من 5 يونيو/حزيران 67 وحتى 5 حزيران 2006 تاريخ طويل عبرت من خلاله أجيال تلو أجيال، تنظر بألم كيف العالم ينتقل من حال عادي إلى أفضل حال ونحن من احتلال بغيض إلى أبشع احتلال. إنها 39 سنة من عمر الزمن العربي المريض المنحدر دوما إلى الحضيض. تقارير التنمية الانسانية في البلدان العربية الصادرة عن الامم المتحدة تشهد بالأرقام على ذلك. 39 سنة من التجارب الفاشلة والدروس المريرة. ومن لا يتعلم من الدروس ويستفيد من التجارب فسيقع بلا شك في نفس المهالك. حقبة سوداء ما زلنا نعيشها مليئة بالآلام والمآسي والدموع والدماء والوعود العسلية بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر ومحاربة إسرائيل ومن وراء إسرائيل حتى مطلع الفجر، وبالشعارات البراقة التي انفضحت حقيقتها وانتهت إلى ما نحن فيه من نفاق وهباب، وفوضى وإرهاب، وتدهور واغتراب، إلا التحرير!
39 سنة عاثوا فيها فسادا فغربت شمسهم بجرير أفعالهم البشعة، وأنانيتهم الجشعة، وصنميتهم برفع صورهم وتماثيلهم كآلهة جدد يجب أن تعبد، وضربهم للفكر والثقافة والحرية والديمقراطية، واضطهادهم لشعوبهم بمخابراتهم، وإرهابهم لأهلهم، وغرورهم بنظاراتهم السوداء، واستبدادهم بكبرياء، واستكبارهم على الضعفاء، وجلبهم الحروب والبلاء. فأفلوا ومنهم من ينتظر.
وفي لحظات الأفول حَمَّلوا أخوهم الصغير كامل هزائمهم، ورحلوا. إلى أين ؟ إلى جحر فكري مظلم تراثي عتيق، ليناموا فيه نوم أهل الكهف العميق وتركوا أخوهم الصغير بعد أن كبلوه بأوزارهم وزرعوه ألغاما وأنفاقا وأذنابا وأزلاما لهم وصواريخ.
كلهم، من أنظمة الانقلابات والتحرير التي سلمت سيناء في ساعات الصباح الأولى، وانسحبت من الجولان المحصن تحصينا عسكريا رهيبا دون قتال يذكر، حتى أن وزير الدفاع السوري حافظ الأسد آنذاك أمر الجيش السوري بالانسحاب من القنيطرة قبل أن تصل إليها القوات الصهيونية ب 48 ساعة. ربما كان يومها موعودا برئاسة الجمهورية السورية إلى الأبد ولولد الولد حيث اعتلاها بعد ذلك على جماجم الرفاق، وأيضا بضم لبنان الذي احتله عام 76 دون عناء.
كلهم، من جبهة ومنظمات الرفض العربية التي لم تجد أمامها إلا الأخ الصغير لتحارب من خلاله إسرائيل ونتيجة لسياساتهم الحمقاء وحروبهم الخرقاء وثوراتهم الكأداء احتلت إسرائيل عروس العواصم العربية عام 82.
خلال الاجتياح الصهيوني للبنان كانت القوات السورية تنسحب سلما وتتموضع عِلْما حسب التعليمات الإسرائيلية.
أما دولة الممانعة الوحيدة فمرضت بالقلب بسبب اعتقالها لأحرار المثقفين وبالسكتة الكلامية أمام الإسرائيليين.
وماذا عن الصراع العربي الإسرائيلي؟
لقد انتهى حتى كلاميا وبالأخص منذ اتفاقيات أوسلو والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ومصافحات البيت الأبيض بين الزعماء الفلسطينيين والإسرائيليين، وقيام علاقات دبلوماسية واقتصادية ومبادرات شبه دبلوماسية وتجارية بين العديد من الدول العربية إسرائيل. وهكذا تحولت الصراعات إلى مبادرات، مكالمات، زيارات ومصافحات علنية ولم تعد سرية: رئيس وزراء إسرائيل إيهود براك يزور المغرب للتعزية بالملك الحسن ويصافحه الرئيس الجزائري العزيز بوتفليقة بحرارة. إلا أن مصافحة المصافحات حصلت في جنازة البابا بين رئيس نظام الممانعة السيد بشار الأسد والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وبين الرئيس الإسرائيلي كتساف. وبينما الرئيس خاتمي نفى المصافحة رغم حصولها، إلا أن الرئاسة السورية أكدتها بفصولها، ليس هذا فحسب بل أن السيد بشار كرر المصافحة معبرا عن توقه للمصالحة. ولماذا يصافح الإنسان عدوه إذا لم يكن الهدف مصالحته وإنهاء العداوة؟
هنا أسأل! منْ منَ الزعماء اللبنانيين صافح الإسرائيليين؟ ويقفز أحدهم كالزنبرك المضغوط منذ آلاف السنين، ويقول: والعملاء؟ ردا عليه، أريد التذكير ببعض الوقائع. أبان معارك عام السبعين بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين حاصر الجيش الأردني حوالي مائتي فدائي. بدل الاستسلام للشقيق قرر هؤلاء الاستسلام للعدو الإسرائيلي، الذي اعتقلهم بكامل أسلحتهم.
