بعد هزيمة يونيو حزيران عام 1967م، قال الجنرال موشي ديان في إجتماع مغلق في نيويورك مع الممولين اليهود quot; إذا كنتم تعتقدون إننا هزمنا العرب بالحرب في معركة الأيام الستة فأنتم جاهلون الحقيقة.. إننا هزمناهم بالرشوة... بالأموال التي دفعتموها لنا... إننا رشونا كل من له علاقة بفلسطين... إننا لانريد فلسطين للبكاء على الهيكل... إننا تجار هذه الأيام... إن هدفنا هو السيطرة على المنطقة بأسرها.. ! المنطقة الهامة التي تتحكم بالممرات المائية والثروات البترولية التي تسير العالم، نأمل أن تتابعوا تبرعاتكم حتى نكمل سيطرتنا ونصبح أسياد العصر... وشعب الله المختار (1)

هذه المقدمة فيها مجمل القضية وإجابة لسؤال هام وهو لماذا هذا الصمت العالمي والتخاذل العربي والدولي ؟. فمن أجل جندي إسرائيلي أسر في معركة إتخذت قضيته ذريعة لإسقاط حكومة حماس بالتعاون مع أطراف عالمية وعربية عديدة ولن نستثني منها الفلسطينية، ونحب أن نؤكد أن إصرار أولمرت على quot;خطة متواصلة تستنزف فصائل المقاومةquot; هو السبب في تأجيل الإجتياح الكامل، وليست الوساطة المصرية أو الأردنية أوالروسية أوغيرها من الوساطات التي سوف تأتي تباعاً.

وهنا نؤكد أيضاً حتى لو قبلت حماس بالإفراج عن الأسير اليهودي فلن تنتهي هذه الحملة الظالمة التي تؤيدها منظمات حقوق الإنسان بصمتها عما يجري هناك وتؤيدها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تمتلك حق الفيتو الذي لم يستخدم يوماً ما من أجل القضايا العربية أو الإسلامية وإنما يستخدم دائماً لمصلحة إسرائيل والدول الكبرى، أما الفصل السابع فوضع اساساً للدول العربية والإسلامية، لذا كنا على حق عندما نصحنا أشقائنا الفلسطينيين أن لايعتمدوا على قرارت الأمم المتحدة أو قرارات مجلس الأمن كما أن لايعتمدوا على إخوانهم العرب لأنهم عاجزين تماماً عن إيجاد حلول لمشاكلهم عوضاً عن تقديم يد العون والمساعدة، أما الشعوب العربية والإسلامية فهي مغيبة تماماً، وهنا نتسائل لماذا نتمسك بالمبادرات التي تهيء لإسرائيل الإستفادة من نتائج أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.

وعودة الى موضوع الرشوة وأهميته نجد أن الاعتقاد السائد في تل ابيب هو ان هناك وساطة من دولة ما ستكلل بالنجاح وان الجندي الاسرائيلي الاسير سيعود الى اسرائيل قريبا لقاء وعد حكومي شفوي غير مكتوب من رئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت على أن يطلق سراح اسرى فلسطينيين في المستقبل القريب، وبالتالي تكون هذه الوساطة قد منحت حكومة تل ابيب فرصة للحفاظ على ماء وجهها، بعد أن دمرت البنية التحتية من ماء وكهرباء وغيرها من الخسائر المادية والبشرية.

إن كان هناك من يحذر من الصفقة بقوله quot; انا احذر الدول والحكومات والقوى والاطراف التي تضغط على المقاومة لاطلاق سراح الجندي بلا مقابل لان ذلك يعني فشل العملية quot;. ولكن هناك صهاينة عرب لابد أن ينجحوا في زحزحة المواقف العربية المتشددة بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى لأن عهد المبادرات الأمريكية قد ولى دون رجعة لإنكشاف أهدافهم عبر العقود الماضية، لذا لابد من وسطاء عرب ليقوموا بالمهمة خير قيام ولايمنع أن ندفع لهم مقابل أتعابهم.

إن التعنت الإسرائيلي بقيادة إيهود أولمرت الذي أخذ موافقة من واشنطن ومن عواصم غربية وعربية وأطراف فلسطينية للقيام بمهمة إزاحة حكومة حماس التي طلب منها دولياً وعربياً الإعتراف بإسرائيل والإلتزام بالإتفاقيات مع حكومات سابقة، ووقف أعمال المقاومة ضد إسرائيل في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بعدم الإلتزام بأي إتفاق على الإطلاق، وماتقوم به إسرائيل سابقاً ولاحقاً مبني على قاعدة النوايا الحسنة، أي ليس على اساس مكتوب او ملزم قانونيا، او بتواريخ محددة لأي إتفاق كان في الوقت الذي تؤكد فيه إسرائيل يوماً بعد يوم أنه لايوجد لديها أي نوايا حسنة تجاه الشعب الفلسطيني وتجاه الشعوب العربية الأخرى.

