لبناننا ليس سوريا ولا إسرائيليا يا شيخ حسن نصر الله


نعم للنقد من أجل مستقبل أطفالنا وبناء الغد على أسس متينة لا يهدمها كل فترة أحد. نعم لقول الرأي الحر في هذا الوضع المأساوي المر دون محرمات وحواجز وعقد. نعم لقول الحقيقة فهي الباقية ومهما كانت مرة ومريرة.
وإذا لم ننتقد اليوم! فمتى؟ أعندما نخسر الوطن ونغرق إلى الأبد في الكوارثِ والمحن؟
ألا يكفيهم ما فعلوا بهذا الوطن الصغير المعذب. إنها أربعون سنة من الاستباحة والجَلْد. لقد حولوه إلى ساحة لحروبهم ومتنفس لأزماتهم ومرتع لمؤامراتهم. يرقصون على حطامه كالدببة الغليظة القلب السميكة الجِلْد. لا إحساس ولا مشاعر بل حقد. وشعبه المسكين وحيدا يدفع فاتورة تخاذلهم وانهزاماتهم بغالي الثمن. لا ليس هذا فحسب بل وتراهم وبكل وقاحة يعطوننا دروسا ونصائح في المقاومة والرفض ويعدون في الوقت نفسه عصي العدو التي تنهال علينا بالضرب. ويتفرجون علينا عن قرب. وتراهم بلا خجل أول المهرولين إلى صفقة تأتيهم على ظهر شعبنا المتعب، وذلك للتهرب تارة من المحكمة الدولية التي تلاحقهم عن كثب وتارة لفرض إرادتهم النووية وتمرير الخطط.
فصوت الكلمة الحرة يجب أن يعلو على أي صوت. ونحن لسنا من القائلين بالسكوت وقهر الفكر إلى أن تنتهي الحرب. فصوت الكلمة الحرة أقوى من كل الطائرات والبوارج والصواريخ ألف مرة. والسكوت عن قولها هو الموت دون شك. ولبنان الكلمة أقوى من العدوان. ولبنان الرسالة هو العنوان. ولبنان كان لكي يبقى إلى أبد الأزمان صليبا وهلالا في عناق واحترام. وتبقى الكلمة في نهاية الأمر تعبيرا عن رأي لا أكثر ولا أقل. ربما أصابت وربما أخطأت. والعبرة لمن اعتبر! والهدف الأسمى يبقى خدمة الأهل المنكوبين في الجنوب والجبل والسهل والفقراء الصيادين التي احترقت مراكبهم على شاطئ البحر. من هذا المنطلق لا بد من نقول كلمتنا كره من كره وأحب من أحب. فالحقيقة لا ترحم. والحقيقة التي تُلجَم، تتحول إلى كذبة كبرى بل هي من الكذبة أعظم.
لا بد في بداية هذا المقال من توجيه تحية الإكبار إلى الشعب اللبناني الواحد مقيما ومغتربا وتضامنه الوطني الإنساني الرائع مع كل مهجريه ومنكوبيه ومصابيه الأبرياء المشردين من مدنهم وبلداتهم وقراهم ومزارعهم وحقولهم وأعمالهم بسبب القصف المدان.
لا بد من توجيه تحية الامتنان للسعودية ومصر والأردن والإمارات والكويت ومواقفهم الشجاعة والحكيمة في التعامل مع الوجع اللبناني برجاحة عقل وتفكير ومحاولة تخفيفه قدر الإمكان. ولكل الدول التي ساعدت وما زالت تمد يد العون لنصرة لبنان المنكوب وإيقاف الحرب المدمرة فوق أرضه.
لا بد من توجيه تحية الشكر إلى الإخوة الفلسطينيين في مخيمات الفقر والبؤس والحرمان وهم يحتضنون في مدارسهم بقلب كبير إخوتهم المشردين من الجنوبيين.
لا بد من توجيه تحية حب خاصة إلى ممثلي الطوائف الروحية وإيمانهم بلبنان الرسالة، لبنان الحرية والديمقراطية والتعددية والاستقلال وكرامة الإنسان. والتفافهم يدا بيد حول حكومة أستاذ الوطن فؤاد السنيورة واجتماعهم التاريخي في بكركي عند غبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير.
