من أمراض الذكور العطش إلى القوة والمزيد من امتلاكها. فالذكور هم من بنى كل الحياة على شكل الثكنة، وطور السلاح، وصنع الجيوش، وانشأ المؤسسة العسكرية، وأسس الطغيان وما يزالون. وحين تأسس المجتمع على العنف، واحترام العضلات، وسيادة الذكور، وعسكرة المجتمع؛ نزعت منه الرحمة وتحولت المرأة إلى طبقة مسحوقة مستغلة دونية، واختل توازن المجتمع الإنساني..و بالمقابل فالمرأة هي التي اكتشفت الثورة الزراعية، وأدخلت الإنسان الحضارة ولم يكن شيئا مذكورا.ومازالت تعشق الورد والرياحين. وفي الواقع بقي الإنسان مئات الآلاف من السنوات يأكل الوحوش والوحوش تأكله، يعيش على الصيد وجمع الثمار، وكل همه أن يملأ بطنه ويخاف أن يموت جوعا. حتى انتبهت المرأة قبل حوالي عشرة آلاف سنة إلى أهمية الزراعة ومع الزراعة حصلت ثورة في تاريخ الإنسانية وتغير شكل الحياة و دخل الإنسان الحضارة، وأمن على نفسه أن يموت جوعا وفاض الطعام، ونشأت المدينة، وتم تقسيم العمل، ونشأت التخصصات، وولدت الدولة السياسية.ثم اختلف كثيرا شكل العلاقات الجنسية وبناء العائلة.وكان سر العائلة وتربية الإنسان وحمله ومازال في يد المرأة. المرأة هي التي تحمل وتنجب الطفل وتحافظ على الحياة. وهي ينبوع الحب، ومستودع الرحمة، ومخزن الثقافة. وهي التي تشحن اللاشعور عند الطفل بالقيم والخبرات، وتبني شخصيته، وتعلمه النطق واللغة.وعلى كل من يدرس قضية المرأة، ألا يكتفي بالجانب القشري أو السطحي من حياة المرأة.ولا يمكننا في دراستها إغفال وجهة التحليل النفسي في الإنسان، عندما نقدر الأشياء بالمقياس الاجتماعي والأخلاقي وحسب آثارها في التاريخ.
إن تطور المجتمع يرتبط بتطور المرأة والعكس صحيح وطبيعة هذه العلاقة تحتاج إلى دراسة منهجية. وفي مجتمعنا المواطن اليوم محاصر في مثلث من المحرمات بين الدين والسياسة والجنس. ومن نظام التحريم والمنع وعدم تأسيس العقل النقدي، تشكلت تلقائيا ثلاث ظواهر، فمع وباء التعصب الديني نشأت ظواهر الهرطقة ورفض الحداثة. وفي السياسة انتشرت التنظيمات السرية،وانفجر العنف، وعسكر المجتمع، واختفت الحياة المدنية،وسرت حالة الطوارئ إلى أجل غير مسمى، وفي الجنس تشع كل ألوان الحرام والعيب ولو كان البحث في معهد للبحث العلمي ف أغلقنا الطريق أمام تشكيل ثقافة جنسية تمزج الحياء بالعلم. ومن هنا نرى ضرورة تشكيل التيار العقلي النقدي لكي تتحرر حركة العلم وينشط التفكير الحر دون خوف من المساءلة ولا بد من تكوين آلية نقد ذاتي للتراث واكتشاف أنفسنا بالحفر في طبقات أركيولوجية كاملة من المعرفة على حد مصطلحات الفيلسوف ميشيل فوكو. ونتناول آليات السياسة واشكالياتها وبناء الإنسان السلامي وتدشين ثقافة جنسية في علم جنسي يتدرج من التشريح إلى علم وظائف الأعضاء، إلى العواطف، إلى الجانب التقني.إن البنات أشد ذكاء وفي المدارس تفوق الإناث على الذكور في التحصيل العلمي والامتلاء الثقافي والحديث. وفي القرآن جاءت قصة عن ذكاء الأنثى التي حلت الصراع سلميا بين سليمان وهو نبي وبين ملكة أوتيت من كل شيء وأروع شيء كان الذكاء والفطنة.قامت برحلة استكشاف إلى الشرق الأوسط ثم قالت لنبي الله سليمان إن هذا المبدأ الذي تدعو له لن يفوتني ولا داعي للحرب وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين. ومن عادات العرب في الجاهلية وأد البنات ولا تزال تمارس هذه العادة إلى الآن في الثقافة العربية ولكن بدون قبور. وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم. ويخجلون من ذكر اسمها فهي أم الأولاد، أو العائلة، أو أنت أكبر قدرا. وعند الزواج لا اسم لها، فهي كريمة فلان.
