لا جديد في نتائج الانتخابات التشريعية الاسرائيلية، فالمتابع لما يجري في اسرائيل من تغيرات اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، يلاحظ ظهور أحزاب جديدة لدورة برلمانية واحدة، ثم لا تلبث أن تختفي مثل حزب شينوي quot; التغيير quot; الذي كان له أربعة عشر عضو كنيست في الدورة السابقة، وما لبث أن اختفى. وظهور أحزاب جديدة مثل حزب quot; المتقاعدين quot; الذي حصل على سبعة مقاعد في الانتخابات الاخيرة، وليس غريباً ضمور أحزاب عريقة مثل حزب العمل الذي أقام دولة اسرائيل، وخسر الأغلبية أمام الليكود في انتخابات عام 1977، والذي أصبح في المرتبة الثانية في الانتخابات الاخيرة، ثم ضمور الليكود بحيث أصبح في المرتبة الرابعة حالياً.
وبما أن حزب quot; كاديما quot; الجديد الذي أسسه شارون قبل دخوله في غيبوبته المرضية، قد حاز على ثمانية وعشرين مقعداً، ليكون الحزب الأكثر تمثيلاً في دورة الكنيست quot; البرلمان quot; الحالية فإن زعيمه ايهود اولمرت خليفة شارون سيشكل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، بتحالف مع حزب العمل، وبعض الأحزاب الأخرى، وهذا ليس جديداً في السياسة الاسرائيلية، حيث أنه من المعروف تشكيل حكومات اسرائيلية ائتلافية منذ نشوء الدولة العبرية.
والذي يهمنا في هذا المجال هو تصريحات ايهود اولمرت بعد ظهور نتائج الانتخابات، والتي ترتكز على الإنفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد، ووضع حدود للدولة العبرية لأول مرة في تاريخها، مع التأكيد على عدم مفاوضة حكومة حماس.
ويلاحظ من هذه التصريحات أن حكام اسرائيل منذ نشوئها وحتى الآن يجيدون بامتياز فن إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، مع الحرص على عدم الوصول إلى حلول عادلة لهذا الصراع، على عكس القيادات العربية التي تجيد الادانة والإستنكار والرفض، دون بلورة خطة واضحة للتعامل مع هذا الصراع، ولعل زعيم الليكود بنيامين نتنياهو قد عبر عن ذلك بوضوح عندما قال بأن quot; العرب يرفضون كل شيء ثم لا يلبثون أن يتكيفوا معه quot; وقادتنا العرب والحمد لله يجيدون quot; الكيف quot; مع quot; التكيف quot; حتى في قممهم ولقاءاتهم الثنائية التي توصف دائماً بالتاريخية، ويبدو أنها تاريخية فعلا ً لأنها تخرج شعوبهم ودولهم من التاريخ.
فاولمرت يعني بالانفصال أحادي الجانب الانفصال عن السكان دون الأرض، وهذا يعني محاصرة المواطنين الفلسطينيين في تجمعاتهم السكانية، وعزلهم بالجدران عن أراضيهم الزراعية، وعن المستوطنين لتبقى نهباً للإستيطان، وبالتأكيد فإن الدبلوماسيين العرب ووسائل الاعلام العربية والأجنبية عندما يرددون بأن اولمرت سيضع حدود دولته عند جدار العزل التوسعي الاحتلالي الذي يشق الضفة الغربية من جنين شمالا ً حتى النقب جنوباً، يحسبون ان الحدود ستكون عند هذا الجدار الذي يعزل القدس بالكامل وحوالي 7% من اراضي الضفة الغربية عن امتدادها الفلسطيني والعربي، وهذا الفهم خاطئ أيضاً لأن هناك جدران أخرى تحيط بالمدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية، وتعزلها عن اكثر من 50% من مساحة الضفة المحتلة، وهذا ما يعنيه اولمرت بضمّ التجمعات الاستيطانية الكبرى الى الدولة العبرية، إضافة الى جدار الأغوار الذي سيفصل فلسطين عن الأردن، وعن الامتداد العربي بشكل كامل، وإذا كانت اسرائيل وأمريكا ودول أخرى تقاطع حكومة حماس، وتضع عليها شروطاً بدون مقابل، فهذا يعني عدم احترام خيار الشعب الفلسطيني، ويعني رفض العملية الديمقراطية ما لم تأتِ النتائج حسب مواصفاتهم، في حين تتم الاشارة والاحترام للديمقراطية الاسرائيلية التي توصل أحزاباً إلى الكنيست تؤمن بأرض اسرائيل الكاملة،وتشطب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة من التاريخوالجغرافيا، وكذلك الديمقراطية الامريكية التي احتلت العراق وافغانستان، وها هو اولمرت كسابقيه يشطب الشرعية الدولية وقراراتها، ويشطب القانون الدولي من خلال استمراره في ممارسة الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية المحتله في حرب 1967، بكل ما يعنيه الاحتلال من ارهاب دولة منظم، بل ويزيد على ذلك بأنه يريد ترسيم حدود دولته بضم حوالي 58% من أراضي الضفة الغربية.
