هذا موضوع شائك... وماذا أفعل وقد عجز عن إصلاح المرجعية وتجديدها جمهرة من المجتهدين الكبار كالسيد أبي الحسن الأصفهاني، والشيخ محمد رضا المظفر، والسيد الخميني، والسيد الصدر..

هنا تكملة مانشر في الحقات السابقة:

وبعد:
فقد يقول القائل: إن هذا برنامج خيالي، وقد كان قبلك من هو أصلب عوداً، وأكثر جنوداً، وأحد أنياباً، وأكثر أحباباً، وأحزم منهاجاً، فلم ينجح وباء بالفشل.
فأقول: أنا أضع نموذجاً للمرجع الصالح الناجح، ولعليّ لا أمسك بمصباح ديوجين( ) لأفتش عنه وسيفتش غيري عنه، وسأحاول، وأناضل، وسيحاول

لو كنت المرجع الأعلى 1-4

لو كنت المرجع الاعلى 2-4

لو كنت المرجع الاعلى 3-4

غيري، وسيناضل غيري، فإذا لم أنجح أنا أيضاً تركت الدار تنعى من بناها، والمهم أنني قلت وصرخت، ونبّهت، أيقظت مَنْ أيقظت، لكي لا يقال من بعدي أنني سكت عن الحق، ومالأت المراجع الحاليين وبطاناتهم المقرّبين وأصهارهم الفاسدين، فالدين فوق كل شيء، وأثمن من كل شيء، ولكن يبدو لي اليوم أن لا حارس يحرسه، ولا سياج يحفظه، ولهذا كتبت ما كتبت محاولة للإصلاح، فليحسبها المعممون على أي حساب، يكفي أن يرى المخلصون منهم وهم كثيرون والحمد لله، في هذه الدعوة داعياً للإصلاح وأن يسلكوا في صيانة الكيان المرجعي كل سبيل للغربلة والتصفية فالعجل العجل.. ولا يفوتكم الزمن، وإياكم والمداهنة فحين يرتدي الزور لباس التقوى تقع أكبر كوارث التاريخ.
وإذا لم يكن من نتيجة إلاّ أن أقول هذا لأطلع المرجع الجديد على نهج جديد، ليكون أمامه وجوه الإصلاح المختلفة فيختار منها أصلحها لكان كافياً.
وقد يكون هذا المنهج مرّاً، ولكن عاقبته حلوة، والطبيب الذي يعطيك المُرّ فتشفى خير من الطبيب الذي يعطيك الحلو فيستمر مرضك.
اللهم جللنا عافيتك، فإن قدَّرت علينا بلاءً فألهمنا صبرك، ولا تكشف عنك سترك، وأفض علينا رضوانك، (وَهَيّئْ لَنَا مِنْ أَمْرنَا رَشَداً).

_ _ _

هوامش لابد منها
1- أخلاق العلماء:
قال الله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) فجعل خلعة العالم الخشية والورع، ولكن البعض جعل خلعته توسيع الثياب والأكمام وكبرها وحسنها وصقالتها، وصار هذا الشعار الشريف يلبسه بعض الناس من أدعياء العلم، ممن توهموا أنهم أصبحوا من الأئمة والعلماء فاستطار شرهم على عموم الطائفة اعتقاداً منهم بأن هذا الزي الكريم يغطي سوءاتهم ويستر عيوبهم، وتحضرني هنا أبيات للشاعر النجفي الشهير صالح الجعفري في وصف بعض هؤلاء، يقول فيها:
تًصوّرَ أنه استوفى شروط الـ
ـلإمامة فهو أهلٌ للإمامة

فقام إلى الصلاة وليس يدري
أيبدأُ بالأذان أم الإقامة

كأنّ الله لم يأمرْهُ أن لا
يُصلّي وهو في أَسْر المُدامة

أحقُ تحيّةٍ تُهدى إليه
مع الغُدُوات (عابت هالجهامة)

