معركة الخندق (الأحزاب)
أمضيت الأسبوعين الماضيين فى جمع المعلومات من المصادر الكثيرة من الانترنيت وكتب قديمة وحديثة ودونت الملاحظات على قصاصات من الورق زاد عددها على الخمسين. لم يكن الأمر سهلا بالمرة، فان المعلومات متضاربة ومحشوة بالتلفيقات والمبالغات التى أراد بها أصحابها اضفاء القدسية الفارغة على الرسول الكريم والصحابة الأجلاء لغايات فى انفسهم، ولم يدر بخلدهم ان المستقبل الذى نعيشه اليوم سيكشف أكاذيبهم ومبالغاتهم التى لم يكن الرسول ولا الصحابة فى حاجة اليها. وفى نفس اليوم الذى كنت انوي ان أبدأ بكتابة المقالة، فوجئت بمقالة المفكر العراقي الكاتب الفاضل غالب حسن الشابندر التى نشرها فى ايلاف يوم 4 كانون الأول/ديسمبر الحالي بعنوان: بصقة تغير وجه التأريخ!!!. المقالة رائعة لما احوته من معلومات قيمة عن حادث (البصقة المقدسة ) التى سببت انتصار المسلمين فى معركة الخندق، والتى أطعمتهم لغاية التخمة بعد جوع شديد. وكما قال نابليون بونابارت ان الجندي يسيرعلى معدته، فان تلك البصقة قامت بالدور الأكبر فى الانتصار!!
لم يذكر الاستاذ الفاضل معجزة اخرى حصلت فى نفس المعركة التى وقعت فى العام الخامس للهجرة، والمعجزة هى: عندما كان الصحابي سلمان الفارسي يحفر الخندق مع باقى المسلمين، اعترضته صخرة عظيمة تكسرت عليها معاول الحديد ولم يجد بدا من الاستنجاد برسول الله الذى ضرب الصخرة ثلاث ضربات بيده، وفى كل مرة يخرج منها بريق يبهر الأبصار. فى الضربة الأولى قال الرسول: ( الله اكبر، اعطيت مفاتيح الشام، والله انى لأبصر قصورها الحمراء الساعة). وفى الضربة الثانية قال: ( الله أكبر، اعطيت مفاتيح فارس، والله انى لأبصر قصر المدائن أبيض). وفى الثالثة قال: (الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله انى لأبصر ابواب صنعاء من مكانى هذه الساعة). وانهارت الصخرة وتفتتت وعاد المسلمون الى حفر الخندق!!!
لم يذكر لنا القرآن بان الرسول كان ذو قوة بدنية هائلة يحطم الصخر بيده. لقد ذكرالقرآن فقط عن قوة النبي داود عندما ذكرذلك فى آية 10 سورة سبأ: (ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال اوبى معه والطير وألنا له الحديد)، اي جعل الله الحديد طوع يديه. ومدح الله الرسول بقوله (وانك لعلى خلق عظيم)، كما نفى القرآن علم الرسول بالغيب فى آية 188 سورة الأعراف: (قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء ان انا الا نذير لقوم يؤمنون). ان القوة البدنية الفائقة لا تضفى على صاحبها القدسية والا لصح تقديس الهندوس للثيران!!!.
لو ضربنا صفحا عن مسألة البصاق المقدس وبريق الصخرة لاستخلصنا ان اسباب نكوص قريش تتلخص فيما يلى:
1- التخطيط العسكري، وأهمه حفر الخندق الذى اقترحه الصحابي سلمان الفارسي على الرسول.
2- العمل الاعلامي والاستخباري الذى قام به نعيم بن مسعود الغطفاني الذى اسلم قبل المعركة فطلب منه الرسول (ص) تخذيل الكفار، فقام بخداع اليهود وقريش وبذر الفرقة بينهما.
3- الأعمال البطولية للامام علي بن ابى طالب الذى قتل فارس قريش عمرو بن ود العامري، والزبير بن العوام الذى قتل نوفل بن عبد الله، فهرب الباقون من الذين كانوا قد اقتحموا الخندق وهم: عكرمة بن ابى جهل وهبيرة بن ابى وهب، وضرار بن الخطاب، والشاعر ابن مرداس.
4- وجاءت الضربة القاصمة بهبوب رياح عاصفة باردة فى ليلة ليلاء اقتلعت خيام المشركين واطفأت نيرانهم واختلط الحابل بالنابل، وضاق ابو سفيان ذرعا بها ونادى بأصحابه بالرحيل بعد حصاردام 24 ليلة. وهكذا انتهت المعركة التى كلفت المسلمين 6 شهداء والمشركين 3 قتلى. وكما جاء فى القرآن الكريم: (وكفى الله المومنين القتال).
