منذ أيام وأنا ألمس من تعليقات بعض القراء الأفاضل تشجيعا وتقديرا للأسلوب الإنتقادي في المقالات التي تتكرم ( إيلاف ) بنشرها في الموقع. وهذا دليل على ما أعتقد على عطش العراقيين الى سماع قول الحق في زمن قد تغير أوانه بعد أن سقطت الدكتاتورية وجاء العهد الوطني على حسب زعم بعض القيادات العراقية التي ما إنفكت تعزف على هذه الإسطوانة المشروخة ليل نهار؟!.
كما ألاحظ من خلال بعض التعليقات حرصا من بعض الأخوة الأعزاء على حياتي، وتنبيهي بمخاطر تجاوزي للخطوط الحمراء في هذا البلد الذي يعج باللون الأحمر.. دماء في شوارع بغداد والمدن العراقية، وأضوية حمراء على أبواب الوزراء والمسؤولين الكبار، حتى العلاقات بين أبناء الوطن الواحد، الشيعة والسنة، العرب والأكراد إصطبغت باللون الأحمر!.
فهل ترى أنني تطاولت الى درجة الإزعاج بحيث تدنيني من الإصابة برصاصة طائشة، وإلقاء جثتي المجهولة الهوية قرب ترعة أو ساقية لا يلتفت اليها أحد لكثرة إنتشار الجثث المجهولة الهوية في أراضي العراق؟. أم أن علي أن أسكت وأرضى لنفسي ولشعبي أن نجلس عراة إلا مما يستر من ورقة التوت في غرف منازلنا إتقاءا للحر بسبب عدم رحمة وزارة الكهرباء في هذا الصيف اللاهب اللهاب، أم أسكت على عطش الناس، وجوعهم الظالم، مقابل تنعم بضعة مئات من الأشخاص برغد العيش وحلاوة الحياة؟.
لقد مارست الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة على حكم العراق من سياسات القمع والإضطهاد ضد العراقيين، ما لم يفعله الحجاج أو هولاكوخان في بغداد. دكتاتورية عسكرية، تعقبها دكتاتورية حزبية، ثم دكتاتورية عشائرية تعقبها دكتاتورية عائلية، ثم دكتاتورية أمريكية تعقبها دكتاتورية طائفية، والعراق في دوامة عنف لا نهاية لها.. دماء ودماء تسيل في الشوارع وكأنها مجرد مياه طافحة من المجاري!.
عندما فجرت جماهير مدينة السليمانية إنتفاضتها الباسلة بدك معاقل حزب البعث وأجهزته الإستخارية والمخابراتية، ووقعت بناية الأمن الصدامي في المدينة والتي عرفت شعبيا( بالبناية الحمراء) وهي أشبه بسجن باستيل، كنت مع رفيقين نزور ردهاتها وغرفها المظلمة.. كانت هناك كابينة سفرية يستخدمها أزلام البعث من ضباط الأمن والمخابرات داخل البناية مركونة في زاوية من ساحة السجن. لقد رأيت بأم عيني عشرات الألوان من الملابس الداخلية لنسوة من المدينة مرمية داخل تلك الغرفة. وسمعت الكثير من المآسي عن إنتهاك أعراض الحرائر من قبل أولئك الضباط، حتى قيل ليquot; أن ضباط الأمن كانوا يعرون الفتيات ويضعوهن على الطاولة ويلعبون الورق ( الكوتشينة) على أجسادهن العارية بعد أن يكون الخمر قد أخذ برأسهم، وطبعا الفتيات كن من المسجونات إما بسبب إلتحاق إخوانهن أو آبائهن بصفوف البيشمركة، أو إشتغال أحد أفراد أسرهن بالتنظيمات السرية.
عندها فكرت أنني كنت على حق عندما ثرت مع شعبي ضد نظام الطاغية، وإلتحقت بجبال كردستان لأناضل لعشرين سنة متواصلة من أجل تغيير ذلك الواقع المؤلم والبائس.
لقد ثرنا من أجل أن لا تنتهك الأعراض بعد سقوط الطاغية.
ثرنا لكي لا يطاردنا مفوض الأمن وضابط الاستخبارات ويزجنا عنوة في صفوف الجيش الشعبي لمقاتلة دول الجوار.