وكان بعض العلماء المجتهدين يتحرج من التزي بزي أهل العلم لشدة تواضعه وورعه كما هو الحال مع المجتهد البارع الميرزا باقر الشكي (المتوفى سنة 1290هـ) الذي بقي طيلة حياته يلبس قلنسوة تركية من جلود حمل الضان الأسود معتذراً عن لبس العمامة( )، وتهيباً من لبس العمامة لجلالها وضرورة من يلبسها أن يكون على قدر كبير من العلم، فإن العادة المتبعة في الأسر العلمية في النجف أن يعتمر صبيانهم وشبابهم في الغالب ((اليشماغ والعقال)) حتى إذا حازوا شطراً من العلوم وحان وقت زواجهم ألقوا بالشماغ والعقال ليعتمروا العمامة، وكان البعض يبقى متمسكاً باليشماغ والعقال حتى نهاية حياته، كما هو شأن الشاعر الكبير الشيخ كاظم الأزري صاحب القصيدة الأزرية، والشاعر المبدع السيد محمود الحبوبي، والعلامة الجليل الشيخ أسد حيدر.
ومما يلاحظ عليه الآن أن معظم العلماء يعتمدون في معيشتهم على الأموال الشرعية، والأحرى أن يشتغلوا في المكاسب العامة أيضاً كما هو حال علمائنا الماضين الذين شأنهم الزهد والقناعة والتقشف، فالمحقق الشيخ علي بن عبد العالي الميسي وتلميذه الشهيد الثاني كانا ينقلان الحطب ليلاً على حمار لهما ولتلاميذهما، وأن الشهيد الثاني كان يحرس الكرْم ويشتغل بالتجارة ويذهب مع جملة أهل جبل عامل إلى الأمكنة البعيدة لبيع سلعته، وأن الشيخ محمد علي عز الدين يقضي جملة من وقته على البيدر وينظر في أمر الزراعة والفلاحة ويتجر( ).
وكان همُّ علمائنا التورع عن أخذ الحقوق الشرعية المنطبقة عليهم مطلقاً ولا يقبلون من أحد هدية مطلقاً كما هو الحال مع المجتهد السيد مهدي بن السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض( ).
وكان المرجع الشيخ محمد حسن الكاظمي (1224- 1308هـ) تُجبى إليه الحقوق الشرعية الطائلة ولا يؤخرها عنده إلا بمقدار زمن توزيعها على أهل العلم كما أنه كان يقتطع منها مقداراً وافياً على المحتاجين من العلويات والأرامل من فقراء النجف ترسل إلى دورهم سراً في الليالي، وكان مجاهداً صابراً على البأساء والضراء( ).
ونظراً للتغير الذي طرأ على حالات بعض العلماء وانتقالهم إلى حالة الغنى وخاصة بعد تدفق الأموال التي كان يبذلها أمراء الدولة الصفوية وخواتينها، وكذلك بعض أمراء الإمامية في الهند، نشأت طبقة غنية مرفهة كانت ترمى بالتحاسد، وربما اشتد التنافس والتباغض بينها وبين طبقة الأكثرية الفقيرة التي كانت بالكاد أن تجد القوت التي تتقوت به وتقيم أودها.
وقد عبّر خير تعبير عن هذه الحالة الطارئة على الحوزة الفقيه النجفي الشيخ علي الخاقاني (المتوفى 1334 هـ) عندما سأله أحد تلامذته عن النسبة بين علماء عصره وما قبله من القدماء، فامتنع عن الجواب أولاً، ولما ألحَّ عليه السائل فأخذ عليه العهد بأن لا يُعلم أحد بقوله إلاّ بعد موته، فأجاب الخاقاني حينذاك بقوله:
((إن العلماء القدامى أئمة وهؤلاء ملوك( ) )).
وإلاّ كيف تُفسر حادثة إكرام الشاعر النحوي بالمبالغ الطائلة التي لا يقدر عليها إلاّ ملك أو أمير جليل، لمجرد أنه مدح المُهدي إليه بالشعر.
