ليست المرة الأولى كما أنها لن تكون الأخيرة التي تعطي فيها المحكمة العليا الاسرائيلية قراراً بالسماح لجماعات يهودية متطرفة وفي مقدمتهم حركة ما يسمى quot; بجماعة أمناء الهيكل quot; لدخول المسجد الأقصى المبارك، في ذكرى خراب الهيكل الأول والثاني.
وبالتأكيد فإن قيادة شرطة القدس الاسرائيلية كانت أكثر حكمة من قضاة المحكمة العليا عندما اتخذت قراراً بعدم السماح لهؤلاء المتطرفين بدخول المسجد المبارك، والذي هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين،لانها تدرك على الاقل العواقب الوخيمة المترتبة على ذلك، ومسلسل الاعتداءات اليهودية المتطرفة على المسجد الأقصى طويل ومرير، وحصد أرواح الكثيرين من الركع السجود في المسجد المبارك اكثر من ان تحصى، وأخطرها تلك المحاولة المريعة لاحراق المسجد التي قام بها quot; مايكل روهان quot; في الحادي والعشرين من آب 1969 والتي أسفرت عن حرق منبر صلاح الدين التاريخي، اضافة الى زخارف أخرى تشكل شاهداً كبيراً على فن العمارة الاسلامي، اضافة الى كونها مفخراة للحضارة الانسانية.


ولن يغيب عن البال اقتحام اريئيل شارون في 27\9\2000 للمسجد الأقصى والتي أشعلت فتيل الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي حصدت أرواح الآلاف من طرفي الصراع، والحقت اضراراً اقتصادية بمليارات الدولارات، ومع ذلك فإن مشعلي النيران لم يتعلموا ولن يتعلموا من شرور أعمالهم.
وما كان المتطرفون اليهود ليستمروا بضلالهم لولا التعبئة الرسمية لهم، والتي تشجعهم على ذلك، تلك الرعاية التي أكثر جوانبها اعتدالاً تلك التي ترى أن من حق اليهود زيارة المسجد الأقصى كما يزوره غيرهم.
وهذا القول ظاهره حق وباطنه باطل، لأن زيارة المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى ليست سياحة عادية، بل هي زيارة من أجل الصلاة في المسجد الاسلامي، ومن أجل التخريب فيه، بل من أجل العمل على هدمه لبناء الهيكل مكانه. وبالتالي فإن دخولهم الى المسجد هو بمثابة شروع في جريمة اذا ما تم تنفيذها ستشعل حروباً دينية ستتعدى نيرانها منطقة الشرق الأوسط، وسيكتوي العالم أجمع بلهيبها، ولا أحد يعلم متى ستنتهي، وذلك لأن المسجد الأقصى ركن من أركان العقيدة الاسلامية، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهو معراج الرسول الأعظم صلوات الله عليه مصداقاً لقوله تعالى quot; سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا quot;.
واسلامية المسجد الأقصى جاءت بقرار الهي لا رادّ له، واليه يشد المسلمون رحالهم حيث يقول صلى الله عليه وسلم : quot; لا تشد الرحال الا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا - المقصود المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة-quot;، والرسول صلوات الله عليه لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى، اذاً فحجيج المسلمين الى المسجد الأقصى مقرون بالحجيج الى المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة.
والمسجد الأقصى ليس ملكاً للفلسطينيين وحدهم، بل هو لكافة المسلمين، وما الفلسطينيون الا سدنة لهذا المسجد العظيم، وضعه الله وديعة في ايديهم نيابة عن باقي المسلمين، لذا فإن أحداً كائناً من كان مهما كان منصبه لا يمكنه التنازل عن شبرٍ من المسجد الأقصى البالغة مساحته 144 دونماً، فباحاته وساحاته ومصاطبه وقبابه كلها مسجد، وكلها أجزاء لا تتجزأ منه.
فهل يعي مشعلو النيران ذلك ؟ وهل يعلمون ان أيّ مس بالمسجد الأقصى هو مسّ بالعقيدة الاسلامية، هذه الديانة السمحة التي يزيد عدد أتباعها عن مليار وربع المليار انسان، كلهم مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس دفاعاً عن اسلامية هذا المسجد، وأن أي مسّ بهذا المسجد سيخرج هذه الأمة من غيبوبتها التي أدخلها بها ملوك الطوائف الذي نصّبهم أعداء هذه الأمة على رقابها.
واذا ما كانت أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين غائبة عن الرؤوس الحامية الحاكمة في اسرائيل وأمريكا، فإن عقلاء المسلمين والعالم أجمع مطالبون بإيضاح ذلك، كي لا تصل بهم حماقتهم الى مرحلة لن ينفع بعدها الندم.

جميل السلحوت