كنا نرسم في خيالنا ونحن نسكن الكهوف ونرابط خلف صخور الجبال نحمل البندقية ونسجل عليها أسمائنا حتى لا يتركها رفاقنا الآخرين تقع بيد أعدائنا من قوات الدكتاتورية، أن نبني وطنا جديدا..
أن نغير التاريخ البشع والأسود للعراق المعاصر.
أن نستعيد البسمة لوجوه الأطفال.
أن نعيد الأنفاس للنساء الثكالى.
وأن نعيد الراحة والأمان لشيوخنا الكبار.
كنا نحلم أن نصوغ وطنا جديدا يرتقي الى مصاف دول العالم المتقدمة ويشبه الأوطان المتحررة.
كنا نحلم بإنهاء تلك الكتابات التي خطت بالدم على جدران السجون والأقبية المظلمة لدوائر الأمن والمخابرات العراقية في أرجاء العراق.
كنا نحلم أن نيسر للمواطن سبل الحياة الحرة الكريمة، وأن نلبي إحتياجاته المعيشية،وأن نغير من نمط حياته المعبد بالحزن والألم.
كنا نرسم خطوطا وردية ونحن نتغدى كسرات الخبز، ونخلط السكر بالماء بدل الشاي لنشربه مع وجبة غير دسمة من الطعام.
جعنا وعطشنا وتعبنا من أجل وطن نرسمه بأيدينا على خارطة الأرض، ليكون نبراسا للأجيال القادمة في المنطقة.
والآن سقطت الدكتاتورية ويقبع رأسها حقيرا وذليلا في سجن قرب المطار، يشاركه الحزن والهم كبار قادة دولته وأعوانه المجرمين.
فهل تحققت آمالنا وأحلامنا ؟؟..كلا، وألف كلا، تحولت تلك الأحلام الجميلة الى أحلام العصافير.
هدمنا سجن نقرة السلمان وأنشأنا سجن الجادرية!.
دمرنا سجن الرضوانية،فأنشأنا سجن وزارة الداخلية!.
سندمر سجن أبو غريب، ونقيم واحدا آخر في النهروان أو السيدية!.
قطعنا الكهرباء عن شعبنا وهي وسيلة الحياة!.
تركنا شعبنا يتجرع آلام العطش وطفح المجاري والخوف من المشي في الشوارع نهارا، ناهيك عن الليل، وأنشغلنا بالصراعات على الكراسي البرلمانية، وبأعداد البودي غاردات لحماية أعضاء المجلس النيابي وتدبير أثمان شراء سيارات حديثة لهم من عوائد الدولة!.
هجرنا ليالي بغداد الزاهية،فزرعنا الرعب والفزع في شوارعها المهجورة!.
قتلنا بعضنا بعضا على الهوية وعلى الإنتماء الحزبي، مع أن معظمنا كنا نقاتل الدكتاتورية سوية.سنة وشيعة وأكراد وعرب!.
كان بلدنا جميلا زاهيا رائعا رغم جثوم الدكتاتوريات المتعاقبة على صدور شعبنا، فحولناه الى خراب ودمار ودماء تسيل على الطرقات والشوارع، على يد الإرهابيين تارة وممن يتزيون بملابس وزارة الداخلية الجديدة تارة أخرى!.
فعلام نسكت إذن؟؟؟!!!..
وعن أي أنجازات ومكاسب تحريرية نتحدث؟ وعن أية خروقات وسلبيات نسكت؟ فالساكت عن الحق (شيطان أخرس) ولسنا شياطين ملعونين، حتى نسكت عن قول الحقيقة التي ناضلنا من أجلها سنينا طوال، رغم أننا لا نملك المدافع والرشاشات وضباط أركان لننقلب على الحكومة الجديدة المدعومة أمريكيا وبريطانيا واستراليا وايطالياوإندنوسيبا وبولندي. فنحن لا نملك غير قلما إذا أرادوا أن يكسروه فليكسروا.
أما صاحب ذلك القلم فهو ميت على أية حال، فليعدموه أو يصلبوه على أبواب المنطقة الخضراء في العاصمة ليتحول الى رمز جديد للديمقراطية العراقية الآتية مع رياح الجنوب الى بغداد؟!

شيرزاد شيخاني

[email protected]