في الواقع لكل قضيةأطراف وكل طرف يحاول ان ينفرد بقرار يمثل مصلحة من يمثله فأذا تعارضت المصالح وتقاطعت خطوط المصلحة لا نجد هناك استقرار في ذلك البلد وهذا هو الواقع العراقي وتفاقم المشاكل ووصولها الى عنق زجاجة ضيقة قد يؤدي الى صراعات ما بين قوى المقاومة و الجيش المحتل،وهذا ليس من مصلحة اي طرف من اطراف القضية العراقية.
الامريكان يملكون أجندة قد يكون بعضها غير معلن ولكن العراقيين لهم اجندتهم الواضحة وهي التخلص من نظام صدام الدكتاتوري ثم التخلص من الاحتلال.بهذا التشابك المصلحي وتقاطع خطوط هذا التشابك جعل من القياده الامريكية تتخبط في عشوائية القرار ثم الرجوع عنه،او اصدار قرارات خطيرة اغلقت طرق التفاهم بين الجيش وبين الواقع الذي يجب ان يكون عليه.
اصدر الحاكم الذي حكم قبل بريمر واسمه (غارنر) قرارا بقدر اهميته العالية كان قصر فحواه المبهم الذي جاء فيه حل الجيش العراقي وكافة قوى الامن،وهنا فزع حلفاء امريكا وخاصة القائد البريطاني حاكم الجنوب من هذا القرار ولكن لم يجد اذنا صاغية لاعتراضه هذا.
هذا القرار (حل الجيش وقوى الامن) ملىء الشوارع العراقية بكتل بشرية غاضبة حاقدة على من أتى بهذا القرار الذي قطع ارزاق اكثر من مليون عراقي، ورفع نسبة البطالة من 42% الى 70% كما هو مفصل في الاحصائيات الرسمية.
وتوالت اخطاء القيادة الامريكية ونستطيع سرد البعض منها :
1) لم تعمل الادارة الامريكية على اعادة القضاء العراقي الى سابق وضعه قبل الاحتلال.والقضاء العراقي غزير بالكفاءات ولازال على مستوى عالي من النزاهة.
2) تلكأت كثيرا في اعادة الحياة الى الدوائر الرسمية وخاصة المراكز التي تملك حق فرض النظام مثل الشرطة والمخابرات والامن.
3) تلكأت في فرض سيطرتها والقاء القبض على الاف المجرمين الذين اطلق سراحهم صدام حسين خلال القصف و الاحتلال وكان بأمكان السلطة الامريكية لو ابقت الجيش وقوى الامن على وضعه السابق من ارجاع المجرمين الذين اصدر القضاء العراقي قرار التجريم و الحكم بحقهم واودعوا السجون ليعودوا الى زنزانتهم.
4) أهمل الجيش الامريكي السفارات العراقية ولم يعطها الضرورات لاعادة خدماتها الى العدد الكبير من العراقيين المغتربين في الخارج.وقد تقطعت بهم السبل بعد الاحتلال ولازالت بعض السفارات منها السفارة العراقية في لندن وسفارات اخرى في دول اوربية و القائم بالاعمال القنصلية لا يملك صلاحية تجديد الجواز العراقي،والعراقيون في حيرة من أمرهم،مئات الالاف ينتظرون مراجعة سفاراتهم وامريكا لم تكترث لهذا الامر.
5) عمدت سلطة الاحتلال على تشجيع المعارضة العراقية التي بدأت من مؤتمر صلاح الدين مرورا بالشام ولندن على تغييب فئات كثيرة من الشعب العراقي عن مركز اتخاذ القرار تارة بحجة ان الموجود يكفي،وتارة اخرى ان القاعدة في الاختيار والمحاصصة هي الطائفية و العنصرية. ومن الغريب ان الامريكان جاءوا بأقتراح طريقة لايجاد التوازن المذهبي في العراق أرضاءا لجنوب العراق وعزل شماله بأعتبار ان السنة الاكراد لا يحسبون على السنة العرب، وبهذا نجد ان هذا خطأ في الحس والمعادلة،فأما ان يقسم العراق عنصريا عربا وأكراد والاكثرية هم عربا،واما ان يقسم طائفيا ويحسب كل مذهب على حساب مذهبه سواء كانوا عربا او اكرادا او تركمانا.

