قضايا التحرش الجنسي في العالم العربي من القضايا المثيرة للإهتمام ولكن لم تأخذ حظها من التغطية الإعلامية أو أبحاث الدارسين وكذلك لم تجد لها صدى عند بعض الأطباء النفسيون وغيرهم من الجهات ذات العلاقة للتعرف على أسبابها وإقتراح العلاج المناسب لها، إلا أن مثل تلك القضايا تحظى بالإهتمام من قبل الجهات الأمنية في عموم العالم العربي لردع المجرمين وحفظ الأمن ولكن ليس لعلاج أسباب المشكلة ومثل تلك القضايا التي تهم الجنسين ينبغي أن تجد طريقها الى الحل وإن كان من شبه المستحيل علاجها بالكامل، وقبل فترة وجيزة تم إلقاء القبض على أربعة شبان في قضية تحرش جنسي بفتاتين في أحد الأنفاق على طريق النهضة في مدينة الرياض.

وكعادة العالم العربي الذي يهيج ويثور ثم مايلبث أن يهدأ وكأن شيئاً لم يكن فتلك القضية كانت مثار جدل وحديث المجالس والتي تطغى عليها هذه الأيام الحديث عن الأسهم صعوداً وهبوطاً تاركين أبناءهم وبناتهم يهيمون في عالم الضياع والمعاكسات بشتى الطرق وخصوصاً بعد إنتشار تقنيات البلوتوث في الهواتف المحمولة والتي قد أستخدمت أكثر من مرة في تبادل الصور الفيديو لتفضح الجناة من الشباب الذين يستخدمون تلك التقنيات للتعبير عن تصرفاتهم المتهورة بالفخر والإعتزاز ولكنها غير محمودة العواقب.

وغالباً ماتتحول تلك المحاولات إلى قضية رأي عام بعد إتمام النشر وتبادل المقاطع المخزية والتي تعبر عن سوء في الأخلاق التي يتمتع بها بعض شباب اليوم والمفترض أن يكونوا رجال الغد، فهل نحن أمام غدٍ مشرق أم أمام تفسخ إجتماعي رهيب؟.

والحمد لله أن العيون الساهرة قد تمكنت من القبض على الجناة خلال فترة وجيزة وهو ما يجعلنا نفخر بإعتزاز بقدرات رجال الأمن ممثلين بوزارة الداخلية التي تحارب الإرهاب بشتى أنواعه وهم درع الوطن الواقي ولكن الجهود المشكورة التي تقوم بها هذه الوزاره بحاجة الى مساندة ودعم على كافة الأصعدة بالتساوي والتوازي لرفع المستوى الأخلاقي لجيل المستقبل وإن كانت مثل تلك الحالات يقوم بها نفر قليل إلا إنها تدق ناقوس الخطر الداهم بعد إنتشار الفضائيات التي تنشر الرذيلة والإستخدام غير الأخلاقي لتقنيات دخلت كل بيت.

وفي هذا المقام ينبغي الإشادة بالتوجيهات السامية الواضحة والسريعة والمتفاعلة مع الأحداث سواء كانت داخلية أو خارجية سواء على الصعيد الإجتماعي أو الإقتصادي أو غيرها من الصعد، إلا أننا ينبغي أن نعترف ببعض القصور من بعض مؤسسات المجتمع المدني وبعض أفراد المجتمع الذي يترك مهمة تربية أبنائه الى الدولة وكأن الدولة هي المسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها بعض أفراد المجمتع كما أنحى البعض باللائمة على بعض الجهات الحكومية في قضية هبوط أسعار الأسهم وكأنهم غير مسؤولين عن تصرفاتهم في مضاربات الأسهم العشوائية التي أضرت بالسوق وتعاني الدولة لإصلاح هذا الخلل والذي أشير بأصابع الإتهام الى المضاربين في تلك الأسواق.

وعودة الى ذات الموضوع نجد أن أهم الأسباب التي تفضي لمثل تلك الحوادث هو نقص في التربية ونقص في الإيمان والوازع الديني ونوع من الكبت الداخلي الذي يخرج بين الفينة والأخرى عندما تقع أعينهم على مشاهد لم يعتادوا عليها في ظروف المكان و الزمان والتي كانت مهيئة لهم لتحركهم غرائزهم البهيمية على التعدي، وهي مشكلة سوء تصرف يكون التعبير عنها بأعمال مخلة بالشرف والآداب العامة أو أعمال مخلة بالأمن العام بتبني أعمال إرهابية كنوع من التعبير عن الذات غير الواعية.