واذا كان من المقبول ويعتبر أمرا ايجابيا وضع حدود للدولة العبرية، فإنه من غير المعقول ومن غير المقبول أيضا أن تكون هذه الحدود داخل الأراضي الفلسطينية المحتله، لكنه في نفس الوقت يضع حدا للجنون التوسعي الذي يرى أن المملكة الأردنية الهاشمية بكاملها جزء من أرض اسرائيل، ويحصر هذا الجنون في أراضي فلسطين التاريخية.
فإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية والدول التابعة لها معنية بالسلام العادل حقا، فإن ضغوطاتها يجب أن لا تتركز على حكومة حماس باجبارها على تقديم تنازلات، بل يجب أن تتركز على المعتدي ليوقف عدوانه واحتلاله لأراضي الغير، وأن تجبره على حصر حدود دولته حسب القانون الدولي، وحسب القرارات الشرعية الدولية.
مع التاكيد أن اسرائيل ومن ورائها امريكا لم تعطِ لحكومة فتح السابقة أية تنازلات، بل هي المسؤولة عن اسقاط حكومة أبو مازن، عندما استلم رئاسة الوزارة زمن الرحال ياسر عرفات، الذي حاصرته اسرائيل حتى القتل أو الموت في المقاطعة في رام الله،علما أنه مؤسس وزعيم حركة فتح، ورئيس الشعب الفلسطيني المنتخب، كما أنها لم تقدم شيئا للرئيس أبو مازن ولحكومته التي كانت من فتح، بل إن العناد والصلف الاسرائيلي هما اللذان دفعا الناخب الفلسطيني أن يعطي صوته الانتخابي لحماس، لان فتح لم تحقق شيئا من سلام quot; الشجعان quot; سوى اقامة السلطة الفلسطينية تحت الإحتلال و quot; كافأتها quot; اسرائيل ببناء جدار التوسع الإحتلالي، وحصار الشعب الفلسطيني وقتله وتجويعه.
وعلى الجميع أن يعلموا وان يتذكروا دائما ان السلام العادل ليس مصلحة فلسطينية وعربية فقط، بل ان جميع دول وشعوب المنطقة والعالم أجمع لهم مصلحة في السلام العادل، وهذا يتطلب وجود شريكين لعملية السلام، واسرائيل التي تدعي عدم وجود شريك فلسطيني تهرب دائما من متطلبات السلام العادل، والحقيقة تتمثل في عدم وجود شريك اسرائيلي جاهز لتلبية متطلبات هذا السلام، لإن السلام والاحتلال والتوسع لا يلتقيان، ففي الجانب الفلسطيني، وحتى في ظل حكومة حماس، هناك شريك للسلام هو منظمة التحرير الفلسطينية، وهي المرجعية للسلطة الفلسطينية بكاملها بما فيها حكومة حماس، كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وسبق وأن اعترفت باسرائيل كدولة، ورفعت شعار السلام العادل من خلال اقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في حزيران 1967 بجانب دولة اسرائيل، وهي جاهزة لتحقيق ذلك، لكن مع الأسف، لا يوجد شريك اسرائيلي جاهز لذلك.
وما طرح الحلول الإنفرادية من جانب اولمرت وسلفه شارون إلا معرفة مسبقة بأن الفهم الاسرائيلي للسلام غير مقبول على أي فلسطيني، سواء كان من فتح أو من حماس أو من غيرهما، تماماً مثلما يتعارض هذا الفهم مع القانون الدولي والقرارات الشرعية الدولية.
جميل السلحوت
التعليقات