هذا الحساب وطريقة التقسيم الذي اراد له(ريتشارد دوني) مسؤول ملف العراق آنذاك ادى ان ترتفع اصوات الشيعة بأنهم هم الاكثرية وهم ليسوا على خطأ في هذا الحساب.أختفت هذه الاصوات بعد تراجع الامريكان عن هذه النظرية المرفوعة عقلا و منطقا، سياسة التفرقة العنصرية والمذهبية ادت الى النتائج الاتية:
أ- لقد أدت الى تعيين مجلس حكم مؤقت لا يمثل الشعب وجرى ترتيب العضوية على قاعدة الطائفية الرجعية.
ب- أدت الى اعلان المرجعيات الدينية عن أحقيتها في قيادة الشعب سواء شيعية كانت ام سنية.
ج- أدت الى تعيين وزراء وعددهم (25)وزير على اساس طائفي وعنصري ومن الظريف في الامر ان رئيس الحزب الشيوعي العراقي دخل على اساس طائفي بأعتباره شيعي.وكذلك وزير المالية الذي دخل على اساس انه سني المذهب وبعدها ظهر انه شيعي وأخذ يتندر بهذا في مجالسه الخاصة،واخر الطرائف ان وزير الداخلية اكد في مؤتمر صحفي انه لم يجد مبرر لعزله من الوزارة سوى كونه شيعيا ولا يجوز ان يكون وزيري الدفاع والداخلية من الشيعة!!! أهناك مهزلة اكثر من هذا ؟
ثم استمر الخطأ عندما اراد بريمر تعيين وكلاء الوزارات فأصر كل وزير ان يكون له ثلاث نواب من ثلاثة اتجاهات مذهبية و عنصرية فيصبح مجموع النواب ثلاث اضعاف الوزراء!!
د- ان الادارة الامريكية اخذت تغازل رؤساء العشائر سواء على ضفاف الفرات او دجلة ورغم قناعتي ان العشائر لهم وزنا سياسيا خاصة في هذه الظروف لوجود الولاء العشائري بين العشيرة الواحدة مثلا عشائر شمر برئاسة الشيخ الياورلها ثقلا واسعا في الشمال، وكذلك بقية العشائر الا اننا واكبنا المسيرة القانونية التي أختطها رجال العهد الملكي في العمل على تقليل نفوذ العشائر السياسي وبالتالي الغى نوري السعيد قانون تنظيم العشائر وكانت خطوة تقدمية ارتاح لها الكثير من محبي مصلحة العراق العليا.
ثم جاء عبد الكريم قاسم بثورة 14 تموز 1958 واراد تحجيم نفوذ العشائر فأصدر قانون الاصلاح الزراعي وخفض ملكية الاقطاعيين ذوي النفوذ الواسع من مئات الالاف الى اقل من الف دونم في الاراضي السياحية واقل منها في الاراضي الاروائية والديمية ولم يكن الغرض من هذا القانون الزراعة فقط ولكن بالاساس هوقطع دابر الردة الرجعية لثورة 14 تموز.
صحيح أن قانون الاصلاح الزراعي لم ينجح في شمال العراق في المنطقة الكردية بأعتبار ان (الاغوات)يملكون نفوذا واسعا امام تطبيق هذا القانون.وامام هذه الحالة هل من مصلحة العراق الان وفي هذه الظروف اعطاء دورا سياسيا للعشائر ؟
برأينا ان الوضع الحالي يوجب علينا الحذر في التعامل مع هذه القوى العشائرية فهي ان اصبح لها نفوذ فأن كل مساوىء الاقطاع وظلمه على الفلاحين سيعود من جديد الى العراق.ومن ناحية اخرى ان تكتلهم يصب في مصلحة الوطنيين الذين يقاومون الاحتلال ويؤمنون بأيجاد ظهير قوي لمطلبهم العادل.

ومع وجود الكثير...الكثير من الاخطاء الفادحة التي ارتكبها بريمر وان دخول المُسهب فيها يحتاج الى سلسلة مقالات الا انه من الواضح ان الدعوة لتنحي قوات الاحتلال عن التفرد بالسيطرة على العراق ماديا وعسكريا واقتصاديا والتصرف في نقطة تصرف المالك،علينا ان نؤيد فكرة ممثل الامين العام للامم المتحدة الاستاذ الاخضر الابراهيمي وما جاء بطروحاته التي ايدها الرئيس بوش عند لقاءه مع الرئيس المصري حسني مبارك،علينا نحن القوى الوطنية الرافضة للاحتلال تبديل الحاكم المدني بريمر ووجوب رحيله عن السلطة وعن العراق بعد الفشل الذريع الذي وقع به وكانت نتائجه غليان الشعب العراقي ورفع السلاح ضد الاحتلال كما يحدث اليوم في الفلوجة و النجف.
أن الفوائد التي يجنيها العراق من تولي الامم المتحدة هي كالاتي:
1) أضفاء الشرعية الدولية على ادارة العراق وابعاد التفرد الامريكي في ادارة البلاد.
2) رفع كافة تجاوزات الحاصلة واعادة النظر في القوانين التي اصدرها الاحتلال بما يتوافق مع اتفاقيات جنيف.
3) اعادة تشكيل المؤسسات القانونية والدستورية بالشكل الذي يلائم مصلحة العراقيين.
4) العمل على اجراء انتخابات نزيهة وبأشراف دولي حتى يصل الى مراكز الحكم و القرار أناس وطنيون ليس لطائفتهم او عنصرهم سبيل للوصول.
5) ايقاف النهب الاقتصادي وخاصة المليارات التي دفعت الى الشركات الامريكية التي غالت في الاسعار وزادت في التكاليف حتى حصول شكوى في مجلس الشيوخ الامريكي في تصرف بعضها بفروقات بمئات الملايين.

وأخيرا فأن قوات الامم المتحدة وهي التي ساهمت في انحاء كثيرة من العالم على الاستقرار و استتباب الامن قادرة دون شك على انتزاع الحساسية والكراهية بين الشعب العراقي وقوات الجيش الامريكية المتحالفة حتى تزداد الثقة بتواجد قوات الامم المتحدة وهنا تكون بداية حسنة على بدء العراق مسيرة ديمقراطية لبيرالية نحو مستقبل افضل.

خالد عيسى طه
رئيس(محامون بلا حدود)