حرب السنوات العشر المدمرة مع إيران، احتلال الكويت، التعذيب داخل السجون العراقية، الرمي بالرصاص للأحياء المعارضين، المجازر الدموية، و غيرها من الأمور تمت في الأشهر الحرام في عهد الرئيس المخلوع، الم يحتل الكويت في العاشر من رمضان؟ الم يقاتل إيران في الأشهر الحرام و الأعياد؟، فلماذا التباكي على إعدامه أول يوم العيد و هو الذي سرق فرحة العيد أكثر من خمس و ثلاثين عاما من أبناء الشعب العراقي البطل و الصبور على الظلم؟، تلك وجهة نظر تيار يرى في إعدامه يوم العيد quot;عيدينquot;.

إطلاق صواريخ على تل أبيب، الوقوف في مواجهة الصلف الأمريكي، كوبونات نفط لمسئولين، خمس و عشرين ألف دولار لكل شهيد انتفاضة فلسطينية، هدايا و عطايا لصحفيين و كتاب أعمدة و سيارات و شقق، أموال و شيكات لبعض تيارات نقابية و بعض من الأحزاب على الساحة الأردنية و غيرها من بعض الساحات العربية، و غيرها من عمليات شراء الضمائر و الأقلام و هو ما خلق تيارا نفعيا في جزء منه يقف معه في عدوانه ويبرره و وقف بالأمس القريب ضد محاكمته و إعدامه وصل إلى حد وصفه بسيد شهداء العصر.

بين التيار الأول و الثاني مساحات واسعة من الاضطراب النفسي و هشاشة العظم السياسي جعلت حالة التيه الفكري لدى مجموعة كبيرة مسيطرة على فكرة الإعدام يوم العيد و إن اتفق الجمع على ضرورة إعدام من وصفوه بالطاغية في مقابل من أطلقوا عليه زعيم الأمة العربية، و لكن ليس أول يوم في العيد.

مظاهرات نقابية تنشر صورها الجرائد الأردنية لتوضيح الديمقراطية المستحدثة هنالك، و لكن لم يجرؤ احد أن يذكر أن عدد المتظاهرين و الذي بلغ ألفين و أطلقت عليه اسم quot; مظاهرة النقابات الأردنية المهنية quot; هي في الأصل لا تمثل إلا من تظاهر خصوصا و أن عدد المنتسبين للنقابات المهنية يتجاوز المائة و ستين ألف، فأين نصفهم على الأقل حيث لم يشارك إلا قلة قليلة معروف دوافعها و أبجدياتها؟.

إلفا متظاهر هو عدد من خرجوا للتظاهر وهو عدد لا يزيد عن اثنين بالمائة من جموع المنتسبين أطباء و مهندسين و محاميين و غيرهم من أعضاء النقابات المهنية، و شاركت بعض أحزاب و تيارات دينية بمناسبة قرب الانتخابات النيابية أولا و اعتراضها على الإعدام يوم العيد لا على الإعدام نفسه بالإضافة إلى الاعتراض الدائم على التواجد الأمريكي في العراق ليس إلا، و هو ما لم تشر له الصحف الأردنية صراحة، بل قرأ الجميع شهادات ابسطها أن هنالك كتاب أعمدة في الصحيفة الأردنية الأولى كانوا يستقوون على وطنهم بالتدخل العراقي الخارجي و هم اليوم يرفضون التدخل الأمريكي حيث كتب احدهم قائلا:
quot;المهم، إننا قابلنا الرئيس الراحل صدام حسين، وأن حديثا خاصا بعيدا عن المحكمة وحكمها جرى، نقلته وقتها للمعنيين ولا بأس من أن انقله إلى قارىء الرأي... في تلك المقابلة أشار الأستاذ طارق عزيز إلى شخصي الضعيف، بأنني لا اكتب في تلك الفترة لان مسئولا كبيرا أمر بأن لا يرد اسمي في الرأي إلا في صفحة الأموات!! وضحك الرئيس صدام.. وكانت ملاحظة لها علاقة بالبسطة العراقية، لكنه كعادته عاد إلى الجد: قال: هناك حركات تستهدف دفعنا إلى قطع النفط عن الأردن، لكنني أقول لك: لن نقطعه تحت أي ظرف.quot; انتهى الاقتباس و دون أي تعليق على مقالات بعض الكتاب الذين ربطوا أنفسهم بنظام صدام و عطاياه ولم تتخذ الحكومات الأردنية بحقهم أي شيء علما بأن مقالاتهم كانت تبداء من فندق الرشيد في بغداد ممهورة بدنانير مصرف الرافدين على حد ادعاء بعض من الساسة.