فالسيد محسن الأمين يروي عن مرجع عصره الإمام السيد مهدي بحر العلوم (1155 ndash; 1212 هـ) بأن الشاعر محمد رضا النحوي خمّس مقصورة ابن دريد وجعلها في مدح السيد بحر العلوم فسأله السيد: بكم أجاز السلطان ابن ميكال الشاعر ابن دريد على هذه القصيدة فقيل له: بألف دينار، فأجاز السيد بحر العلوم الشاعر النحوي بألف تومان ذهباً..! ( ).
وقد لا نرى غضاضة في الحادث لو قام به صاحب سلطة زمنية، أما أن يُنسب الموضوع ـ إلى مرجع عصره ـ فهذا مدعاة للأقاويل، ولو أني أشك في الحادث، وأتصور أن الإكرامية التي خص بها شاعره ـ على فرض صحة الحادث ـ لم تتعدى المبلغ التقديري المتعارف عليه في عهده، ولكن قد بولغ في ذلك والله العالم، ذلك أن السيد رحمه الله لم يعرف عنه التبذير إطلاقاً، لكنه وهو المعروف بحرصه على الرعية ولاسيما علماء الدين المروّجين لأحكام شريعة سيد المرسلين، ومن الحوادث التي تروى في هذا السبيل زيارته للعلامة المجتهد الزاهد الشيخ راضي بن الشيخ نصار الحكيمي العبسي المتوفى سنة 1230 حيث ((دخل ذات يوم على الشيخ في داره في شهر رمضان وقت الإفطار على حين غفلة فوجده يفطر على خبز وكراث فخرج السيد منه مُسرعاً وجمع له من جماعة من أهل الثروة من زوار بلادهم (بروجرد) مقداراً من المال وجاء به إليه فتأذى الشيخ من ذلك وقال له: أني لم آكل ذلك من حاجة، ثم قلب بارية بقربه فأراه ما تحتها من المال الكثير وقال: إنما فعلت ذلك زهداً ولكي أرغم نفسي عن شهواتها( ) )).
وكان يومذاك الزهد هو الغالب بالرغم من حالات الغنى والإثراء لبعض العلماء، والمعروف من سيرة المجتهد العلامة الشيخ قربان علي الزنجاني (1229 ndash; 1328 هـ) أنه ((لم يملك سوى حصير وفرش رث خَلِقَ يجلس عليه ودار سكناه خربة وكان أمره مع الحقوق الشرعية أنه يبقيها عند أربابها ويحول المستحق عليها ولم يقبضها بيده، وعرف عنه أنه باع خربته التي يسكن فيها خمس مرات وأعطى ثمنها إلى المحتاجين من أهل بلاده، وكان المشتري لها من أهل الثروة والإيمان، فعندما يشاهد صنع الشيخ بثمن داره وتوزيعه يرجعها إليه وهكذا ينبغي لمن ملك زمام المسلمين( ).
وكان الفيلسوف المجتهد الشيخ محمد تقي الكبايكاني (1318 ndash; 1298 هـ) يغسل ثيابه بيده في بحر النجف ومن زهده في المنصب أن أهل بلده دعوه ليكون إماماً لهم وبذلوا له الثروة الطائلة، فلم يخرج عن النجف ولا لبّى طلبهم( ).
ويظهر أن حالات الزهو والاستئثار بالزعامة والإمامة قد ظهرت بين ظهرانيّ علماء الحوزة بوجود المال ومخالطة السلطان، وهكذا تداخل البعض مع الدنيا ففقدوا السكينة والحلم، وسعى آخرون للآخرة وبذلوا نفوسهم للعلم وحده ولم يستأكلوا بأموال الناس( )، ولم يطفئوا نور علمهم بظلمة الذنوب، وآثروا أن يسعى العلم بنور علمهم كما قال تعالى: (يوم ترى المؤمنين يسعى نورهم... ).
ومهما أوتي المرجع من السطوة والحلم وتشديد الصرف للأموال في مضانها الشرعية ستبقى ثغرات لا تحل إلا بوجود الآلية الحديثة العلمية الاقتصادية المتقنة لإدارة الأموال والحقوق الشرعية بوجود البنك الشيعي والمؤسسات المالية العصرية الذي اقترحت تأسيسه ضمن كتابي ((دولة النجف))، لأننا بذلك سنقطع الطريق على المتصيدين باسم الدين الذين هم ((مثل صخرة وقعت في فم النهر لا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء ليخلص إلى الزرع( ) )).