هل هؤلاء عملاء ؟ لا أعتقد. ومن يصفهم بذلك يكون مجحفا بحقهم.
إنها الحرب ومنطق الحرب بكل ما فيها من ممارسات وتصرفات مرفوضة،
إلا أنها تفرض في لحظة ما على المحارب قرارات غير عادية لا يمكن أن يفكر بها في لحظات عادية. صدام حسين عندما قرر تهريب طائراته فضل هروبها إلى العدو الفارسي بدل الشقيق السوري. حروب الآخرين الفوضوية على أرض لبنان بكامل بشاعتها ومجازرها وجرائمها ومرارتها فرضت على قلة الارتماء بأحضان إسرائيل دون إرادتهم الحرة. لماذا ؟ لأنه لم ولن يوجد لبناني واحد قد فكر بمد يده ومصافحة إسرائيلي قبل عام 75.
بعد إنتهاء الحرب عام 90 بميثاق الطائف اتفق اللبنانيون جميعا على أن إسرائيل دولة عدوة. لقد أعلن الجميع ذلك وفي مقدمتهم البطريرك صفير الذي أكد بأننا كلبنانيين آخر دولة عربية ستوقع سلاما مع إسرائيل. فكفى البعض متاجرة بهذه الموضوع الممجوج واتهامهم لأبناء وطنهم دون أدنى حق. موضوع آخر لا ينفكوا عن المتاجرة أو المشاجرة به بالطلعة والنزلة وعلى العامل والبطَّال وهو عروبة لبنان. مع أن وثيقة الطائف أكدت دستوريا بأن لبنان دولة عربية وشعبه عربي. رغم أن هؤلاء أنفسهم هم من يرفضون تطبيق الطائف التي أنهت الحرب ولا يسلمون أسلحتهم للدولة. هم بذلك يهددون عروبة لبنان في الصميم وما اتفق عليه اللبنانيون. ومن دون وثائق ودستور، الشعب اللبناني بثقافته وتاريخه وحضارته وأصالته وامتداداته العرقية هو عربي ومن عظام رقبتها. مع احترامنا الكبير لكل لبنانيينا من الأقليات غير العربية. فكفى متاجرة بهذه النقطة التي كلفتنا الغالي جدا من الدماء والشهداء.
هم يصافحون ويصفحون ويعقدون الاجتماعات السرية ويحلمون بعقد الصفقات مع الأمريكان، إلا أخوهم الصغير يجب أن يقاوم باسمهم جميعا حتى التحرير. ولا هم إن مات موت البعير. هم ينظرون من البعيد وينظِّرون في مقاعدهم باسترخاء وينعتونه بالخاصرة الرخوة. وإذا حاول التحرر من هيمنتهم وفكرهم المتحجر اغتالوا قادته ومفكريه واتهموه بالتآمر والتأمرك والتخاذل والانهزام والتبعية للغرب، وهبوا في وجهه تأنيبا وتقريعا وتوبيخا كأنه طفل قاصر.
ولهذا فيجب عليه أن يكون عبدا مأمورا لهم لكي يرضوا عنه. يجب أن يقاوم ويناطح بقرنيه الصغيرين قرارات الشرعية الدولية ويطلع صوتوا دائما بالعالي، ويهدد الأعداء والدول العظمى بقطع الأيدي والألسن وجز الجماجم وقبض الأرواح ولا يبالي.
وكلهم من دول التحريك والتحرير إلى الرفض والتبرير إلى المجابهة والممانعة ماذا يفعلون؟ سلما وسلاما عليك يا إسرائيل!
تركوا الساحة وشمعوا الخيطان، ولم يبق في الميدان إلا حديدان. وهل تدرون من هو حديدان؟ إنه أصغر دولة عربية مساحة وسكان. ولهذا فعليه حل الصراع العربي الإسرائيلي على حسابه، ورد العدوان وتحرير فلسطين بالكامل ومعها الجولان.
الحوار الوطني اللبناني تابع نشاطه الهادئ المحموم في الثامن من حزيران لعله يكشف لنا السبب الحقيقي لذلك الهجوم الذي قامت به جموع حزب الله ضد الآمنين من أهالي بيروت وبقية المناطق اللبنانية: هل هو بسبب البرنامج السياسي الساخر quot; بس مات وطنquot; أم أن وراء الأكمة ما وراءها، والسبب الحقيقي لتصاعد دخان الدواليب وتلبد الغيوم كامن وراء محاولة فرض استراتيجية حزب الله الدفاعية على لبنان؟
أو طرحه السؤال التالي عليهم: أيها اللبنانيون البسوا ما يفصل لكم حزب الله وأنتم الناجون! أي أمامكم حل وليس حلان، إما القبول باستراتيجيتنا الدفاعية لحماية لبنان وإما سيتصاعد من جديد الدخان ؟ وقبل أن يتصاعد أقول أخوكم الصغير يا عرب!
لا بد هنا من توجيه التحية إلى دول عربية تعمل جاهدة لمساعدة الأخ الصغير ومنها: السعودية ومصر والأردن والكويت وقطر والإمارات وغيرها.
سعيد علم الدين
برلين 06.06.08
التعليقات