كل شيء مثالي في دبي. البناء الذي لا يحيد قيد انملة عن مخططه،الشوارع النظيفة والتقيّد بإشارات السير والنظام.
قد تحب هذه المثالية وقد لا تحبها إنطلاقا من أي فوضى تأتي.

وبما اننا من الفوضى اللبنانية، فلا سبيل لنا لاحتمال كل هذه القوانين، خصوصا واننا من الفوضى المدخنة.
هنا دبي.. وهنا لا يمكنك التدخين.

أينما تحل، يمنع التدخين، تبحث عن منطقتك، فيبلغك أحدهم أن عليك الخروج من المبنى كاملا كي تدخن.
حسنا لا بأس، يمكنك الانتظار قليلا كي تنتهي مما تقوم به، وتخرج إلى quot;فسحة الامل quot;.
تنسى للحظات أن عليك التدخين في بقعة ما صغيرة خارج المبنى و تمني نفسك بجرعة نيكوتين في السيارة.
لكنك لا تستطيع التدخين في السيارة أيضا، فهناك قوانين تتعلق بالتدخين في السيارة.أو هكذا على الأقل ما أبلغنا به السائق الهندي الجنسية.

أولا علينا أن نفتح نافذة السيارة، لكن لا نافذة في الخلف، ثم عليك الا ترمي الرماد في الشارع.
حسنا ايها الصديق الهندي المؤقت، لا أحد يدخن في السيارات المجاورة لنا، يأتيك الجواب quot;لا أعلمquot;.
وبما انك لا تعلم ايضا، وبما انك لم تخضع لقوانين فعلية يوما ما، فلا فكرة لك عما قد يحدث. فتقرر الانتظار مجددا.

تعود إلى الفندق وتهرع إلى غرفتك تخرج سيجارتك الأولى فالثانية فالثالثة.. تشعر بمرارة في فمك، لكنك تكمل المهمة. علبة كاملة تحسبا لجلسة ما ستطول في مكان ما لا يسمح بالتدخين.
وهكذا تمضي أيامك بمزاج متقلب وفق جرعات النيكوتين التي تتمكن من إدخالها إلى جسمك في إطار خطة محكمة من التحايل على الأماكن و quot;طولة البالquot;.

هنا مطار دبي.. وهنا يمكنك التدخين، ولكن!

في مطار دبي يمكنك التدخين في غرف صغيرة الحجم مخصصة للمدخنين.هناك تلتقي المدمنين أمثالك، دخان لبناني يمتزج بالهندي والفلبيني والصيني والسعودي والقطري والمصري..
كلنا مدخنون.

وكلنا محشورون في هذه الغرفة الجانبية.
وبينما تستمع بسيجارتك بعد ساعة أو أكثر من البحث عن غرفة الكنز تلك، تنتبه إلى انك معزول عن محيطك.
البشرية تسير في إتجاهها ترمقك بين حين وآخر بنظرات الشفقة يبتسمون ويكملون طريقهم.
تتزود بفائض من النيكوتين بانتظار ساعات اللاتدخين على متن الطائرة.

تضحك كثيرا لفكرة عزلك عن المحيط، تعترض على معاملتك كوباء وتحتج على أقلية غير مدخنة تتحكم بك.
لكنك في هذا المكان تخضع لقوانين هذه الاقلية غير المدخنة.

تخرج من غرفة العزل تلك، وتحاول قتل وقتك بانتظار موعد المغادرة المنشود.
ثم تجد مساحة أخرى للتدخين، هي ليست بغرفة، لكن منطقة معزولة وسط محيط مفتوح.
في وسط تلك المساحة تماما تجد ما يشبه السور المزود بنظام تهوئة يمنع خروج الدخان إلى المحيط. يمكنك أن ترى الجميع من خلال الزجاج الشفاف.

تقف مطولا أمام احتمال التدخين في هذه المنطقة، تكاد تتراجع مرارا عن حشر نفسك بين الجموع لكنك تستسلم لنداء تلك السيجارة اللعينة مع إصرار العاملة في المطار على تذكيرك بأنه عليك التوجه الى البوابة الفلانية لان موعد رحلتلك قد حان.

تدخل مكرها إلى تلك المساحة.. لما كل هذه المشقة، أهناك نوع من العنصرية ضد المدخنين.. فوقية ما؟؟
لا بد أن مصمم هذه المساحة يكره المدخنين بشكل هستيري.. فقرر وبكل بساطة حشرهم هناك ليكونوا عبرة لمن لم يعتبر.

تدخل بين الجموع لتكتشف أن جميعهم من الرجال، فتقرر حشر نفسك في أقرب زاوية للمخرج.
أنت quot;الفرجةquot; الآن..كأنك مصاب بمرض معد، حيث ترفع الأصابع باتجاهك وتتعالى القهقهات.
تعبس بوجه تلك الاجنبية التي وقفت لتضحك بقوة على المشهد..
أين أنت يا فوضى بلادي..كم أشتاق إليك وإلى مطارك المزود بمناطق عديدة للتدخين.

صديقنا الإماراتي، المدخن الشره يريدنا أن ننصف دبيquot; اكتبوا كل شيء جيد عنا quot; يهددنا مبتسما بالقرب من النافذة حيث كان يأخذ دوره معنا في إخراج الدخان بعيدا عن quot;غير المدخنين quot;.

حين تأتي إلى لبنان لن تقف بجانب أي نافذة، يمكنك التدخين أينما تحل. لن أعدك بأن تغير رأيك وتطلق على ابنك اسم بيروت عوضا من دبي. لكنني أؤكد لك أنك ستحب فوضى التدخين.
ستكره كل شيء آخر، لكنك ستحب فوضى التدخين.
أهلا بك في لبنان، هنا يمكنك التدخين اينما تشاء.

نسرين عز الدين