حرية الرأي والصحافة ظاهرة السب والقذف وخدش الشعور / التداعيات والنتائج


حرية التعبير والرأي لا زالت هي المطلب أو الرغبة الحقيقية للانسانية منذ بدء الخليقة فالمقولة المأثورة التي تقول quot; ان لم يكن بوسع المرء ان يمتلك لسانه فانه لن يكون بوسعه ربما ان يمتلك شيئاً آخر quot; وعندما لا يستطيع الانسان ان يتكلم أو يمتلك حرية التعبير، لايستطيع ان يمتلك أي حق آخر، وقد تبين لنا من التجربة العملية ان عدم قدرتنا على رفع اصواتنا ضد الانتهاكات والظواهر السلبية وعدم احترام الرأي وتقبل اختلاف الرأي الاخر أدى الى تدهور الاوضاع في كثير من البلدان.
والحرية اذا تجاوزت الحدود واذا ما وصلت الى ما بعد حصانة الانسان وكرامته لا تعتبر حرية بل هي عندي فوضى كلامية يراد منها خدش سمعة الغير وانقاص قدره عند اقرانه ومحيطه الاجتماعي وامتهان لكرامة الانسان.
البشرية على مدى تعاقبها الحياتي حاولت ان ترشّد هذه الحرية وتضعها بقوالب وقنوات تمنع الاذى عن الغير وهذا مايؤكده ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث أكد على الحريات ومنها حرية التعبير حيث جاء في المادة 19 quot;لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافيةquot;، وهذا ما يطلق عليه حق الكلام والتعبير والنشر، أي من حق الانسان ان يعبر بحرية عن رأيه ويعمل على نشره والدعوة اليه دون تضييق أو محاسبة ووفقاً للقوانين السائدة والتي تكفل وتنظم هذه الحرية، لذا صدرت قوانين وقوانين من أجل الحماية لشخصية الانسان والحفاظ على كرامته من أي اعتداء يقع عليه بالقلم والاعلام، علماً ان القانون لايفرق بين الاعتداء المادي (الجسماني) على كيان الانسان أو الاعتداء المعنوي، الكلام الذي يمس سمعة وكرامة وتأريخ وتصرف الانسان.
ان القول السائد quot; دع القافلة تمشي حتى لو أرتفع الضجيجquot;.. نعم القافلة الصحيحة يجب ان تسير في عالم الاعلام المرئي والمسموع، في نقل الكلمة الصادقة والخبر الصحيح ولكن يجب اعمال القانون بأي صراخ أو ضجيج قد يحتوي على الافتراءات التي تؤدي الى الاضرار بسمعة المخاطب امام الغير وامام الناس.
امام التقدم الحاصل في مجال ثورة المعلومات وتناول الاخبار والاحداث والتطور الاعلامي المرئي والمقروء والمسموع، فان هذا يجب ان يسخر في مصلحة البشرية والحضارات وليس العكس، يجب ان يقف القانون بشدة وصرامة ضد كل من يحاول العبث ويتعمد تجاوز الحدود بأي وسيلة اعلامية حتى يصل هذا التجاوز الى الاضرار بافراد من الناس.
برائي ان أي تعاون بذلك وعدم رد لمن يتجاوز الحدود لا يخدم الاعلام النزيه ولا يخدم الحرية ولكن على العكس من ذلك، فانه يخدم الفوضى وتحقيق الاغراض الشخصية من النيل من سمعة الغير.