2- الهجرة الإيرانية إلى النجف
بعد ترسّخ التشيع في إيران، أصبح العراق مهوى أفئدة المؤمنين فكانت جموعهم المؤمنة تزور العتبات المقدسة في جميع المناسبات، وكانت هنالك الاتفاقيات الدولية التي تنظم شؤون أولئك الوافدين بين الحكومتين العثمانية والصفوية، وكان البعض من المؤمنين يتخذ من الأمكنة المقدسة مقاماً وموطناً، ولأجل ذلك كانت القنصليات الإيرانية والأفغانية والروسية والهندية التي كانت تنظِّم شؤون المقيمين من رعاياها في مدن العتبات العاليات، وكانت الرغبة في ذلك لأجل المجاورة وطلب العلم، والبعض الآخر لأسباب اقتصادية بحتة، والمعروف أن هجرة الإيرانيين على وجه الخصوص قد تكاثرت أواسط عصر الملا يوسف المتوفى سنة 1270م.
وعلى ما حكاه الشيخ محمد حرز الدين، فإن الملا يوسف المذكور (الذي كان حاكم النجف الفعلي في تلك الأيام) قد منع سكنى المهاجرين الأجانب في النجف لأسباب منها أنه لا يقدر على حفظهم وحفظ أموالهم وشؤونهم مع وجود المتسلطين والمتجبرين من ولاة العثمانيين، ويظهر أن الهدف البعيد الذي كان يرمي إليه الملا يوسف هو خوفه من ((دخول البابية والجواسيس لبعض الدول الغربية بزمرة المهاجرين حيث كانوا يتوصلون إلى مآربهم بزي أهل العلم ويدخلون النجف ويقربون من العلماء ولا يعرفونهم، كما اشتروا ضمائر بعض الرجال الضعيفة المحمولة على المسلمين والإسلام منهم برئ( ) )).
وبالرغم من ذلك فقد ازدهرت الهجرة واستمر تدفق المهاجرين في كل الأنحاء، وكان التجار الإيرانيون والأتراك والهنود يمدُّون عدد من علماء المدن المقدسة وخاصة في كربلاء والنجف وسامراء بالأموال اللازمة لمساعدة المهاجرين منها. كما هو الحال مع ((خيرية أوَدَه)) التي خصصناها ببحث مستقل ضمن دائرة المعارف الهندية.
ولم يكن هؤلاء العلماء من الأجانب فقط فقد كان فيهم الكثير من العراقيين، فقد كان الشعب الإيراني في ذلك العصر يكبر أهل العلم والدين من العرب زائداً على التعارف.
وكان من جملة العلماء العرب الذين يستلمون تلك الأموال العلامة الشيخ مهدي بن الشيخ علي نجل كاشف الغطاء فأنه لما ولي جملة من الأمور الحسبية والحقوق الشرعية واتصل أمره بتبريز وبعض مدن إيران وسّع على المهاجرين من إيران، وأعرض عن المهاجرين من الأقطار العربية وطلبة النجف، فاجتمع كثير من طلبة العرب على المرحوم فخر التجار الحاج محمد صالح كبة البغدادي وشكوا إليه ما حلّ بهم من الإعراض من قبل الشيخ مهدي، ثم فرضوا عليه أن يعطي عموم طلبة العرب من ماله عشرين ألف شامي مرتباً، فأجابهم لذلك وتعهد بدفع المال.
إن الكتب الحوزوية التي ألفت في عهود غابرة وبأسلوب يتناسب والعصور التي خلت، معظمها ((لا زال يُدرس إلى اليوم، وأنها لمحشوة بالأساليب المعقدة وكثير منها وخصوصاً في كتب الفقه نجد في بعض مسائله مما لا يمت لعصرنا بصلة إطلاقاً فالطالب الحوزوي يقضي زهرة شبابه في مطالعة هذه الكتب، ثم يخرج بعد أن نبت الشيب في رأسه ليرى الحياة حوله لا تتفق، وهذا الجمود لأن الحياة تسير والنُظم تتغير والأساليب البالية تزول.
وعلى سبيل المثال فإن كتاب الكفاية في الأصول الذي عليه المعول في دروس مجتهدينا في هذا العالم مع التحقيق العميق فيها للإمام الملا محمد كاظم الخراساني (1255- 1329هـ) فإن عبارته معقدة، وقد اعترف أحد مشائخ النجف بذلك وكان معاصراً للخراساني نفسه إذ يقول عن كتاب الكفاية ما يلي: (دراستها أتعبت طلاب العلوم خصوصاً إذا كان مدرسها فارسياً( ) )).