لا بد من توجيه تحية التضامن مع الجنوب اللبناني وبالأخص البلدة التي استشهدت مرتين قانا والدم القاني يسيل ليكحل الأرزة بالأحمر القاني.
لا بد من توجيه تحية الإجلال إلى الجيش اللبناني وجنوده البواسل الذين يعملون بصمت ويقفون بثبات في مواقعهم ومراكزهم صفا واحدا في الدفاع عن شعبهم ويتعرضون من أجل ذلك إلى القصف الإسرائيلي الهمجي، ويشتبكون معه ويقدمون الشهداء والتضحيات العظام ليحيا لبنان.
لا بد من توجيه تحية الإعجاب إلى كل المقاومين اللبنانيين في حزب الله وغيره واستبسالهم البطولي في وجه العدو الإسرائيلي، إلا أن الثمن الذي يدفعه الوطن الصغير لمغامرات وخطابات وتهكمات الشيخ حسن نصر الله غالي جدا جدا جدا. حيث تُرك لبنان من قبل حلفاء الشيخ الذي كان يعتد بهم ويهديهم بندقية المقاومة وحيدا في الميدان. وقبل أن ينتقد الشيخ حسن ويقول quot;للحكام في بلادنا العربية والاسلامية، لا مكان لكراسيكم أن تخليتم عن مسؤولياتكم الاخلاقية والقوميةquot; عليه أن يوجه هذا الكلام فقط لمن سلحه ودربه ودفعه وشجعه بل وأمره إلى القيام وفي هذا التوقيت بالذات بهذه المغامرة الانتحارية ليكون أداة لهما. وهما سوريا وإيران.
أطل علينا السيد حسن نصر الله من خلال شاشة المنار الخميس 06.08.03 بخطاب تحليلي تبريري طويل هدد وصب فيه الزيت على النار فتعرضت بيروت ومناطق كثيرة لأعتى دمار. فرأفة بلبنان وشعبه المنكوب لو خفف الشيخ من الكلام في هذه الأيام الصعاب. فلبنان محاصر ويتعرض لعدوان شرس تلو عدوان أشرس. والشعب جائع يريد أن يأكل، والأطفال أرقة تريد أن تنعم بلحظة منام.
المشكلة هنا أن الإسرائيليين يردون مباشرة على كلامه تقتيلا للبنانيين وتخريبا للبنان وتقطيعا لأوصاله. فالشيخ عندما يهدد بضرب تل أبيب يقدم لهم الأعذار على طبق من فضة وأمام العالم أجمع كي يدمرون بيروت وضاحيتها. هو يُنظِّر في الخطاب وهم يقتلون دون حساب. هو يحلل في السياسة وهم يقصفون بشراسة. هو يتكلم أكثر مما يفعل وهم يفعلون ولا يتكلمون. ولقد اعترف السيد نصر الله في خطابه صراحة قائلا: quot;عملنا ليس فعلاً بل رد فعلquot;. أهل فتح الحروب يا حضرة الشيخ هي عنتريات عونية وردود فعل عمياء دون حكمة وروية ؟ وإذا كانت الحروب ردود فعل فالغلبة في النهاية ستكون للسلاح الأقوى والأذكى. والحروب لم تعد كما كانت في السابق حروب عرض عضلات في الميدان : سيف يقارع سيف وفارس يواجه فارس وحصان يجابه حصان بل وكما هو واضح سماء مفتوحة على كل الميادين. والميدان الأقوى هو ميدان السماء ومن يستولي على ميدان السماء يحول ميادين الأرض إلى هباء منثورا. أيضا المقاومة تفعل وتطلق الصواريخ على العدو. ولكن لا توجد مقارنة بين صاروخ يطلق في الهواء ربما أصاب، وطائرة حربية تركز قصفها وتدمر بقنابلها الشوارع والأحياء. وكان السيد نصر الله في إحدى خطاباته قبل الحرب قد أعلن بأنه يملك أكثر من ثلاثة عشر ألف صاروخا وتهكم قائلا ولم نقل أربعة عشر ألفا وقال أيضا أنه عنده القدرة على تدمير شمالي إسرائيل بالكامل. ما نراه حتى الآن هو تدمير لبنان ومحاصرته وتقطيع أوصاله بالكامل. وماذا تفعل صواريخ المقاومة في إسرائيل إنها تحرق الأعشاب وتكسر الزجاج وتحطم السيارات وتحفر بعض الحفر في الشوارع ولا تقطعها تكسر جدران البيوت ولا تدمرها وتقتل إن أصابت واحدا هنا ربما عربيا وآخرا هناك. الشوارع والجسور هي حياة البلاد وشرايينها التي تعج بالحركة. لبنان حاليا مقطع الشرايين إلى أجزاء وحتى الآن لم تستطع المقاومة قطع طريق واحدة في إسرائيل أو تهديم جسر. صحيح أن الحركة شلت قليلا في شمالها إلى أنها قادرة من جديد عند وقف الحرب على العمل دون تعطيل. أما لبنان فإعادة بناء جسوره وترميم شوارعه وبناء مصانعه وحاراته بحاجة إلى سنوات من العمل الشاق عدا مئات الشهداء الذين خسرناهم دون هدف وآلاف الجرحى والمعاقين وآلاف الملايين من الدولارات التي ستزيد الدين على الأعناق. الظاهر أن الشيخ حسن لم يلحظ باستراتيجيته الدفاعية ميدان السماء وهذا خطأ استراتيجي لا يستهان به ندفع ثمنه الآن.
