في بيان صدر مؤخراً ونشر في أحد المواقع الإسلامية (الحركية) على شبكة الإنترنت، طالب (19 حركياً) صحوياً الحكومة السعودية بصرف مبلغ مقطوع ndash; أعطيات - لكل مولود جديد يولد في المملكة لمواجهة موجة الغلاء. البيان جاء فيه بالنص : (صرف مبلغ مقطوع لكل مولود يساعد على تخفيف التكاليف المناطة بولي الأسرة وهذه سياسة إسلامية قديمة وهي مطبقة في دول عديدة بصور شتى)!. هذا الاقتراح يؤكد أن مشايخ الصحويين هم أبعد الناس عن فهم التحديات التي تواجهه المجتمعات المعاصرة، وفي مقدمتها متطلبات التنمية الاقتصادية.

أكبر تحد ٍ حقيقي يواجه السعودية في الوقت الراهن، وربما في المستقبل، هو الزيادة في أعداد السكان أو ما يسمى في الأوساط الاقتصادية (القنبلة الديمغرافية). وعندما تصرف (أعطيات) للمواليد الجدد معنى ذلك أنك تشجع الزيادة في أعداد السكان، حيث تصبح (أرحام النساء) أفضل السبل لزيادة الدخل الفردي، وبالتالي، أو بالضرورة، فإن معدلات زيادة المواليد في المملكة (ستتفاقم)؛ بل لن أكون مبالغاً لو قلت: إن المملكة قد تصبح الأعلى في نسبة زيادة المواليد في العالم؛ ونكون بهذه الزيادة مثل ذلك (الأحمق) الذي أراد أن يُطفئ الحريق فسكب مزيداً من الزيت عليه!

البيان في لغته، وسذاجته، وضحالته، وخلفية من وقعوا عليه، هو أشبه ما يكون (بالنكتة) بالقياسات التنموية الاقتصادية الحديثة. وهذا ما يؤكد ما كنا نشير إليه دائماً ومؤداه أن هؤلاء الصحويين بفكرهم وطرحهم سوف يسعون بنا ndash; فيما لو أخذنا مقترحاتهم بالقبول - إلى كارثة اقتصادية بكل المقاييس؛ لا تختلف كثيراً عن المآل الاقتصادي الذي آلت إليه المقبورة (طالبان)، حيث كان الفقر والعوز والتخبط المالي والاقتصادي ضارباً أطنابه في البنية التحتية لتلك الدويلة المتهالكة آنذاك.


علمياً، يقول الدكتور أمين ساعاتي: حسب نظرية (توماس مالتس) فإن عدد سكان أي دولة في الظروف الطبيعية يتضاعف كل 25 سنة. معنى ذلك أن سكان المملكة في بدايات العقد الرابع من الألفية الثالثة سيتضاعف؛ فإذا كان عدد سكان المملكة عام 2025 م كما تقول الاحصاءات25 مليوناً فسوف يصبح عام 2030 في حدود الـ 50 مليوناً.
أهم التبعات الخطرة لزيادة السكان تأتي في ندرة المياه في المملكة؛ حيث أن المياه الجوفية التي يعتمد عليها السعوديون تتناقص سنة بعد سنة بشكل خطير، وفي الوقت ذاته يزداد الاعتماد على تقنية مياه البحر المحلاة مرتفعة الكلفة، والتي تزيد تكاليف إنتاجها باستمرار.

أي أن المأزق الذي ينتظرنا، وينتظر أجيالنا القادمة، ويجب أن نستعد له من الآن، هو (المأزق المائي)... البطالة، وتضخم المدن، واتساع الفجوة بين ما هو معروض من خدمات وبين متطلبات زيادة أعداد السكان الخدماتية، هذا العامل يأتي في المرتبة الثانية من حيث التحديات بعد ندرة المياه؛ فالمملكة حالياً تواجه مشكلة تتفاقم في ظل معدلات زيادة السكان في ارتفاع نسبة (البطالة)، وكذلك في ازدياد معدلات جرائم المدن المتضخمة. أعطيات المواليد الذي يطالب بها البيان يعني أن هذه المشاكل ستتكرس. وإذا أضفنا إلى هذه العوامل العامل الأهم ومؤداه أن هذه الحلول هي بالمعايير الاقتصادية حلول تجذر مفاهيم (الدولة الريعية) على حساب تغييب مفاهيم (الدولة الإنتاجية) التي تسعى إليها خططنا التنموية، فإن المحصلة ستجعل هذا البيان مجرد (لعب عيال) لا يمكن أن يصدره رجلٌ يحترم كلمته، و يهمّه قيمة ما يُوقعُ عليه.

أعرف أنني عندما أخاطب هؤلاء القوم بهذه اللغة التخصصية مثلما أحدثهم باللغة الهيروغليفية. ولعل من المحزن حقاً أن بعض من وقع هذا البيان الذي لا يساوي من الناحية العلمية قيمة المداد الذي كتب به، يحمل لقب دكتور. وتسألون : لماذا مؤسساتنا الأكاديمية السعودية في ذيل التصنيف عالمياً؛ اقرؤوا هذا البيان لتضعوا أيديكم على السبب!

محمد بن عبداللطيف آل الشيخ