منذ صدور القرار 1701 عن المجلس الأمني الدولي والداعي الى وقف العمليات الحربية بين اسرائيل وحزب الله، هذا القرار الذي ما كان ليصدر لولا تململ واحتجاجات الشعوب العربية ضد حكامها، ولولا صمود حزب الله، ولولا اقتناع أمريكا وربيبتها اسرائيل بفشل خططهما الاستراتيجية بالنتائج التي ما كانتا تتوخيانها من الحرب المفتوحة على لبنان، هذه الحرب التي ما كانت تستمر كل المدة التي استمرتها لو كان الموقف العربي الرسمي مختلفا عما كان عليه، ومع دخول القرار حيز التنفيذ إلا ان اسرائيل لم توقف عدوانها على لبنان من خلال مواصلة سلاحها الجوي تحليقاته واستطلاعاته في الاجواء اللبنانية، ومواصلة سلاحها البحري حصاره للموانئ والشواطئ اللبنانية، ومواصلة جيشها التمركز في مناطق في الجنوب اللبناني.
منذ صدور ذلك القرار وقبله وبعده فإن المنطق العقلاني يقول بأن الدول ذات العلاقة تدرس النتائج المترتبة على تلك الحرب، ففي اسرائيل مثلا تم تشكيل لجنة تحقيق لاستخلاص النتائج حول آداء الحكومة وقيادة الجيش في هذه الحرب، كما تم البدء باطلاق اشارات دبلوماسية حول امكانية البدء بمفاوضات سلمية مع سوريا-بغض النظر عن اهدافها-، كما صدرت تصريحات مرافقة من بعض المسؤولين عن الدعوة الى الاستعداد لشن حرب جديدة على حزب الله حتى نزع سلاحه بالكامل، وكذلك الهجوم على قطاع غزة بنفس الطريقة التي استعملت في لبنان، علما ان هذا الهجوم قائم منذ مدة طويلة، واتسع بعد فوز حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في كانون ثاني الماضي، وما ترتب على ذلك من تشكيلها للحكومة الفلسطينية، وان كان هذا الهجوم وهذه الحرب مفتوحان الا انهما لم يكونا بحجم الحرب التدميرية الهائلة على لبنان.
وبالتأكيد فإن الادارة الأمريكية ستستخلص العبر من هذه الحرب، وستصل الى نتائج تفيد بخطأ مخططاتها الاستراتيجية في المنطقة، وأنها قد تعجلت بطرحها الذي جاء على لسان وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس والذي يتمثل quot; بأن الوقت قد حان لبناء الشرق الأوسط الجديد quot; وستكتشف أن احدى نتائج هذه الحرب هي افشال هذا المشروع تماما مثلما أفشلت الجماهير العربية بتظاهراتها عام 1957 مشروع حلف بغداد.
لكن وفي كل الاحوال quot; رُبّ ضارةٍ نافعة quot; فربما يأتي الحل الشامل للصراع العربي الاسرائيلي من دماء أطفال ونساء وشيوخ لبنان، ومن ركام البيوت والجسور والمصانع ومحطات الكهرباء المدمرة في لبنان، وان كان الموقف العربي الرسمي في غالبيته لا يبشر بذلك، وهنا أستذكر ما كتبه المفكر العربي الكبير محمد حسنين هيكل في اعقاب الأنتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت في كانون أول 1987 عن الفرصة التي حققتها الانتفاضة للوصول إلى حل سلمي عادل ودائم للصراع العربي الاسرائيلي، لكن القادة quot; الملهمين quot; في العالم العربي أضاعوا هذه الفرصة. فهل سيضيع العرب فرصة نتائج حرب اسرائيل على لبنان كما أضاعوا استغلال الانتفاضة الفلسطينية الاولى ؟!
يوم الحساب العربي :
إن المتابع لما تنشره وسائل الاعلام من مواقف بعض القوى السياسية في لبنان تحديدا، ومواقف غالبية الانظمة العربية يجد انها وقفت هي الاخرى وقفة مع الذات للحساب، وان كانت المواقف متفاوتة بهذا الخصوص، إلا ان الحساب العربي لم يوجه لمن دمروا لبنان بشكل مباشر أو غير مباشر، انما الحساب يوجه إلى حزب الله الذي تصدى لهذا العدوان، ويوجه إلى ايران وسوريا الداعمتين لحزب الله.
والملاحظ أن الموقف العربي الرسمي لغالبية الانظمة العربية هو تكرار بصياغة أخرى، وعلى استحياء متفاوت، للموقف الامريكي، وفي بعض الاحيان نجد قادة أمريكيين اكثر من أمريكيي الادارة الامريكية، هذه الادارة التي تقف على يمين الحكومة الاسرائيلية بخصوص الصراع العربي الاسرائيلي.
وإذا صحت التحاليل القائلة بأن إدارة الرئيس بوش الأبن معنية بحل نهائي للصراع العربي الاسرائيلي، فإن انحيازها اللامحدود للمواقف الاسرائيلية المخالفة للقانون الدولي وللشرعية الدولية يتطلب أن تتخذ الانظمة العربية والجامعة العربية موقفا موحدا من العملية السليمة، تكون المبادرة العربية التي طرحها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية التي عقدت في بيروت في تشرين الثاني 2000 هي المشروع العربي الذي تتبناه الدول العربية وتدافع عنه وتحاول جاهدة تجنيد الرأي العام العالمي حوله، ومحاولة اقناع quot; سادتنا quot; في البيت الأبيض بهذا المشروع.


ولا يخفى على احد ان اسباب العنف المستمر في الشرق الأوسط يتمثل في استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية، هذا الاحتلال الذي دخل عامه الاربعين على مرأى ومسمع العالم أجمع، مع ما يمثله هذا الاحتلال من عنف ودمار وجرائم ضد الانسانية وارهاب دولة، وانهاء هذا الاحتلال واعادة الحقوق إلى اصحابها هو البلسم الشافي لانهاء العنف، ولانهاء التنظيمات المسلحة، ونزع اسلحتها وتحويلها إلى احزاب سياسية.
وهو البلسم الشافي لتحقيق السلام العادل والدائم لكافة شعوب ودول المنطقة، وهو البلسم الشافي للحفاظ على المصالح الامريكية ومصالح غيرها في الشرق الاوسط.


ويبقى من حق المواطن العربي أن يقول : بأن من حقه ومن حق تنظيماته السياسية، ومن حق حكامه ان يقفوا للحساب مع الذات، وان يكون هذا الحساب حقيقيا حول صحة الآراء، وحول حقيقة الاخلاص للأمّة وللوطن، وحول من يبني حقيقة أو يهدم، وحول من يدافع عن حق الأمّة او يبيع حقوقها ؟؟ ونأمل أن يكون ميزان الحساب دقيقا عكس ما هو عليه الوضع الآن.

جميل السلحوت