بخطوة غير مسبوقة في تاريخ الإفتاء أصدر فقهاء السلطة والأنظمة العربية فتواهم (المخزية) في تاريخ الفقه الطويل والمشرف، وتنص هذه الفتوى أن ما تقوم به المقاومة من أعمال ضد إسرائيل هي مغامرات طائشة غير محسوبة، وقد رأى بعض هؤلاء الفقهاء أن أعمال المقاومة هي مغامرات صبيانية، يأثم صاحبها، وسيدخل أهل المقاومة نار جهنم (وأضاف فقيه نبيه: وبئس المصير)، بينما سيدخل اليهود المظلومون ـ مع الأنظمة العربية الرزينة جداً والحكيمة إلى درجة معجزة ـ جنان الله كي يتنعموا سوية بعيداً عن (الفجار الأشرار) من رجال المقاومة...

ويبدو أن الفتوى السابقة قد نسفت كل نصوص العقيدة الإسلامية (القرآن الكريم والحديث النبوي) التي تحض على الجهاد بالمال والنفس، وبالحد الأدنى باللسان...

فقهاء العولمة يرون الجهاد مغامرة، والمجاهدين طائشين، وأنه لا يجب على المسلمين أن يجاهدوا إلى جوار إخوانهم، فإن من بدأ المغامرة عليه أن ينهيها...

فقهاء القرن الحادي والعشرين يرون أن الهجوم على المجاهدين، وتسفيههم، والصمت عن المغتصبين المتوحشين، عمل طيب محمود... بل ربما يرى بعض فقهاء العولمة أن الجهاد في زمن العولمة هو الهجوم على المجاهدين وتخوينهم، والتلميح والتصريح بتبعية المجاهدين لأطراف إقليمية (شريرة).

فقهاء الألفية الثالثة لا يعتبرون نصوص العقيدة الإسلامية مصدراً للإفتاء، حيث لم يعد ذلك مناسباً في نظر هؤلاء الفقهاء، فالفتاوى في هذا الزمن الظريف لها عدة مصادر ومناهج وأولويات... منها:

أولاً: يجب على الفقيه اللبيب أن ينتظر تصريحات المسؤولين الكبار، ثم يقدح هذا الفقيه ذهنه كي يصدر فتواه (الإلهية) بما ينسجم مع تصريح هذا المسؤول أو ذاك... وسيكسب بذلك الفقيه رضا المسؤول والنظام... وهذا بالطبع سيوصله ـ بشكل أو بآخر ـ إلى رضا الله ورسوله...

ثانياً: يجب أن تكون فتوى فقهاء (العولمة) منسجمة مع مؤشرات البورصة، وأسعار الذهب العالمية، وأسعار النفط، ويجب أن تراعي الفتوى (المعولمة) مواسم السياحة، والبنى التحتية والفوقية، والتوازن الاستراتيجي، وغير ذلك من حسابات مستقبلية.

ثالثاً: يحرم تماماً على فقيه العولمة الإشارة (القريبة أو البعيدة) بشكل سيئ إلى أمريكا أو إسرائيل أو كل ما يمت لهما بصلة، وذلك لكي لا يحرِج (أولي الأمر القاعدين على كراسيهم) مع حلفائهم الاستراتيجيين من أمريكيين وشركائهم.

من المؤكد أن فقهاء العولمة نسوا كل شيء... نسوا العقيدة وتاريخ الجهاد الإسلامي الطويل منذ غزوة بدر...
نسوا أن الإيمان الصادق مع إعداد جيد يهزم كل أساطيل الشر والقوى الغاشمة...

إذا لم تستح فقل ما تشاء:

يبدو أن العولمة أنست الكثيرين معاني الشرف والكرامة والرجولة والإباء والنبل والنخوة...

وأخطر من كل ذلك أنست العولمة الكثيرين الحياء... لذلك فعلوا ما فعلوا وقالوا ما قالوا...

ولله الأمر من قبل ومن بعد

علاء الدين الحلبي
مسلم من بلاد الله الواسعة

[email protected]