إن زيارة القذافي لفرنسا لا تزال تثير الاحتجاجات الداخلية لاستباحة حقوق الإنسان في ليبيا، ويردّ بعض المؤيدين للزيارة بأن القذافي ليس أول رئيس يزور فرنسا وله سجل معروف في هضم حقوق الإنسان.


لقد أخذ الرئيس الفرنسي فور انتخابه بالعمل لتنفيذ برنامجه الإصلاحي الداخلي الجريء، رغم موجة إضرابات نقابات العمال، وتحركات الطلبة. أما في السياسة الخارجية، فنعتقد أنه لم يطرح برنامجا محددا ومتكاملا، رغم قيامه بخطوات جريئة، مثل التخلص من قوقعة العداء الأعمى للولايات المتحدة، فهناك، في رأينا، تناقضات في بعض مواقفه السياسية، ويمكن القول إنه يفرط في ممارسة quot;الواقعية السياسيةquot;.
إن زيارة الزعيم الليبي في يوم الاحتفال بإعلان حقوق الإنسان قد أثار حتى احتجاج وزيرة شؤون حقوق الإنسان؛ على أننا لو تركنا جانبا هذه النقطة، فسوف نجد أن التغير الذي نسب للقذافي ليس له من مبرر.


إن الرئيس الليبي قد استغل القمة الأوروبية ndash; الأفريقية لإطلاق تصريح خطير يقول إن الإرهاب هو quot;سلاح الضعفاءquot;!! هكذا بالتمام. فهل هذا موقف من تخلى حقا عن دعم العصابات الإرهابية في مناطق من العالم، وإرسال السلاح لايرلندا؟ نعم، لقد دفعت ليبيا تعويضات لضحايا عملية لوكربي تحت الضغوط البريطانية والأمريكية، ولكن تصريحه المذكور هو بمثابة تشجيع وتبرير لعمليات القاعدة وغيرها من شبكات الإرهاب. وفي قضية الممرضات البلغاريات، فقد تم سجنهن سنوات، وتعرضن للتعذيب والهوان، ولم ينقذهن غير التدخل الفرنسي، ولكن بثمن، ومن ذلك تزويد ليبيا بمفاعل نووي.
لم يكتف القذافي بنصب خيمته العتيدة وسط باريس، بل خرق جميع آداب اللياقة الدبلوماسية، حين وقف في منظمة اليونسكو مهاجما فرنسا وأوروبا بسبب سياسات الهجرة، كما أنه برر عنف الضواحي ملقيا المسئولية على فرنسا، وهذا ما يشجع الجانحين والمجرمين.


إن موضوع الهجرة هو شاغل الاتحاد الأوروبي بسبب الهجرة غير الشرعية، التي لا يمكن لأية دولة في العالم القبول بها، والقذافي هو آخر من يلقي دروسا في سخاء استقبال اللاجئين، و لم تنطو بعد عمليات طرد الموظفين الفلسطينيين والعرب من ليبيا، مع أنهم كانوا في أعمال ووظائف، فطردوا بدون صرف مستحقاتهم المالية. أما عن تبرير عنف الأقلية من أبناء الجرة الأفريقية والمغاربية، فإنه تجاهل مقصود لما اقترفته وتقترفه تلك الأقلية في الضواحي الفرنسية من جرائم، كحرق السيارات بالجملة، وحرق الحافلات العامة بوجود ركاب فيها، والاعتداء المستمر على المدرسين، ألخ. ألخ. إن السؤال الذي يجب توجيهه لعبقري صاحب الكتاب الأخضر الخالد، هو كيف يمكن تبرير جرائم كهذه؟ هل بالبطالة؟ ولكن البطالة لا تقتصر على شرائح من أبناء الضواحي. هل بالوضع المعيشي؟ ولكن هناك فرنسيين وجاليات أخرى قد تكون ظروفهم أصعب، ولكنهم لا يحرقون سيارات المواطنين، علما بأن معظم عائلات الهجرة تسكن في شقق البلديات، وإن كان العديد منها في حاجة إلى التحسين، بينما هناك آلاف من الفرنسيين بدون مأوى.


إن زعماء كالقذافي يبقون على طبيعة التقلب، وخلق المفاجئات. إنهم لا يمكن الثقة بهم رغم تبديل بعض مواقفهم تحت الضغوط الدولية ولأسباب تكتيكية.


أجل، لقد ربحت فرنسا من الزيارة عشرة مليارات من العقود، ولكن هذه الزيارة تظل محور سجال مثير.

مراد مصطفى