و كان قد أشار مراسل الحياة quot;سلامة نعمات quot; في مقال له عن الأموال التي يقبضها بعض الصحفيين من نظام صدام ووجهت له تهمة التهجم على كتاب أعمدة و صحفيين في الأردن و برأته المحكمة الأردنية آنذاك منذ حوالي عشر سنوات.

و في جانب آخر يكتب وزير تخطيط أردني سابق تحول بعد إعدام صدام إلى مفتى ديار الإسلام يوزع الشهادة فيقول:quot; إن المآتم التي أقيمت في العديد من الدول العربية ومشاعر الحزن التي عمت جماهير عريضة من الشعوب العربية لمقتل صدام كانت لأن من قتل صدام لم يستهدف صدام الاستبداد والقمع بل استهدف صدام النضال من أجل بناء القدرة العربية المناهضة للصهيونية والاستعمار، ولهذا السبب بالذات استحق هذا القتيل أن يعد شهيدا ضمن من استشهدوا في سبيل ذلك النضال. quot; انتهى الاقتباس.

كانت لصدام أحلام و هواجس كبيرة، جلس في برج عالي ينظر إلى أهدافه التوسعية العدوانية في معظمها على حد قول بعض الساسة و المحللين، اخذ الخطوة الأولى في محاولة اغتيال و هو يحمل مسدسه و لم يكن قد بلغ الرابعة عشر من العمر، اعتدى على إيران بمساعدة و مباركة أمريكية و تأييد عربي، ثم احتل الكويت بمؤامرة شاركه فيها quot;أبو عمار quot; بتصريحه الشهير المؤيد لكل تصرفات صدام مما دفع بإخراج أربعمائة ألف فلسطيني من الكويت و استخدامهم ورقة ضاغطة على الأردن فيما بعد في التسعينيات. هذا الاحتلال الذي سمح لأمريكا أن تأتي إلى الخليج بكل عسكرتها بأموال عربية، و تلك كانت خدمة العمر التي قدمها لأمريكا الحالمة بنفط العرب، فأتت على جناح الرحمة العربية.

قصف إسرائيل بثلاثة عشر صاروخا قبضت في مقابل كل صاروخ مليار دولار و ظهرت بأنها الدولة الأكثر ضبطا للنفس و هي التي يمكنها أن تنهي العراق بقنبلة نووية واحدة.

رفض التعاون مع مفتشي الأمم المتحدة بغطرسة و كبرياء واستخدم الأجانب دروعا بشرية.

قتل الحكيم و الصدر و السيد المهدي و سن مبدأ quot; ثمن الرصاص في مقابل جثث شهداء الحرب quot;.

شكل مجلس التعاون العربي الذي ضم الأردن و اليمن و مصر و العراق و الذي انسحب منه الرئيس المصري مبارك واصفا إياه بمجلس التآمر العربي.

رفض تدخل الملك الحسين للانسحاب من الكويت، تاركا إياه مع مدير المخابرات في احد قصور بغداد، مخاطبا إياه بالقول:quot; عوضا عن الحديث عن الانسحاب من الكويت انظر إلى كيف نقوم بعمل الخبز الاسمر هناquot;. و ترك الملك مع مدير المخابرات و خرج.

