لست من أنصار نظرية المؤامرة،ولكن اصرار الليبراليين الجدد على منطق وهمى متخلف،يدفعنى أحيانا للأعتقاد بأنهم يسعون لخدمة السياسة الأمريكية الساعية لتقسيم الشرق الأوسط إلى لدويلات طائفية.
العديد من المقالات تنشر حول القوى الشيعية والسنية..الخ، بل أن البعض مثل أ/سامى البحيرى راح يتساءل عن التناقض فى الموقف من شيعة العراق وشيعة لبنان،مما يعنى أنه يفترض وجود جبهة شيعية وجبهة سنية وأخرى مسيحية...الخ.بل انه يحرص على التأكيد بين السطور أن هذه الجبهة موجودة وتسعى لتدمير المنطقة (إن من يهللون لتدمير لبنان على إعتبار أنه نصرا هم أنفسهم من يهللون لمقتل الآلاف من العراقيين ويطلقون عليه مقاومة وهزيمة للأمريكان،إن من يعتقدون أن القضاء على إسرائيل يبدأ بتدمير لبنان هم أنفسهم من يشعلون نار الحرب الأهلية فى العراق على إعتبار أنها أقصر الطرق لهزيمة الأمريكان، إن من يدمرون البنية التحتية العراقية لا يقلون خطرا عن إسرائيل التى دمرت البنية التحتية اللبنانية،)
ويروج الليبراليون الجدد لهذا المنطق بصرف النظر عن التعاطى من المصالح الوطنية،وفى نفس الوقت الذى تقوم فيه القوى الدينية المتشددة من المسلمين والمسيحيين فى مصر بالترويج لنفس المنطق والاسلوب فى التعامل مع الوحدة الوطنية،المسلمون يمارسون أضطهاد على المسيحيين..والمسيحيون يجب أن يصبحوا مسلمين(وكأن المسيحيون ليسوا من أهل الكتاب كماجاء فى القرآن الكريم)،وتجتاح الساحات العربية امواج التحزبات الطائفية، لتبدأ من مسلم ومسيحى،وتستمر بين سنى وشيعى وعلوى...
المهزلة أن الجميع يصرون على تجاهل حقيقة واضحة أن الذى يذبح او يضطهد هو الأنسان البسيط..مسلما كان أم مسيحى،او شيعى او علوى،وان من يمتلك القوة هو الذى يمارس القهر والقمع.
لقد كانت الحرب الأهلية اللبنانية التى حاول الغرب أن يروج لكونها صراع بين الطائفة المارونية والمسلمين السنة اكبر دليى على عمليات التضليل الهادفة لتقسيم بلادنا،لان المزاعم الغربية اصطدمت بوجود مسيحيين فى قيادة الحركة الوطنية اللبنانية التى اعتبرت خصم الطائفة المارونية،واضطرت بعد ذلك الجهات التى تعشق المنطق الطائفى للتعديل،والقول بأن الصراع بين المسحيين من جهة،والفلسطنيين والسوريين من جهة أخرى،وجاء الأجتياح الأسرائيلى عام 1982 ليكشف حقيقة الصراع،والذى كان يدور بين قوى موالية للغرب وقوى وطنية.
أكثر من هذا شهد العراق صراعا وطنيا ضاريا فى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضى، ودفع الالأف من ابناء الشعب العراقى حياتهم ثمنا فى مواجهة ديكتاتورية صدام(عربا وأكراد..شيعة وسنة)وكان الصراع-الذى لم يسمع عنه الليبراليون الجدد- له طابع وطنى واضح المعالم،واليوم بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق،بدأت المعادلة الطائفية تسود،ويروج لها الليبراليون على أنها ترسم السياسة العراقية، ويتجاهلون عن عمد أن المواطن العراقى المهدد يبحث عن الأمان والأستقرار،بصرف النظر عن القوى التى ستحقق هذا الهدف،وهو ماحدث فى لبنان عندما تصدى حزب الله لانجاز بعض المهام الوطنية وفق رؤيته وبأدواته التى قد نختلف او نتفق معها،ولانه لايوجد بديل لهذا البرنامج كان من الطبيعى أن تسانده اغلبية قطاعات الشعوب العربية.
ولأن الوطن ليس تواجد جغرافى لجماعات منفصلة تتميز عن بعضها بالعقيدة اواللون،ولأن الوطن هو تجمع لافراد تربط بينهم مصالح وعلاقات وتاريخ وتقاليد واسلوب للحياة،فلا يمكن التعامل مع اصحاب المنطق الطائفى إلا أنهم جماعات تهدد مصالح هذا الوطن،أن العلاقة بين فئات العراقيين أوالمصريين فى أطار الوطن لا تحكمها التسوية والمساومات،وأن تحكمها قناعة الأغلبية بسبل تحسين مستوى الحياة والرقى بالبلاد والنهوض بها،لقد حكم صدام العراق بالحديد والنار كما يقولون وقتل السنة والشيعة،والعرب والأكراد، لآن الصراع كان بينه وبين من يريد عراق وطنى(وليس امريكى) ديمقراطى.
إن ازمة الوطن تكمن فى حرية الرأى والديمقراطية التى تعانى من غيابها كافة الطوائف الدينية،،وتحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة لكل افراد الشعب. ولابد من القول أن لعبة آثارة الصراعات الطائفية،وتقسيم المجتمعات على اساس طائفية،كانت ومازالت السبيل للقضاء على أى محاولة للنهوض ببلادنا،وهى لا تخدم مصالحنا،ولكنها بالتأكيد تخدم مصالح الذين يسعون للسيطرة على ثروات البلاد العربية،والتحكم فى مقدرات الشعوب العربية.

مازن عباس

موسكو