السؤال هنا : كيف يتعامل القانون مع الخارجين على اخلاق التعامل الحضاري وصواب الكلام وصحة الخبر وتلصيق التهم ونثر النعوت وبالتالي الاعتداء على حرية الرأي والصحافة الحرة.. ؟! الجواب : بالنسبة للقانون العراقي فقد تعامل مع جريمة القذف والذم والسب والشتم بشكل ايجابي، حيث يقول المشّرع العراقي quot; جريمة القذف هي أي قول أو اشارة جاوزت الاثنين وفيها العلانية وبأي اسلوب كان، تنوشه احكام العقوبات البغدادية في باب جرائم الجنحquot;، اضافة الى نص صريح بان ترديد صفة معينة وان كانت صحيحة علناً، فانها تشكل جريمة حسب احكام هذا القانون والتطبيقات القضائية الصادرة بموجبه وقرارات محكمة التمييز بهيئتها العامة، ومثال على ذلك اذا أطلق انسان على انسان آخر بقوله مختلس فهذه الكلمة تعتبر جريمة بحق هذا الانسان وان كان هو فعلاً يمارس عملية السرقة والاختلاس، إذ ان كلمة لص تقلل من شأن حاملها حتى وان كانت الصفة تطابق الموصوف.
اما في القانون الانكلوسكسوني وبالتخصيص الانكليزي، فان القضاة الانكليز وان كانوا يعتمدون باصدار قراراتهم الحالية، على سوابق قضائية اصدرتها المحاكم على مدى جيل كامل ويمكن للقاضي ان يرجع لها حسب التواريخ والابجدية بموسوعات تضم المحاكم البريطانية وقد أستقر القضاء الانكليزي بان يعطي المتهم بجريمة القذف أو السب أو الاتهام بخله اخلاقية الفرصة ان يثبت عكس هذا الاتهام، فاذا وجه تهمة الرشوة لموظف في الحكومة البريطانية وقام الادعاء العام البريطاني بتحريك الدعوة ضد الصحيفة أو الفضائية، فمن حق الكاتب أو رئيس التحرير ان يتلمس كل طرق الاثبات في طرح الحقائق المؤيدة لاتهامه وتكون المرافعة علنية ويحق عليه الدخول في سيرة المدعي الشخصي صاحب الشكوى أثناء المرافعة العلنية.
ان هذا الحق الذي يمتلكه المتهم برائي أكثر واقعية في القانون العراقي وأكثر تمكيناً للسلطة الرابعة من بسط نفوذها على تصرفات السلطة التنفيذية، فاذا ما استطاع المتهم ان يثبت عكس اتهامه فالمحكمة تقرر برائته وترفع عنه المسؤولية القانونية وتصدر حكمها بتحميل المشتكي الخصم المصاريف القضائية وأتعاب المحاماة الباهضة، اما اذا فشل فالعبئ القانوني والمالي يقع عليه حسب احكام القانون.
من هذا الاستقرار في الرؤيا ووضوح الفكرة نجد ان ساحة مجلس العموم البريطاني يتردد فيها جملة واضحة تدور بين نواب المعارضة والوزراء فيقول الوزير النائب الذي يتهمه بسوء التصرف أو يتهم الدولة بانحراف السياسة بالقول quot;اما ان تثبت قولك أو تجلس صامتاً quot; ldquo; Put up.. or.. Sharuprdquo;، لقد عرض على القضاء الانكليزي الكثير.. الكثير من قضايا اتهام التزوير والرشوة وسوء التصرف والسلوك وأخرها القضية الشهيرة لرئيس الوزراء توني بلير حيث انها قامت دعوة على صحيفة quot; ذه سان quot; ldquo;The Sunrdquo;، واستطاع رئيس الوزراء ان يحصل حكم ضد الصحيفة وحملها التعويض والمصاريف.

هل يجب ان نتغاضى نحن العراقين عن الحالات السياسية المتشابهة ؟
برائي نعم اذا كان القصد غير سيئ وكان المطلوب من النشر الوصول الى مصلحة العراق المصيرية ومثال ذلك اذا كتب أحدهم أو خالف في الفضائيات بالقول ان الدكتور أحمد الجلبي عميل للامريكان وانه استعدى الامريكان على احتلال بلاده وانه قدم معلومات خاطئة لغرض اقناع الامريكان للدخول لاراضيه بحجة اسقاط نظام صدام حسين الدكتاتوري، هذا االقول بالنسبة للقانون العراقي يشكل جريمة حتى لو كان صحيحاً، اما في القانون الانكليزي فيعطى القائل المجال ان يثبت ان الجلبي فعلاً مثل ما وصف به. الان نحن امام حالة شاذة وخاصة ان مسؤول فضائية معينة يهاجم موقع أعلامي آخر، فكان المهاجم قناة الفيحاء الفضائية وهي بدورها تهاجم موقع شبكة أخبار العراق.
