التزوير باختصار هو عملية لقلب الحقائق او ترقيعها، وهو موجود عندنا وعندهم، في الشرق والغرب، في الماضي والحاضر، عند الرجال وعند النساء،، ويلجأ اليه الفقراء والاغنياء، المحتاج والبطران، ومنه ما ينفع صاحبه دون ان يؤذي الاخرين وبعضه يضر بالاخرين، ويشمل التزوير الشهادات المدرسية وشهادات الميلاد والوفاة والشهادات المرضية والجنسية والجوازات والعملات واللوحات وغيرها، ولعل اغرب عملية تزوير شاهدتها في حياتي هي تزوير هوية مومياء جئ بها الى متحف بمدينة اسيوية، وطلبوا مني ان ابدي فيها رأيا باعتبار اني شاهدت في مصر مومياءات اصلية عديدة حقيقة وليس كما في مسلسل درب الزلق عندما اراد فؤاد بيه بيع الاهرامات الى حسينوه، وظلت تلك المومياء حديث الصحافة لعدة اسابيع حتى كشفت جهينة عن الخبر اليقين، ومرة جئ بصقر قيل انه من اطراف الصين، وكان صاحبه قد انزله في فندق يليق بمقام الافندي ويغذيه بالفستق والبندق واللحم الطازج ممنيا نفسه بمبلغ خيالي ثمنا للصقر فظهرفي النهاية انه طائر من الكواسر يرضى حتى باكل الجيف، واخذ صاحبه المسكين الذي وقع ضحية عملية تزوير يندب حظه العاثر ويكيل السباب للطائر المحتال الذي كان يبتسم بدهاء وهو يتناول فستق العبيد المحمص.
وفي ايام الدراسة كان احد اصدقائي يعاني من رداءة الخط والنقطة على الحاء وليس على الطاء، وقد لجأ الى صديق آخر حسن الخط ليكتب له رسائل غرامية ملتهبة الى صديقته التي تعرف عليها للتو، وكانت تبدي اعجابها بخطه الجيل و بالهدايا القيمة التي كان يقتنيها لها بمناسبة اعياد ميلادها التي كانت تتكرر عدة مرات في العام الواحد، وشاءت الاقدار ان تبوح الفتاة لواعج اشجانها لصديقة لها في المدرسة وارتها رسائل الحبيب الولهان، فتعرفت الاخرى على الخط فورا وقالت هذا خط حبيبي، يا الهي انه خائن لعاب وسأفعل به كذا وكذا ووقع صراع مرير بين الفتاتين على امتلاك الفتى، ولصعوبة الاتصالات استغرق كشف الحقيقة حوالي شهر من المعاناة والعذاب والسهر والشك والريبة والحزن والنحول والارق والقلق واعوذ بالله من رب الفلق، ثم قالت الفتاة لصديقها : اكتب لي بعد اليوم بخطك فهو عندي اجمل من روائع حامد الامدي وهاشم الخطاط، و هي ما زالت معجبة بخطه الى اليوم فهي ام لاولاده الخمسة بعضهم في سن الزواج.
ويرتبط التزوير بالعملات اكثر من اي شئ آخر، واذا جاءك شخص يعرض عليك مبلغ الف دولار بمئة دولار فاعرف انها مزورة، ومرة ذهب احد القرويين الى المدينة ومعه عملة من فئة (الدينارين ونصف) عندما كان الدينار دينارا، فلم يبعه احد شيئا بحجة ان العملة مزورة ولا ادري كيف عرفوا انها مزورة فالامر يحتاج الى ذكاء خارق، وقد ظهرت في العهد السابق عملات ذات لون واحد باهت كانت اشبه ما تكون بالمزورة مع كونها اصلية، فعرفنا بان هناك اصلي مزور ومزور اصلي.
كما يرتبط التزوير ايضا بجوازات السفر، وكانت الحاجة اليها ماسة في العهد السابق للسفر الى الخارج هربا من الحروب والحصار، وظهرت في عواصم الدول المجاورة مناطق اشتهرت بتواجد المزورين، يلجأ اليها المحتاج بحثا عن ضالته ويحصل في العادة على ما يريد.
وذكر لي مفتش جمارك في دولة خليجية بان فحص جوازات وامتعة ركاب الرحلات القادمة من الدول الاوربية يتم خلال 45 دقيقة فقط واما الرحلات القادمة من الدول الاسيوية فتحتاج من ثلاث الى اربع ساعات و نحصل في كل رحلة على شئ مزور اما عملات او جوازات او مخدرات، ومرة قيل لرجل اسيوي : ان جوازك مزور، فاخرج جوازا اخر وكان صحيحا الا ان ضابط الجوازات اراد استدراجه فاخبره بان هذا الجواز مزور ايضا، فابرز الرجل جوازا آخيرا وليس آخرا وقال : لم يبق عندي غير هذا ولك الخيار في اختيار الانسب.
وكانت الدنيا قبل 35 سنة اجمل اعني قبل ان نعرف الارهاب والتفخيخ، وكان من الممكن الحصول على جوازات الدول الاخرى مقابل مبلغ من المال في عالم يسوده حسن الظن والثقة العمياء.
ولعل اكثر حالات التزوير ضررا على المجتمع على مر العصورهي شهادة الزور الموجودة، لتوريط او تخليص شخص ما من العقاب، وقد رأينا الزمن الذي كان شهود الزور يتواجدون امام المحاكم بانتظار زبون يدفع مقابل شهادة زور، ويشترك بعض المحامين في شهادة الزور ايضا باستخدام مهاراتهم لتخليص المجرم من قبضة العدالة وتبرئة ساحته، وقد اشتهرت في العهد الملكي حادثة المحامي الذي لقنّ موكله المتهم بالقتل كلمة (كللش) وطلب منه ان لا يقول سواهااثناء المرافعة، فساله القاضي عن اسمه فقال : كللش وعن عمره وعنوانه ومهنته وكان المتهم يجيب : كللش، فظن القاضي ان المتهم مجنون فحكم ببرائته وأمر باطلاق سراحه، وعندما طالبه المحامي باتعابه، قال له المتهم وبالفم المليان : كللش.
حسين ابو سعود
التعليقات