المعارضة السورية والديمقراطية بين توافق المطلب وتناقض المطالبين!( 3 ndash; 4)
إلى أي حد ستفرض لعبة الجدال الدائر على ساحة المعارضة أفقاً ما لممكنات الوحدة والانطلاق نحو التغيير الديمقراطي؟ ففي ثنائية حالة الشعب وظروفها حيث لم يبق هناك وقت لإضاعته في تنافس سلبي وتناقض لفظي يزيد مأساة الشعب السوري سوءاً ويطيل النظام عمراً، هنا تفرض المسؤولية الوطنية وقفة تأمل لواقع الحال وما راكمته القطيعة والفردية من رصيد يخدم أو يعيق عملية التغيير الديمقراطي،وهل ما أنتجته عبر السنوات الماضية من حصيلة سياسية يواكب مطلب الخلاص مما يتعرض له الشعب السوري من انحدار في كافة مستويات حياته التي تجاوزت السياسي والحقوقي إلى المعاشي والإنساني الذي لم يعرفه الشعب السوري في تاريخه؟، ثم ماذا حصد المجموع من أجواء الجدال والقطيعة تلك؟ لا ندعو إلى التبسيط والتسطيح ولا التجريح ولا التماثل بل إلى الاحترام والتفاعل والتكامل، ولا إلى رصف المتناقضات بل فهمها وتحييدها والعمل على مساحة المشتركات وضمن القواسم والممكنات وتطويرها، ومغادرة الذات ووهم القيادة والأحقية والبرامج الورقية وحماية الفساد،بل إلى استحقاقات المستقبل بالنقد والتصويب والتفاعل للسير في الطريق الذي يؤدي إلى التغيير، وهذا يتطلب قدر كبير من الجرأة والصراحة والواقعية في الكشف عن المعوقات والتركيز على الممكنات وتطويرها،وبدء مرحلة جديدة أساسها بناء علاقات وطنية سليمة مع واقع الشعب الحالي،ومحاولة تحريكه من حالة المفعول، وإعادته إلى موقع الفاعل في الأحداث.
هنا نأتي إلى لب المشكلة، وهي مرجعية الخطاب السياسي لأطراف المعارضة السورية، والفضاء الاجتماعي والأهلي الذي يتحرك فيه هذا الخطاب، فالمسلم فيه واقعياً أن محددات هذا الخطاب هي قومية إسلامية مدنية ديمقراطية محمولة على خصم معقد هو الاستبداد ومطلب التغيير،والتجديد وتوسيع قاعدته الوطنية والسياسية ليتجاوز ما أفرزه النظام الفردي من تصدع في وحدة المجتمع الداخلية ووهن روابطه الوطنية، هذا الخطاب بعضه عن قصد وبعضه عن جهل، يعمل على توسيع وتسريع تغذية عملية التفكك الاجتماعي والأهلي التي عمل عليها النظام ولازال، باعتماد عناوين ليست من واقع الشعب السوري اليوم، ولا تعبر عن تناقضاته ولا طموحاته، بقدر ما هي مواقف ذهنية مترسبة في وعي البعض تدغدغها الظروف الشاذة داخلياً وخارجياً، الشعب السوري يتطلع إلى رغيف الخبز والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية، لا إلى الخوض في التاريخ قبل مئات السنين لنبقى أسرى مطاردة أشباح الماضي والتفنن في اختراع مواسم الحداد عليه، وعليه مطلوب من كافة الأطراف التوقف عن الانسياق وراء الغرائز والأوهام التي تغذي القطيعة والخوف والبعد عن الآخر الوطني، وتوسيع دائرة التفاعل والتماسك الوطني والأهلي، وبالكف عن هذا النهج التفكيكي والمبادرة إلى ضخ آليات جديدة تعمق الوحدة والتماسك الاجتماعي وتنمي وعي الحياة المشتركة، وتعشيق عتلات الحركة على محور وطني واحد، وهو التغيير الديمقراطي والخلاص من الاستبداد وبناء الدولة المدنية.
ومطابقة ً لواقع المعارضة السورية بكل أطرافها مع واقع الشعب ومحنته، تبرز الهواجس هنا وهناك على مستوى توجس البعض عن شكل سورية المستقبل بعد التغيير وتهافت الحد المعياري للحقوق، من يحافظ على السلطة ومن يحافظ على أملاكه ومن يخسر ومن يربح، ومن يفوز في لعبة الضمانات الواهية! ورغم أن هذا التفكير وهذا المنحى من مقاربة المسألة الوطنية هو في عمقه عصبي فردي، وبصراحه في بعضه طائفي، بمعنى العصبية وإدامة الخصومة مع الآخر الوطني والدوران في نفس منطق النظام وقواعده الفردية التبريرية وخطابه المتهالك،واستمرار اعتماد خطاب يثير الغرائز والعواطف والانفعالات أكثر مما يثير رغبة التعيش والتفكير العقلاني لفتح آفاق حوار وطني جديد مخلص وبناء يحتاجه الشعب السوري في هذا اللحظات العصيبة من تاريخه، هنا بالتحديد تظهر بواطن الأمور بما يستدعي الوضوح والانتباه والتركيز على أن المستقبل هو للجميع على أرضية التفاعل الواضح بين كل الأطراف،وربط المستقبل الذاتي بمستقل الشعب كله، الخسارة هي خسارة الكل، والربح هو للجميع، وعهد الربح الفئوي على أنقاض معاناة الشعب كله، يجب أن يكون من الماضي على مستوى التفكير والخطاب والبرامج لكافة أطراف المعارضة الصادقة فعلاً بالقطيعة مع إفرازات الاستبداد الكريهة.
فهل هناك جديد منتظر؟!، وما هو هذا الجديد الممكن أن يقدمه إعلان دمشق وجبهة الخلاص الوطني ومعهم بقية الأطراف منفردين ومجتمعين الآن؟! على مستوى إعادة هيكلية المعارضة السورية وتطوير بنيتها التنظيمية وبالتالي أدائها السياسي والحقوقي والميداني أولاً يساعدها على التحرر من الرهانات غير المفيدة وفتح علاقات جديدة مع واقع الشعب السوري على طريق إعادته إلى المشاركة في الحياة العامة،من حيث هو الرهان الوحيد القادر على تغيير موازين القوى المادية داخلياً ثانياً وعلى مستوى رفع ووضوح هدفها وتفعيل حوارها مع الخارج عربياً ودولياً ثالثاً وأخيراً...
هنا يأتي دور جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق وكافة الأطراف الوطنية في تحمل مسؤوليتها الوطنية،وترجمة برامجها إلى مشروع وطني ميداني عام حامله الأساسي هو الشعب السوري، في أبعاد المرحلة الحالية التي يعيشها بظل نظام مستبد فاسد لم يعد يعني له الشعب سوى مادة لممارسة سلوكه المشين، نظام أصبح لعبة رخيصة في يد القوى الإقليمية والدولية....هذا يفرض تجاوز القطيعة والقال والقيل والاشتراك في تحمل المسؤولية واشتقاق الخيار الوطني...!.من يحدد وكيف؟!، هل هذا هو تداعيات حلم أشبه بكابوس؟!،أم أنه من واقع الممكنات؟!ومن نافل القول أن الضرورات الوطنية تبيح بعض المحظورات في راهن المعارضة السورية الآن...!....يتبع
د.نصر حسن
التعليقات