غزوة خيبر
وقعت غزوة خيبر فى السنة السابعة للهجرة بعد صلح الحديبية. تقع خيبر شمال المدينة على مسافة مائة ميل وتشتمل على عدة حصون تحصن فيها سكانها من اليهود. خرج اليها الرسول فى الف وستمائة مقاتل، بعد ان وضع خطة لمفاجئتهم. وصل جيش المسلمين ليلا وعسكروا حولها، وعند الصباح اصاب اليهود الذعر لما شاهدوا المسلمين يحيطون بهم من كل جانب. كان عدد اليهود المقاتلين حسبما ذكرت معظم المصادر حوالى عشرة آلاف مقاتل، وحيث ان سكان خيبر لم يزيدوا على ثلاثة ألاف فكيف يكون فيهم عشرة آلاف مقاتل؟ لقد ذكرالراحل الدكتور جواد علي والمستشرق (براون اوليري) ان مقاتلى خيبر لا يزيدون على الف واربعمائة مقاتل، وانا اميل لتصديق هذا الرقم بعد بحث طويل.
مرة اخرى لعب (البصاق المقدس) دوره فى هذه المعركة ايضا. فعندما فشل المسلمون فى البداية من اقتحام حصون خيبر استدعى الرسول (ص) عليا بن ابى طالب فجاءه مغمض العينين لاصابته بالرمد، فما كان من الرسول الا وبصق فى عينيه فشفى من ساعته!!!، وسلمه الراية، وقاد المسلمين، وكان النصر. وذكر العالم الراحل(أ. م. جواد مغنية) ان عليا اقتلع الباب الحجري لاحدى الحصون بعد ان ادخل اصبعين من اصابعه فى فتحة صغيرة فيه وتترس بالباب الذى وضعه فيما بعد على الخندق الذى يحمى الحصن ليعبر عليه جنود المسلمين. وليؤكد آخرون على ثقل الباب قالوا بأن سبعين رجلا حاولوا قلبه فما استطاعوا. وقال غيرهم ان عدد الرجال كان اربعين، وعلى مر السنين بدأ هذا العدد يتناقص حتى نزل الى ثمانية!!!. ومرة اخرى أقول ان القوة البدنية الفائقة لا تضفى القدسية على أصحابها.
والفرية الأخرى (وهى مذكورة فى موقع اهل السنة والجماعة) هي ان الرسول أخذ بيده حفنة من الحصى ورماها على أحد الحصون وهو حصن (الشق) فاهتز بأهله حتى كأنه غرق فى الأرض فدخله المسلمون وأخذوه. هرب اليهود الى حصن الزبير فحاصرهم المسلمون ثلاثة ايام ثم امر النبي بقطع الماء عنهم لاجبارهم على الخروج، فلما خرجوا هاجمهم المسلمون وانتصروا عليهم.
قتل من اليهود 93 رجلا ومن المسلمين 20، وسبى المسلمون النساء والذراري، ومن بينهن صفية بنت حنين بن أخطب التى كانت من حصة الرسول فأعتقها وتزوجها فى طريق عودته الى المدينة. كانت صفية ndash;وهى يهودية من بنى النضير- لم تتجاوز السابعة عشرة من العمر متزوجة من كنانة بن الربيع الذى امر الرسول بقتله خلال المعركة لكذبه على الرسول، وكان هو الزوج الثانى لصفية، كما جاء فى السيرة النبوية فى ضوء المصادر الأصلية للدكتور مهدي رزق الله استاذ الدراسات الاسلامية بجامعة الملك سعود.
ويمكن تلخيص اسباب انتصار المسلمين فى هذه الغزوة بما يلى:
1- عامل المفاجأة وقيام المسلمين بالاحاطة بالحصون ليلا.
2- شجاعة الامام علي ومن معه من فرسان المسلمين فاقتحموا الحصون بدون تردد.
3- كثرة الأموال والسبايا التى كان يتوقع المسلمون الحصول عليها فى تلك الغزوة، مما زاد فى عزمهم وشحذ هممهم.
4- كان مقاتلوا خيبر موزعين على عدة حصون فسهل التغلب عليهم.
صارت أموال خيبر فيئا (غنيمة) للمسلمين حيث انها اخذت بالحرب والقتال و سمح الرسول لأهلها ان تبقى اراضيهم بأيديهم يزرعونها ويعمرونها على ان يكون لهم النصف من ريعها ومنافعها وللمسلمين النصف الباقى على شرط متى شاء ان يخرجهم اخرجهم منها.
أرض فدك
وكانت على مقربة من خيبر ارضا زراعية اسمها (فدك) سمع أصحابها اليهود بما حصل لأهل خيبر من اتفاق مع الرسول، ففضلوا قبول نفس شروط خيبر، فأجاب الرسول طلبهم وصالحهم على ذلك بشرط انه متى شاء أخرجهم، فقبلوا واصبحت (فدك) ملكا خاصا للرسول لأنه كما ذكر العالم الراحل (أ.م. مغنية) وغيره، لم يوجف على (فدك) بخيل ولا ركاب. ثم وهبها الرسول لابنته فاطمة. وهكذا اصبحت (فدك) مشكلة جديدة للمسلمين وما زال الجدل مستمرا حولها حتى يومنا هذا وربما يستمرالى ابد الآبدين.
عاطف العزي




التعليقات