حتى الذوق الأدبي العربي الذي كان سائداً في الحوزات العلمية قد زال اليوم ولم يعد هناك وجود للبيئة الشعرية التي كانت تتميز به الحاضرة النجفية، التي كانت تفخر منذ قرون بمئات من فحول الشعراء وعباقرة الأدب من طبقة الفقهاء أنفسهم، لم تعد اليوم كذلك، فقد تفشت العجمة وتعلق معظم طلبة العلم بالمظاهر وابتعدوا عن الجدية في متابعة الدراسات الحوزوية المعمقة، وشغل البعض الآخر بالسياسة.
وهذه الظاهرة بدأت منذ ما يزيد على قرن ثم استفحلت اليوم، يقول المؤرخ الشيخ حرز الدين ((كان للأدب في النجف سوق قائمة بثمن رابح، وقد دبّ النقص والنقض بدخول الأجانب المهاجرين إلى النجف ممن لا يُقّدر الأدب ولا يقدر على القيام بوظائف الأدب أو يعسر عليه ذلك، فشلّوا حركة رجال الأدب والشعر وضيقوا دائرة الفقه العربي الصميم( ) )).
ويؤكد ما ذهبنا إليه أحد كبار العلماء والأدباء من خريجي المدرسة النجفية وهو العلامة، والوزير، والشاعر الشيخ علي الشرقي، حيث يقول:
((وقد خدمت المدرسة النجفية اللغة العربية حيث جعلتها لغة التدريس ولغة الكتابة، ولكن الجالية غير العربية أثرت في لغة التأليف فأنك إذا قارنت بين المؤلفات الأولى كالشرائع والتحرير والقواعد والمؤلفات الأخيرة كالمكاسب والقوانين والكفاية، ترى الفرق والبون بين الأسلوبين واضحاً سواء في المفردات، أو في التركيب أنك ترى في الأولى صفاء الأسلوب وسموه، ومن اختيار اللفظ، فهو كتاب عربي مبين، وفي الثانية تجد التعقيد وركة الأسلوب وابتذال اللفظ وغرابة الاشتقاق والتصريف، فهو كتاب يقلع العين ويعلس إذن سامعه، وأني لأتشوف في صفوف مدرسة ((منتدى النشر( ) )) بعض الطلائع المبشرة بانقلاب المنهج ووضع الأساس الرصين للنهضة الأدبية اللائقة بالنجف وتاريخها( ) )).
وكان بعض العلماء المنصفين قد أحسوا بهذا النقص وكانوا لتواضعهم وجدّيتهم يطلبون من تلامذتهم إصلاح ما في كتبهم من العجمة، فالمقدس الملا أحمد الأردبيلي مثلاً كان أثناء اشتغاله في شرح كتاب الإرشاد يكتب الفصول من الشرح ويُعطيه لتلامذته كالسيد محمد العاملي (صاحب المدارك) وخاله الشيخ حسن (صاحب المعالم)، ويقول لهما: ((انظروا في عبارته وأصلحوا منها ما شئتم فأني أعلم أن بعض عبارته غير فصيح... ( ) )).
وفي عصرنا الحالي شهدنا الإمام ((أبي القاسم الخوئي)) وهو ((زعيم الحوزة العلمية)) بلا منازع لا يأبه في أن يرفع كتابه الشهير ((البيان)) إلى أحد تلامذته النابهين الأذكياء من عرب العراق، ليقرأه ويعطي رأيه في كتابه وأسلوبه، ونعلم علم اليقين بأن الإمام الخوئي رحمه الله كان يخطط لانقلاب خطير يشمل كل مرافق المرجعية، لكن الظروف السياسية التي أحاطت بمرجعيته جعلته يحتاط أشد الاحتياط في تنفيذ أي فكرة كانت من أفكاره الإصلاحية التي كان يخطط لها، لكن مرجل الإصلاح والتحدي كان يغلي في دماء الإمامين الشهيدين الصدر الأول السيد محمد باقر والصدر الثاني السيد محمد محمد صادق فنهضا بما أملى عليهما واجب الدين والإنسانية وقاما بدورهما أحسن قيام حتى استأثرا بالشهادة رحمهما الله ورضي عنهما وعن علمائنا العاملين المجاهدين.
وعلى كل حال فالمناهج الدراسية الحوزوية تحتاج إلى انقلاب عام شامل في كل ناحية من نواحي العلوم والفنون والآداب وفي كل شأن من شؤونها.

محمد سعيد الطريحي

صاحب مجلة الموسم