ومن الصعوبة بمكان الدعوة الى الإحتشام في الوقت الذي ينتشر عبر الأثير ومن خلال الفضائيات الكثير من الصور الإباحية وغير الأخلاقية وصور الدماء والأشلاء وحتى اليوم لانجد في البرامج التي تبثها قنوات عربية التحذيرات التي يتبعها الغرب عند نشر مواد لفئة البالغين.

الغريب في الأمر أننا لازلنا نتكلم عن مجتمعاتنا بأنها quot;مجتمعات محافظة ولها خصوصيتهاquot; ولايرغب كتابنا الأفاضل وأساتذتنا الخوض فيها بالشرح والتوضيح والتحليل وطرح مثل هذا النوع من مشاكل المجتمع وكأننا مجتمع بلا مشاكل طالما نعيش في رغد من العيش وأن وضعنا الإقتصادي جيد أما الحديث عن وضعنا الإجتماعي السيء فلا أحد يجرؤ على الكلام على الرغم من وجود مساحة كافية للتعبير عن الرأي وحرية الصحافة أصبحت الى حد ما مكفولة في عالمنا العربي المعاصر.

والحديث عن تلك الجريمة النكراء تعيد إلى الأذهان قضية quot;برجسquot; الذي أدين بالمشاركة في إغتصاب فتاة وتم الحكم بسجنه،وذلك بعد أن قام برفقة إثنين من رفاقه بإغتصاب فتاة وتصويرها بكاميرا الهاتف المحمول والتي عرفت بقضية quot;جوال البانداquot; التي تباينت الآراء حول الحادثتين مابين مطالب بعقوبات رادعة تشمل التشهير بالفاعلين ومابين تحميل الجنس الآخر المسؤولية هم وذويهم أما أصحاب الرأي الوسط فقد حمل الطرفين من الجنسين وأولياء أمورهم وزر ماحدث.

ودائماً مانسمع عبارات إن مثل تلك الحوادث غريبة على مجتمعنا المحافظ سواء كانت تلك الحوادث تحرش جنسي أو عمل إرهابي وإن كنت أعتقد أن هذا التزاوج بين هذه الأعمال المشينة من تحرش وإرهاب هما وليدين لإهمال الأسرة التي تنجب وتترك الأطفال للشارع أو للدولة ليعملا على تربيتهم، أما الكتاب المفلسون فهم اللذين يزجون بالوافدين كسبب رئيسي وراء جميع المشاكل الإجتماعية التي نعاني منها كالإرهاب والتحرش الجنسي والبطالة وغيرها بدعوى الوطنية وهي ليست من الوطنية في شيء.

وعند الرجوع الى الإحصاءات والتقارير الحكومية فإن الذهول ينتابنا عندما نقرأ أن حوادث التحرش الجنسي تأتي في المرتبة الثالثة من حوادث الاعتداء الأخلاقي في السعودية من حيث العدد، وكشفت تقارير رسمية عن ضبطها 1012 متهما في 832 حادثة تحرش عام 1424هـ، بتهمة معاكسة النساء، 892 من المتهمين من البالغين و104 من الأحداث، ورغم وجود التحرش الجنسي كواقع إلا أن بعض علماء المجتمع لا يرون أن الأمر يشكل ظاهرة.

وتعد مواقف المدارس والشوارع المحيطة بها من أكثر المناطق التي تكثر فيها حوادث التحرش غير الأخلاقي بالفتيات، عن طريق إطلاق الكلمات الساقطة عليهن وتصويرهن بكاميرا الجوال لمحاولة استفزازهن من مجموعة من الشباب الذين يستقلون السيارات، وتتكرر هذه المواقف بشكل يومي الأمر الذي يكسر في نفس الفتاة أو المرأة الإحساس بالأمان، حيث لا يستطعن ذكر ذلك لأهاليهن لئلا يتعرضن للملامة والشك في أخلاقهن، وكأنما الفتاة أو المرأة أصبحت المسؤولة الأولى والأخيرة عن أخطائها وأخطاء غيرها وفي ذلك ظلم لها.

