ما إن انتشر خبر قيام مسلح بإطلاق النار على السياح الأجانب في العاصمة الأردنية عمان حتى انفتحت قريحة المحطات الفضائية بالتحليل والتعليق.

كان ملفتا التركيز على الخبر وخصوصا من محطة مثل قناة الجزيرة وكأن الخبر هبط إليها هدية من السماء.

كان هناك محللون كثيرون وخاصة إسلاميون من الأردن. كان التركيز من المذيعين على نقطة جوهرية: ما هي حقيقة الحادث وما علاقته بالإسلاميين أو بالمسلمين. وكأنهم يريدون إن يكون الحادث مدبرا من جماعة إسلامية: كان السؤال الأبرز هل هناك بصمات للقاعدة أو لأي جماعة إسلامية؟

نقطة أخرى أظهرتها مذيعة الجزيرة تحمل إيحاءات خبيثة وأظنها ليست من عندها بل من عند ملقن ما وراء الغاليري: كان سؤالها وبإلحاح إن الحادث وقع بالقرب من القصر الملكي. لكن مراسل الجزيرة الذي كان ضيفها في الأستوديو سارع بالقول إن مسرح الجريمة بعيد نسبيا عن القصر الملكي أو على الأصح الديوان الملكي. نعم القصور الملكية بعيدة حوالي كيلومترين فقط عن المدرج الروماني ولكن لا اثر لهذا القرب الجغرافي على الحادث. تماما كما حصل عندما وقعت التفجيرات الإرهابية في الفنادق قبل عشرة اشهرن كان هناك إصرار وإلحاح من مذيعي الجزيرة إن الفنادق قريبة من السفارة الإسرائيلية. مع أن اقرب فندق إلى السفارة الإسرائيلية كان يبعد حوالي ثلاثة كيلومترات، كان لسان حال أولئك المذيعين يقول إن قرب السفارة الإسرائيلية من الفنادق مبرر موضوعي للإرهاب.

على أي حال، كل هذا يمكن التجاوز عنه. ولكن لماذا الإيحاء بان العمل قد يكون من فعل جماعة إسلامية أو متأسلمة. ولماذا، من ناحية ثانية، كان تأكيد كل المحللين الذين تمت استضافتهم للتحليل والتعليق إن الحادث ليس من تدبير أي جماعة إسلامية وانه فردي وانه معزول وان الفاعل قد يكون يعاني من اضطرابات نفسية أو عقلية.

الذي يمكن استنتاجه من كلام المعلقين وكأن لسان حالهم يقول إن الجماعات الإسلامية لم تعلن مسؤوليتها بعد، الإسلاميون غير مسؤولين عن الحادث لذلك فالحادث ليس حادثا إرهابيا كما تقول الحكومة الأردنية. هذا هو التفسير المبطن الذي يشي به لسان حالهم وان لم يكن قد قيل صراحة. وبطبيعة الحال لم يصف احد منهم الحادث بأنه إرهابي. اكتفوا بالقول انه حادث مدان ومستنكر. طبعا هو حادث إجرامي مدان ومستنكر. لكنه في الوقت نفسه حادث إرهابي. إلا إذا كان لدى هؤلاء تعريف آخر للإرهاب. وكان الإرهاب عمل حميد يجب إن تقوم به جماعة إسلامية أو منتمية إلى الإسلام.

لا أريد إن اتهم الإسلام والمسلمين ولا الإسلاميين. أصلا يجب عدم الربط بين الإسلام وبين أي حادث إرهابي حتى وان قام به إسلاميون أو مسلمون. يجب أولا أن لا نسارع لنفي التهمة عن الإسلام. لماذا؟ لان الإسلام ليس متهما في الأساس. ويجب إن لا نضعه موضع الاتهام. وعندما تقوم جماعة إسلامية أو متأسلمة بعمل إرهابي فإنها تسيء للإسلام ولكننا نسيء إليه أكثر عندما نسارع ونقول إن الإسلام بريء من هذا العمل وكان هناك اتهام للإسلام. عندما تقوم جماعة مهما كان انتماؤها العقائدي أو الديني أو السياسي أو الفكري بعمل إرهابي فان المتهم الرئيسي فيه هو الجماعة التي قامت به وليس للإسلام أي علاقة بذلك. فلا يجوز إن نظل نقحم الإسلام نفيا أو تأكيدا في كل عمل إرهابي وكأن المريب كاد إن يقول خذوني.
إن كل عمل إجرامي هو عمل إرهابي في الأساس كما إن كل عمل إرهابي هو جريمة بامتياز. كل عمل إجرامي هو إرهاب وخاصة عندما لا يكون هناك دوافع جنائية. والجريمة التي وقعت عند المدرج الروماني في عمان هي عمل إرهابي بغض النظر عن إن المجرم ينتمي لجماعة إسلامية أو لا ينتمي لأي جماعة. فالإرهاب إرهاب مهما كان مصدره ومهما كان هدفه. لكن هذا الحادث من جهة ثانية لا يمكن إن يكون بعيدا عن فكر وأسلوب الجماعات الإرهابية والتكفيرية المعروفة بانتماءاتها للإسلام السياسي. وما لم ينته التحقيق فكل الاحتمالات واردة.

فالمعروف عن هذه الجماعات إنها تستقطب الأشخاص من ذوي الخلفيات الجرمية والجنائية وتقنعهم بغسل ذنوبهم وتعدهم بما لم تره عين ولم تسمع به أذن. فهؤلاء الأشخاص عندهم في داخلهم ومؤخرة عقولهم الاستعداد اللازم لفعل الإجرام. وهذا الإرهابي الذي قام بجريمة المدرج الروماني قد يكون حديث الانتماء لجماعة إرهابية وقام بعمله الإرهابي مندفعا بحماسته حيث لم يطق صبرا بانتظار أوامر أميره أو زعيم عصابته. فكل شيء ممكن في عالم الإرهاب.

والى حين جلاء الحقائق ووضوح التفاصيل يظل هذا العمل الإجرامي الجبان عملا إرهابيا. لان الإرهاب في الواقع هو كل عمل إجرامي عشوائي يستهدف امن الوطن وامن مواطنيه وزواره.

حسين عبدالله نورالدين
كاتب صحفي
عمان الأردن
[email protected]