أرسل ابنه quot;عديquot; إلى الملك الحسين مطالبا بتسليم ابنتيه و أزواجهم إلى العراق بعد أن فروا من طغيانه و حكمه، حيث قال عدي للملك الحسين بوجود رئيس الديوان الملكي في قصره بعمان، انك لا تساوي طلقة رصاص و نحن قادرون على إنهاء حكمك في الأردن، و مع ذلك قابله الملك الحسين بكل أخلاق و أدب و رفض تسليمهم إليه، ثم عادوا برغبتهم عبر الحدود الأردنية إلى العراق فقتلهم صدام و ذبحهم مثل الشاه على يد رجاله حسب رواية احد مرافقي صدام و الذي يعيش في أبو ظبي و بالمناسبة فأن عائلة المرافق و أبنائه قتلا على يد صدام حسين نفسه و عددهم ست.

رفض عرض الشيخ زايد للخروج من العراق و تجنيب الأمة المصير المتهالك و جحيم الحرب.

رفض عرض الرئيس المصري بالانسحاب من الكويت، في خطاب ألقاه الرئيس مبارك حيث قال له: ماذا ستفعل أمام ألفي طائرة من أنحاء العالم و أنت تحت الحصار، اخرج من الكويت و أنا على أتم استعداد لإخراجك من المأزق بصورة تليق بك كرئيس دولة.

يرى البعض أن خطوة تلت الأخرى بعناد و إصرار على الأخطاء و التحدي الأجوف و الغرور المطلق، و بدا واضحا العنف و الحكم بيد من حديد و القتل و الاغتيالات خارج و داخل العراق، و ظهرت نوايا الطموح العدواني للسيطرة على مجريات سوق النفط و إذلال أهل الكويت و شيوخها، ثم ماذا؟. لا شيء سوى المزيد من المديونية و القهر للشعب العراقي و تهجير أكثر من نصف أبنائه إلى الخارج في ظروف شديدة البؤس و المعاناة جرت المنطقة بأسرها إلى الهاوية في الوقت الذي كان يحلم الشيخ الأردني، عضو مجلس النواب، بصدام و حصانه الأبيض منتصرا على أمريكا و جيوش العالم، في حملة انتخابية استخدمت فيها النقابات المهنية جسرا للوصول إلى المجلس النيابي الأردني.

و آخرون يرون انه لا يهم كثيرا، إلى أين وصل إيمان البعض به، أو إلى أي مدى أحبط الشعب العربي أو خدره بانتصارات زائفة، و لكن المحصلة انه لم يحفظ العراق بل بتصرفاته الأخيرة أسقط العراق في يد الغزاة و الاحتلال و هو الذي جعل البسا طير الأمريكية تنتعل ارض العراق. ويعتقد البعض انه المسئول الأول و الأخير عن كل ما يحدث اليوم في العراق الصامد و الناتج عن عجرفة رئيس لم يهتم إلا بحلم تخليد نفسه مما جعل من العراق بلدا مفلسا و هو البلد الوحيد الذي يمتلك النفط و الماء في آن واحد. رئيس مخلوع هو اليوم في ذمة التاريخ وهو المسئول عن هدر أموال العرب في حروب خاسرة بلا معنى أو قيمة خدمت الأمريكي الشره في احتلال العالم العربي، و قضت على أموال الأجيال القادمة و مستقبلها الآمن.

لا يهم كيف يعتبره البعض بطلا أو يراه آخرون خائنا و كافرا، فقد ترجم حلمه بدخول التاريخ عبر بوابة الإعدام و قد اعدم.

هذه هي معادلة من يعتبرون أنفسهم زعماء الأمة، لا يرون إلا عظمة أنفسهم و تحديهم لشعبهم المقهور في سبيل البقاء في ذمة التاريخ، و التاريخ و أن كان ملطخا في جزء منه بأقلام و صحف و أحزاب و تيارات نقابية انتشائها و اشتراها و احياها نظام صدام، فهذا لن يستمر طويلا و سيفيق هؤلاء من سباتهم بعد أن يروا كم كلف الأمة العربية بقاء صدام و كم سيكلف رحيله و بث شريط إعدامه الخلوي، فليتعظ كل من يظن انه يحكم بدون العصا الأمريكية السحرية التي تذبح بلا هوادة يوم انتهاء مدة الاستخدام.

د.عبد الفتاح طوقان

[email protected]