بلغت خسائر الولايات المتحدة الأمريكية في العراق الألفين وثمانمائة قتيل بعد قرابة الأربعة أعوام، ازدانت الصحف العربية والمصرية منها تزف الخبر لقرائها، وكأنها اكتشفت الفتح الأعظم، علي الولايات المتحدة أن تنسحب من العراق حفظاً لماء وجهها، عليها أن تتغاضي عن الانتهاكات علي الأرض العربية المنكوبة.
الخسائر الأمريكية وصلت لحد الثمانمائة جندي سنوياً، وهو رقم بمقياس الحروب العسكرية يدخل في حد المسموح، ترتضيه التدريبات والمناورات العسكرية، ويمكن أيضاً قبوله بمقياس الرأي العام، فهو ثمن حماية عشرات الآلاف ممن قد يذهبوا ضحايا لعمليات إرهابية تم وأدها، إنه فداءٌ لحياتهم. لكن ماذا عن الخسائر البشرية العربية؟ لم تصرخ الصحف الحكومية بضرورة محاسبة مرتكبيها من أنظمة قبل موظفين أجلسوا علي كراسي عُزلاً من أية امكانات أو صلاحيات.
في مصر الخسائر لا تقل عن عشرة آلاف قتيل سنوياً، ضحايا طرق، انهيارات بنايات من كل نوع، حرائق عشوائيات المخازن والمطاعم، غرق عبارات، سقوط طائرات، جموح قطارات سكك حديد كرهت عيشتها، أضف إليهم من سقطوا في تعذيب السجون و ضرب المظاهرات وعلاج المستشفيات الحكومية والخاصة. الروح المصرية بلا قيمة، لا حساب لها، من المعتاد أن تُفقد هدراً، من الشائع تلقي خطابات وبرقيات العزاء فيها ولا أكثر، الأعلام لا تنكس، مباريات كرة القدم تُنسي كل الهموم، هدفها الوحيد ولو عزت الأهداف في الملاعب.
الكوارث ستأتي وتأتي وتأتي، ما علينا إلا انتظارها في خنوع، إنها تنتقي بحرية، المواجهة ليست حقيقية، الحلول كاذبة في كل المجالات، السكك الحديدية أحدها، والجامعات والمدارس والمستشفيات والمصانع؛ الموارد مبددة علي مبادرات ومؤتمرات وأسفار وحركات، لا مساءلة، ولا انجازات.
بعد كل كارثة يُضحي بكبش فداء، وكأنه سبب البلاء، المسئولية تضامنية، في الكبش وفيمن جاء به، عليهم جميعاً أن يذهبوا. إذا كان علي الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب وغض البصر بانكسار لثمانمائة قتيل سنوياً فما الواجب في مصر والضحايا عشرة آلاف قتيل سنوياً، أكثر من اِثني عشر ضعف الخسائر الأمريكية في العراق وأفغانستان؟!

ا.د. حسام محمود أحمد فهمي