وهناك من يدعي انه ليس للمرأة إلا ثلاث خرجات من رحم أمها،ومن بيت أهلها إلى بيت زوجها، ومن بيتها إلى القبر.ألا إنهم من افكهم ليقولون.و لازالت المرأة تمنع من الإرث، ويدفع لها راتب أقل في جميع البلاد وتحرم من المناصب العليا وفي بعض الأماكن التي تحنط فيها العقل وأصاب روحها وباء التعصب مازالت تحرم المرأة من قيادة السيارة. ويرجع كل هذا الوضع الإنساني المشوه في المجتمعات الذكورية إلى أسطورة الذكر المتفوق الأقوى والأذكى وفي رأيي لفهم جذور المشكلة الإنسانية بما فيها مشكلة المرأة يجب البحث دائما عن الخلل في المستضعفين أكثر من المستكبرين.هذا وقد أثبتت آخر الأبحاث العلمية زيف ووهم أسطورة الذكر وأوضحت أن الذكر هو الحلقة الأضعف في الجنس البشري. فقد اكتشف العالم البريطاني بريان سايكس من جامعة وأكسفورد عندما قام بالدراسة المقارنة على هياكل ما قبل تاريخية على الكروموسوم الذكري، أن كروموسوم الذكورة اضمحل في ثلثيه عبر ملايين السنين. وما زال التآكل ماض في طريقه.
وإذا استمرت الأشياء حسب طبيعتها فإن التوقعات تقول إن الذكر سيختفي من وجه الأرض بعد 125 ألف سنة من الآن. والدراسة تقول إن الذكر هو الأضعف مناعة، والأقصر عمرا، والأقل ذكاء، والأكثر فشلا في الدراسة، والأكثر عرضة للحوادث والأمراض. والأعنف في ارتكاب الجريمة. والأكثر إدمانا على الكحول والمخدرات. والأكثر عنفا وتسلطا وشنا للحروب. وتظهر الإحصائيات أن الجنس الأنثوي هو الأطول عمرا والأكثر صحة والأقل عرضة للحوادث. ولكن العالم اليوم يستعد للقفزة الكبرى في رحلة الاستنساخ الإنساني و العلم لا يعرف المستحيل، وسيتم التحكم في الجنس وعدد الذكور والإناث. وسيتم التخلص من جينات الإجرام والحقد والإحباط وكل الأمراض، ومعرفة سر امتداد عمر نوح. وسيتم زراعة أعضاء جديدة حسب الطلب. وهذه ليست هرطقة ولا شركا بالله ولا خللا في الطبيعة، بل هي وظيفة الإنسان بموجب عهد الخلافة. وعندما كان الفيلسوف إقبال يناجي الله ويبث شكواه أن الكون لا يعجبه، كان الجواب يا إقبال اهدمه وابنِ أفضل منه.
ومع العولمة والفضائيات والانترنيت سيتم تغيير العقل الإنساني وآليات تفكيره، ويعم العلم وينتهي النفاق السياسي وستزول الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية، وتنتشر روح الديمقراطية، وثقافة التسامح اللاعنف، وستضع الحرب أوزارها وتموت المؤسسة العس ك رية، وندخل إلى عالم الأفكار فمن عنده فكر أفضل سيسيطر على العالم. إن العلم يتعامل مع الوجود وفق تسخير سنن الله في الآفاق والأنفس، وهو ذو طبيعة تقدمية ويقوم على الحب والعشق، ولا يعرف التراجع أو التعب ولا يقدم استقالته ولا يعرف الشيخوخة ويضبطه ناظم أخلاقي داخلي بآلية خاصة يصحح حركته على الدوام، من خلال قانون إن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض.
صبحي درويش
باريس في 24 آب 2006
التعليقات