قد يكون من العجائب والغرائب ان نعلم ان حماس ارتبطت بتحالف مصيري مع اليمين الاسرائيلي، وهذا القول ليس اتهام بقدر ما هو استنتاج منطقي لممارسات حماس ابان الفترة الماضية والتي اظهرت كم ان حماس مرتبطة مصيريا يهذا اليمين، فقد عملت كل جهدها للاتيان به الى الحكم في اسرائيل، وذلك لدفع الشارع الفلسطيني ليقع في احضنانها ويقتنع بطروحاتها ومبرراتها، والتي ما هي الا التكرار الممل لما طرحته الانظمة والحركات الثورية ابان حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مع اضافة نكهة اسلامية ليعود العقل ويستسيغها بدلا من اللسان، وليؤكد السياسيين للمرة الالف ان الشعوب تنسى ولا تتذكر في الظهيرة ما تذوته صبيحة اليوم نفسه.

فبعد بروز حماس مع اوائل التسعينيات من القرن الماضي عملت السلطات الامنية الاسرائيلية لجعلها البديل الاخر لمنظمة التحرير وليس لمنظمة فتح كما يترأي للبعض وذلك من خلال التسيهيلات التي كانت تتمتع بها وخصوصا التسهيل في حصولها على التمويل المالي من الاخوانجية في الخليج وايران رغم عداء الذي يتحكم العلاقة بين الطرفين الاخيرين الواضح.

وقد عملت حماس بكل السبل من اجل ايصال اكثر الاطراف الاسرائيلية يمينية الى السلطة، وكلنا نتذكر ما قامت به من عمليات انتخارية قبل فترة قصيرة من الانتخابات التي تنافس عليها كل من شيمون بيريس وبنيامين نتنياهو، فرغم حنكة وخبرة الاول السياسية سواء الداخلية او الخارجية ورغم ان كل المؤشرات كانت تدل على فوزه الا ان عملية لحماس قلبت التوقعات وخيارات الناخب الاسرائيلي راسا على عقب.

وخلال فترة حكم عرفات عملت حماس والاطراف المنجذبة نحو شعاراتها الايديولوجية على تقويض سلطة عرفات وحكوماته بمحاولة التزاوج بين المفاوضات والعمليات الانتحارية باعتبار هذه العمليات حقا لمن احتلت اراضيه، اي حاولت ان تفرض منطقها على المفاوض الاسرائيلي والفلسطيني والدولي، وبالرغم من امكانية الطرف الاسرائيلي والدولي التكيف مع اي حدث لكمية الاوراق التفاوضية التي يمتلكوها، الا ان الفلسطيني صار اسير الموجة الشعبية الحاقدة والتي تصور الاسرائيليين مجموعة من النعاج تنتظر ذئاب حماس لالتهامها وبين متطلبات التفاوض والقدرات الضعيفة التي يمتلكها.

ولا زالت الذاكرة طرية على زيارة شارون الى المسجد الاقصى والتي وصفت في اغلب وسائل الاعلام بانه نجس المسجد بزيارته هذه دون ان يرف لمن اطلق مثل هذه الاقاويل جفن، فكيف لانسان ان ينجس بيت من بيوت الله، والله هو خالقه وقد عملت بيوته لعبادته، وكانت ما كانت من اشعال نار فتنة جر اليها الشعب الفلسطيني ومنذ ذالك الوقت كل شئ في فلسطين نحو التدهور، وصار المطلب الفلسطيني العودة الى ما قبل ايلول عام 2000.

ولان حركة فتح التي استلمت زمام الحكم منذ الاتفاقيات المعقودة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحتى الان لا تمتلك الارادة السياسية لتطبيق ما عليها من الالتزامات وخصوصا ايقاف الفلتان الامني والذي شجع عليه لانه كان يستهدف الاسرائيليين، لا بل اليهود، فاسرائيل سحبت يدها من دعم السلطة هذه وتركت تفاحة السلطة تسقط رويدا رويدا في يد حماس وهي تتفرج لانها الادرى بالاتي.

والاتي يدركه الجميع، فعطش حماس للسلطة لا يدانيه اي تعطش اخر، وهي وبالتعاون المثمر والغير المعلن والذي هو نوع من التأمر المشترك المبني على قراءة الافكار اكثر مما هو مبني على الاتفاق المباشر، بينها وبين الاسرائليين فالتوقعات تقول ان حماس سرعان ما ستهئ الظروف والوضع لتقبل حل سلمي شبه نهائي لهذه المشكلة العويصة والمسماة القضية الفلسطينية لان مصالح الكل باتت في صالح الانتهاء منها. ولن يعوز حماس اي مصوغات دينية او سياسية لتحقيق ذلك والكل مستعد لتصديق هذه المصوغات منذ الان، وما التصعيد الاسرائيلي والحصار الدولي الا مقدمة من مقدمات حل لن يتمكن اي طرف من تسويقه اكثر من حماس التي يحميها زيها الديني والقتلى والانتحاريين الذين قدمتهم من التشكيك بنواياها.

اما مستقبل السلطة فاسرائيل لن يهمها من يحكم الفلسطينيين بقدر ما يهمها انه يجب ان يكون صمام الامان وان يتقيد بالشروط الواجبة التقيد بها ومنها عدم القيام بما يعكر صفو امنهم وتطورهم الطبيعي، وليعيش الفلسطينيين في جنة الشعارات ما بدا لهم.

ولذا فاننا نعتقد ان حماس بعدما كانت قد راهنت على الليكود وهي معارضة لفتح صارت اقرب الى حزب كاديما وهي في السلطة، وما هي الا اسابيع لترينا ما هو خيار حماس الحقيقي.

تيري بطرس

[email protected]