجتمعات كاملة تقصد إهانتنا وتجريح مقدساتنا.

إن أجمل هدية يمكن أن تقدمها لخصمك هي محامٍ فاشل لقضيتك العادلة، بل زادت الهجمة المتعمدة والممولة من الصهيونية الصليبية فنشر مؤخرا كتاب أسود بعنوان (القرآن وحياة الرسول) للكاتب الدانماركي كوري بلوتيكن وهو موجة للأطفال للتعبئة الحضارية المستقبلية الحاقدة وحمل الكتاب صور عديدة تسيء للنبي وللإسلام وتصوره وهو ينظر ويتأمل تعذيب اليهود في المدينة المنورة وهم يتألمون وفي خلاصة هذا الكتاب الأسود وصف الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بأنه قاتل بدم بارد ولا يحمل أي مروءة نزهه الله تعالى عما يصفون.

إن الحريات التي يتشدق بها الغربيون عموماً والثقافة التي ينادون بها هي لتأجيج المشاعر وصناعة الكراهية لتقود العالم إلى بركان دموي ينسج خيوطه هؤلاء المجردين من الأخلاق والمروءة والثقافة.

ورب ضارة نافعة فما حدث مؤخراً قد يكون فيه إصلاح حال الأمة الإسلامية إذا قامت بإعادة دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم على أسس علمية حديثة والتعمق في فقهها وفهم دروسها وربطها بالأجيال المسلمة وجعلها القاعدة الصلبة في إقامة المجتمع المسلم المثالي المبني على طاعة الله ورسوله وعلى التعاون والمحبة بين البشر جميعا لاسيما وان السيرة النبوية الشريفة تحمل معاني عظيمة وتعد مدرسة متكاملة ينبغي الإستفادة منها والتأسي بها.

وأنه من خلال تقيدنا بتعاليم شرع الله سنقدم للعالم أجمع قيماً حضارية جليلة ومبادئ سامية تساهم في تخليص الشعوب من الإنحلال والتخبط ومعالجة العديد من قضايا الإنسانية المتمثلة في السلم والأمن والاستقرار وقضايا الفقر والأمراض المتفشية وخصوصاً في المجتمعات الغربية التي تدعي حقوق الإنسان وهي التي ستدمر هذا الإنسان الذي خلق لعبادة الله وحده.

وإنني على يقين بان إيمان المسلمين بعالمية دينهم وتطبيق أحكامه في كافة مجالات حياتهم ومعاملاتهم اليومية وعلاقاتهم مع الآخرين بما فيها علاقاتهم الدولية يمنحهم ذلك حصانة وقوة ومنعة وحماية من دعوات التمييز والكراهية التي تستهدف الدين الإسلامي والنبي العظيم والهوية الحضارية للإسلام وأبناء هذه الأمة الذين يواجهون حاليا الاضطهاد والتفرقة وانتهاك حقوق الإنسان باسم محاربة الإرهاب العالمي.

وعلينا أن نكون صرحاء مع أنفسنا بالقول إن تعامل المسلمين فيما بينهم هو الذي إستعدى أعدائهم عليهم، فيجب إصلاح البيت من الداخل وبشكل عملي لا أن نتناول الإسلام من خلال التنظير والتأطير وقبل أن نوضح للعالم أن مبادئ الإسلام فيها الخير والرحمة والتعاون والعدل وأن نطبق الحلول التي جاء بها الدين الإسلامي على أنفسنا لمواجهة الموبقات وتفشي المخدرات والانحلال الخلقي الذي يأتينا من كل حدب وصوب ويخل بالأمن الاجتماعي للشعوب كافة.

ولكي نقوم بإبراز الجانب الأخلاقي في الإسلام والتعريف به وترسيخ مبادئ وقيم على رأسها التأسي بأعمال الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أرسل ليتمم مكارم الأخلاق وأن نقوم بتطبيق ذلك من خلال تعاملاتنا فيما بيننا كمسلمين أولاً لنكون قدوة قبل أن نعمل على نقل هذه المعاني والقيم إلى العالم الخارجي ولتكن في شكل صور ونماذج واقعية عملية وأمثلة رائعة تساهم في جذب الشعوب الأخرى إلى الإسلام لا النفور منه ولتفادي حملة العداء المستعرة على الإسلام.

من المنطقي أن تثير الكاريكاتيرات بعض المسلمين لأنها إستهزأت بالرسول و لكن من عدم المنطقي أن ننهى عن خلق ونأتي بمثله ونكرر القول هنا إذا كان هناك خلل فهو في التطبيق السليم لتعاليم الإسلام وليس في مباديء الإسلام نفسها وعليه ينبغي على المسلمون أن يلتزموا بمبادئهم قبل الدعوة الى إلزام الغير بتلك المباديء وعلينا أن نثبت صدق مبادئنا عملياً قبل كل شيء.

وعلينا أن ننبذ العنف أولاً قبل أن نستمع لكلام المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي شجبت الأعمال العنيفة للمسلمين الذين يحتجون على نشر رسوم كاريكاتورية عندما قالت quot;إن تشريع اللجوء الى العنف غير مقبولquot;.

وقبل أن أودعكم أتسائل هل هناك علاقة ذات دلالة علمية أو دينية ستؤدي الى غزوة كوبنهاجن؟ وهل ستكون من الداخل أم من الخارج؟

الحلقة السابعة


مصطفى الغريب

شيكاغو