إن من يعتقد أن إعادة إحتلال قطاع غزة من جديد بسبب الأسير الإسرائيلي فهو خاطيء، فهناك تقارير كثيرة تفيد بأن جيش الاحتلال الاسرائيلي خرج إلى حملة الاعتقالات الواسعة هذه وهو يحمل أوامر اعتقال موقعة من قبل قضاة اسرائيليين بعد سلسلة من الإجراءات أجرتها الشرطة الاسرائيلية بالتعاون مع النيابة العامة الاسرائيلية، وتؤكد مصادر إسرائيلية إن أوامر الاعتقال خطط لها قبل عدة اسابيع وصادق عليها المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية quot;ميني مزوزquot;، كما أن رئيس الشاباك quot;يوفال ديسكينquot; عرض على رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت قائمة quot;المطلوبينquot; من حكومة حماس ليصادق عليها، وهي محاولة اوسع للاطاحة بالحكومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس.

في إسرائيل هناك من يقول ان الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين حماس وفتح حول quot;وثيقة الاسرىquot; التي تحمل اعترافا ضمنيا باسرائيل كان محاولة quot;هزليةquot; من قبل رئيس الوزراء اسماعيل هنية quot;ليمنح نفسه تامينا على الحياةquot;، كما أن هناك من يعتقد بعجز إسماعيل هنية عن القيام بأي شيء لإطلاق سراح الأسير quot;جلعاد شاليتquot; مدعين بأنه ليس له اي نفوذ تماما مثل الرئيس محمود عباسquot; الأمر الذي ضغط على إيهود أولمرت لاخراج الجندي الاسرائيلي من قطاع غزة سالما بالقوة ومن دون تنازلات وقد تستخدم الرشوة لأطراف متعددة، لتفسح له المجال لتنفيذ خطته للفصل بعد تسوية الامر، ولاسيما أنه تعهد باعادة ترسيم حدود الدولة العبرية بحلول عام 2010م، بالتفاوض مع الفلسطينيين او دون التفاوض معهم.

وبررت وزارة الخارجية الاسرائيلية حملة الاعتقالات في بيان، بالادعاء أن احداث الفترة الاخيرة خصوصا اطلاق قذائف laquo;القسامraquo; وخطف الجندي، هي laquo;تجسيد لسياسة الارهاب التي تنتهجها الحكومة الفلسطينيةraquo;. واضافت ان تبني مسؤولية هذه الاحداث والمطالبة بتبادل اسرى التي صدرت عن وزراء في حكومة laquo;حماسraquo;، تثبت ان الغاية الاساسية لـ laquo;حماسraquo; ليست القلق على حياة الشعب الفلسطيني انما تنفيذ laquo;عمليات ارهابيةraquo; ضد اسرائيل و laquo;عليه قررت اسرائيل من منطلق واجبها الاساسي تجاه مواطنيها ان تطبق قانون منع الارهابraquo;.

أما مبررات إيهود أولمرت عن العملية فهو يقول إنها عملية جراحية صغيرة في غزة وهو لايعلم أنها قد تتحول الي عملية دموية كبيرة أو إنتفاضة شعبية جديدة وأن من يبدأ الحرب لايستطيع التنبؤ بوقت إنتهاءها، وهنا نتسائل كيف تكون عملية جراحية صغيرة ؟، وهي تعاقب جميع سكان قطاع غزة بقطع الماء والكهرباء وباقي الخدمات والقصف مازال يتواصل بالصواريخ والمدفعية، وأن حجم الحشود العسكرية كبير، وإن كان القصد منها هو استعراض للقوة لتأمين اطلاق سراح الجندي، الا انها بالنسبة للمراقب الخارجي لا تخرج عن كونها عملية عقاب جماعي من ذلك النوع الذي يحظره القانون الدولي.

ومما سبق نستطيع التأكيد والمراهنة على التفاوض مع ايهود اولمرت تشكل مضيعة للوقت كما كانت سابقاً مع سلفه شارون، والقيادة الإسرائيلية الجديدة لاتريد السلام وحركة حماس محقة في موقفها الرافض للاعتراف باسرائيل قبل انهاء الاحتلال وتفكيك الاستيطان اولا، وعليه لابد من إلغاء أي إجتماع بين عباس وأولمرت لأن quot;الفلسطينيين والاسرائيليين اتفقوا على عدم استئناف محادثات السلام مطلقاquot; وبداية مرحلة جديدة من الإرهاب الإسرائيلي مع مزيد من التصعيد الذي بالتأكيد سيخرج عن سيطرة إيهود أولمرت الذي جاء من خلفية مدنية غير عسكرية ولايعرف كيف أن التصعيد العسكري قد يخرج عن السيطرة ولاسيما أن وزير الدفاع عمير بيرتس يريد أن يحقق أهدافه على حساب الشعب الفلسطيني وعلى حساب حياة الجندي الأسير.
لذا سيستمر العدوان بالقوة تارة وبالرشوة تارة أخرى لتسقط عواصم عربية أخرى دون أن يوجد في هذا العالم صوت معتدل يقول دعونا نتوقف، وعليه يكون السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والعرب اصبح ضربا من الاحلام حيث لم يحدث اي تقدم في المفاوضات منذ سنوات ولن تقبل إسرائيل بأي مبادرات طالما أمريكا وحلفاءها تقدم لها الدعم والمبررات، وهناك من بني جلدتنا يتقاضى الرشوات.


جريدة (جويش كرونيل ) صادرة بشهر مارس عام 1968م


مصطفى الغريب

شيكاغو