ومن المشاهدات المألوفة تجمع الشباب أمام مدارس الفتيات بشكل لافت وجريء أكثر من ذي قبل، لدرجة أن الشباب يطاردونهن بشكل يومي، ويتعدى التحرش الجنسي الشوارع والمرافق العامة إلى الساحات الإلكترونية حيث تتعرض المشاركات في المنتديات بأسمائهن الصريحة إلى مضايقات من خلال إرسال الصور الإباحية على بريدهن الإلكتروني، مما يسبب لهن حرجاً بالغاً خصوصاً إذا كن يكتبن في المنتديات بإسمائهن الصريحة.

وهذا الكلام ينطبق على معظم المجتمعات العربية أما في المجتمعات الغربية فهناك ماهو أدهى وأمر وتحت عنوان quot;تلميذات ضباط تعرضن لتحرشات جنسيةquot; كشفت بعض التقارير التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية أن أكثر من 300 حالة تحرش جنسي ضد نساء بينها 64 حالة إغتصاب و34 حالة لواط، سجلت في ثلاث أكاديميات عسكرية أمريكية عام 2004م، وجاء في التقرير أن النساء يمثلن بين 15 و17% من تلميذات الضباط في أسلحة البر والبحر والجو وأن quot;عددا كبيراquot; من حالات التحرش الجنسي لم يعلن عنها.

أما في جمهورية التشيك وتحت عنوان quot;ربع التشيك تعرضوا للتحرش الجنسيquot; أظهر أحدث استطلاع للرأي أجري في تشيكيا أن ربع عدد التشيك والتشيكيات قد تعرضوا في حياتهم للتحرش الجنسي أثناء ممارستهم أعمالهم المختلفة وان اغلب حالات التحرش طالت النساء، وأكد الاستطلاع الذي قام به المعهد الاجتماعي التابع لأكاديمية العلوم التشيكية بناء على طلب من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن التصرفات ذات الإيحاء الجنسي تقع في تشيكيا بشكل كبير.

وفي نهاية مقالنا نود أن نوضح أن مثل تلك القضايا لاينبغي أن يسكت عنها في ثقافتنا الشعبية العربية لأنها تمس المجتمع بشكل مباشر وخصوصاً العنصر النسائي من هذا المجتمع، وينبغي أن نعترف بأن هناك نساء عربيات يتعرضن لتحرش جنسي في معظم المدن العربية، وأن معظمهن آثرن السكوت لأسباب مجتمعية يجب أن ننفض الغبار عنها وأن لايكون السكوت عنها علامة من علامات الرضا الأمر الذي يزيد من حجم المشكلة حتى أصبح الكثير من النساء يحجمن عن أداء الكثير من الأعمال والخدمات تلقائياً، بسبب ما يتعرضن له من تحرش ومعاكسات ومضايقات.

وهذا الأمر يؤصل في المجتمع العربي ما يسمى بالسيادة الذكورية حتى إنتقل هذا المفهوم للسياسة ومؤسسات المجتمع المدني، حيث تتجنب المرأة الناشطة في المجالات المختلفة الشارع ما أمكن، درءا لما أستوطن في أذهاننا من تجارب سلبية وممارسات شائنة بحق المرأة في أحيان كثيرة حتى بات الإعتقاد السائد عند البعض بأن المرأة لم تخلق إلا لإسعاد الرجل ولايحق لها كذا وكذا من الأنشطة.

وإذا كانت مؤسسات المجتمع المدني هي ملك للجميع فلماذا نجد السيادة للذكور؟ بينما ينتقص حق المرأة في كل شيء حتى المشي في الشارع دون أن تتعرض لتحرش جنسي غير أخلاقي وماحدث مؤخراً في إحدى الدول العربية بحق بعض الصحفيات والناشطات من إنتهاكات وتحرشات غير أخلاقية بثت على جميع القنوات الفضائية إنه الدليل على مدى أزمة الأخلاق التي نعيشها في عالمنا العربي المعاصر.


مصطفى الغريب

شيكاغو