أراد السيد نصر الله في خطابه أن يقنعنا بأكاذيب العدو ونحن نعرف أن العدو كذاب ولئيم وعدواني وهمجي ومغتصب ومجرم وأداة بيد أمريكا أو أمريكا أداة بيده ولكن ما ينفع كل ذلك عندما يدمر لنا لبنان بأكاذيبه. والسيد حسن في خطابه الأخير يقول quot;أيا تكن نتائج الحرب، فلبنان لن يكون اميركيا أو اسرائيليا ولا موقعا في الشرق الاوسط الجديدquot;. لا أدري مَن من اللبنانيين يطالب أو طالب بذلك سوى تشكيكات واتهامات يرددها عملاء سوريا ويتلقفها السيد نصر الله في خطاباته وكأنها كلمات منزلة. يتناسى السيد نصر الله الكثير من الحقائق ولهذا لا بد أن نذكره بالقول:
لبناننا لا كان ولا يمكن أن يكون سوريا أو إيرانيا. وهو أكبر من أن يكون كذلك. ولا كان ولا يمكن أيضا أن يكون إسرائيليا أو أمريكيا. وهو أكبر بكثير من أن يكون كذلك.
لبنان هو البراءة والطهارة وكل الشهداء الأحباء من كمال جنبلاط مرورا بكبير لبنان رفيق الحريري الى صاحب القسم العظيم جبران تويني العظيم.
لبنان هو رقة وحلاوة وعذوبة مي شدياق ورجولة وبطولة مروان حمادة وشجاعة وإقدام إلياس المر.
لبنان فقط يا شيخ نصر الله وببساطة أهلنا البسطاء الطيبين الصادقين الصابرين على أعظم المكاره والآلام ومنذ اتفاقية القاهرة المشؤومة عام 69، تجر وراءها عشرات السنين من حروب الآخرين المفروضة عليه، هو فقط: لبنانيا حضاريا أبيا عربيا. شرقيا من رقبة عظام الشرق وليس غربيا. إنه قمة في العطاء والعنفوان وواحة للحرية ووطنا للأحرار الشجعان. إنه ديمقراطي تعددي جمهوري حر، سيد قراره ومستقل. إنه رسالة الشرق الأغر إبداعا بالحرفة والحرف والكلمة والشعر ومنذ أيام أليسار وأحيرام وحتى اليوم. إنه درة مشعة في كل الاتجاهات وعبر مغتربيه إلى كل القارات. لبنان كان هماما طيبا وما يزال وسيعود بهمة شعبه النشيط الأمين، وأشقائه الحقيقيين المحبين، وأصدقائه الأوفياء المخلصين، أفضل بكثير مما كان. وسيسطع الأرجوان ونعمر البنيان ويزهر البستان وما عدا ذلك ما هو سوى هرطقات وكلام بكلام لن تؤخذ من الشعب الطيب المنكوب في الحسبان. ولن ننسى كل الشهداء الأحباء من أطفال وشيوخ ونساء.

سعيد علم الدين