السؤال الوارد من الناحية القانونية هل هذا القول يؤدي الى اتهام يكفي لتحريك الدعوة الجنائية ؟ وما هو القانون الذي يطبق بمثل هذه الحالة ؟ وما هو موقف القانون الدولي الخاص والعام بهذا الصدد ؟، وان تقف المتابعة للوصول الى البلد الذي تطبق فيه قوانينه.
هي معضلة قانونية، إذ ان قناة الفيحاء الفضائية مقرها قي الخليج ndash; الدوحة وشبكة أخبار العراق مقرها في أوربا ndash; الدانمارك، والاسئلة التي تدور في ذهني:
من يتحمل المسائلة القانونية لجريمة القذف والسب والاهانة ؟، القناة الفضائية كشخصية قانونية قائمة ؟ أو المذيع الذي جاء على لسانه الكلام غير المسؤول وهو السيد هاشم العقابي؟ ومن يحرك الدعوة القضائية ضده ؟ هل يحرك الدعوة القضائية الدكتور سرمد عبد الكريم ؟ أم الموقع الاعلامي لشبكة أخبار العراق ؟.
برائي ان هذا الموضوع ان أردنا التدخل فيه يطول الكلام عنه ويتفرع للتشابك وتتقاطع القوانين التي تحلها نصوص القانون الدولي وهذا يصعب علينا ان نشرحه في مثل هذه العجالة، نستطيع القول نحن ان من حق الدكتور سرمد عبد الكريم بتحريك الدعوة القضائية ضد أي جهة تنال من سمعته أو من سمعة الموقع سواء ضد فضائية الفيحاء أو غيرها من القنوات الفضائية الاخرى.
ان الالتزام بمبادئ وأسس الصحافة والاعلام الحر النزيه ليكون مرآة لعكس الحقيقة والسلبيات من أجل وضع الحلول والبدائل المناسبة لحل أي معضلة والاعلاء بكلمة الحق بعيداً عن التجريح والمساس بكرامة الاخرين وليكن الطرح موضوعي وبناء قائم على اساس المواطنة وحب الوطن العراق والعراقين، وعلى هذا المبدأ علينا نوحد صفوفنا ونتراصف جميعاً للوقوف ضد أي عنف يوجه ضد الاعلام والاعلامين ويحاول المساس بهما.
ومن موقع المسؤولية كمحامي تحت مظلة quot;منظمة محامون بلا حدودquot; والتي من اهدافها خلق الوعي القانوني والدعوة في الالتزام بالقوانين والاعراف الدولية، وكما جاء كل من يوجه الاتهام للغير بدافع شخصي أو مدفوع الثمن يخضع للمسائلة القانونية سواء امام القضاء العراقي باعتبار التطابق في الجنسية بين القاذف والمقذوف أو بين المتهم وصاحب الشكوى أو المدعي والمدعي عليه، كما يجوز الاحتمالية ان تقام الدعوة في الدوحة مركز اقامة المتهم أو في الدنمارك مركز اقامة المدعي الشخصي، هناك جريمة وهي جريمة القذف و القاء التهم، اذا هناك قانون وهناك ضرر معنوي وهناك علاقة سببية، وبهذا تكونت قاعدة وأرضية صالحة لاقامة الدعوة القضائية.
أني أنصح كل من الدكتور سرمد عبد الكريم والدكتور هاشم العقابي، التروي وأخذ الامور بالحكمة وتقبل الرأي والرأي الاخر، وانا واثق من ان الدافع لهذا هو الشعور الوطني وحب العراق الذي يسري بعروق كل العراقين الشرفاء، وان هذه المشاكل قد لا تخدم الوطن بل تعمق الخلاف في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها وطننا وشعبنا، ونحن جميعاً طلاب وحدة وطنية ترتفع عالياً في سماء العراق العظيم.

خالد عيسى طه