ألحت عليّ منذ مدة فكرة تبدو في ظاهرها مزاحاً ولكنها في مضمونها تعبر عن تحرق الفلسطيني للاستقلالية والحرية كباقي البشر على هذا الكوكب... والفكرة ببساطة هي إعلان قيام جمهورية quot;عquot; جمهورية فلسطينية مستقلة حدودها جدران بيتي وعدد سكانها تسعة أفراد.. ولعلي لست أول من يقوم بذلك.. فقد أعلن أحد المحامين الشبان أيام حكم الملك فاروق قيام quot; جمهورية زفتى quot; المصرية المستقلة وأعتقد أن هذا الأمر حق شرعي لي ولأسرتي الفلسطينية لا تستطيع إسرائيل أو أمريكا عرقلته أو إحباطه.

وكوني رئيساً غير منتخب ومتحمس لتطبيق الديمقراطية quot;على الورقquot; كتحمس الجائع البدائي لوجبة من لحم الغزال.. رأيت من باب أولى الشروع حالاً بإدخال الديمقراطية المطورة إلى جمهوريتنا الوليدة اقتداء بكل الدول العربية ودول العالم الثالث.!!

وسنحت الفرصة فعلاً عندما فقد طلب مني ابني الأكبر بأدبٍ جم على غير العادة أن نرفع العلم على باب جمهوريتنا الصغيرة.. تمنعت في البداية ثم جمعت على الفور quot;مجلس الوزراءquot; في جلسة طارئة على مائدة طعام quot;الخبيزة quot; وبعد نقاش مثمر وتبادل وجهات النظر تم الاقتراع العلني ليفوز الابن الأكبر بمطلبه بفضل صوت وزيرة الداخلية والشئون الاجتماعية quot; أم العيال quot; التي صوتت لصالح ابنها البكر طبعاً

ماطلت. وادعيت ببطلان عملية التصويت.. ولكني أذعنت في النهاية وأعلنت بشكل ديمقراطي مسرحي مؤثر التزامي برأي الأغلبية.. وتم رفع العلم في احتفالية بسيطة تراعي مشاعر الجيران الذين لم ينالوا استقلالهم بعد.

قبل أيام اجتمعت مع ولديّ الأكبرين الأول وزير الشباب والرياضة الذي يقضي معظم وقته في الملعب.. ومع شباب quot; ضايع..صايع.مايع quot;، والثاني وزير الإعلام quot; الذي يدمن النت ويعشق أفلام الفيديو ومسلسلات التلفزيون... بعد ان لاحظت لديهما نزعة متزايدة في التحرر التام من بيروقراطية الرئاسة التي أقوم بمهامها دون كلل أو ملل منذ أن تم quot; الاتحاد الكونفدرالي quot; مع بنت الحلال...

قابلت الابنين.. الوزيرين إياهما وناقشتهما في الأمر بحسٍ ديمقراطي يطفح غيظاً... وفوجئت بصراحتهما.. فقد أفادا بأنهما لم يعودا يتحملا الاحتلال الأبوي الصارم وبيروقراطية الرئاسة التقليدية القديمة، لذا فمن حقهما المطالبة بالاستقلال والانفصال وتكوين جمهوريات شخصية أسوة بما حدث بعد وفاة المرحوم الاتحاد السوفيتي والمغفور لها يوغسلافيا في القرن الماضي.

ذهلت. وأعلنت بصفتي الدستورية حالة الطوارئ فأمن جمهورية quot;عينquot; أصبح في خطر وحملت المسئولية الكاملة لوزيرة الداخلية التي هونت الأمر وهدأت من أعصابي الثائرة بمسكناتها الفعالة..

فكرت ثانية... وتساءلت بذكاء الساسة المتمرسين.. لِمَ لا أستغل الفرصة وأسجل كسباً ديمقراطياً يبيض ولو قليلاً صفحة تاريخي الرئاسي... لِمَ لا أمنحهما quot; حُكماً ذاتياً quot; يكون تحت السلطة المباشرة للجهة المانحة quot; أنا وأمهم quot; وفي نفس الوقت أضع في طريقهما العقبات والمشاكل حتى أحرجهما وأحبط أفكارهما الاستقلالية الخطيرة والتي تبذرها جهات شبابية متطرفة وغير مسئولة.

لذا عرضت وبسرعة على الابنين.. الوزيرين مشروع الاتفاق التالي..

ا ـ عند التخرج من المرحلة الثانوية بتفوق أمنحهما بصفتي رئيساً للجمهورية حُكماً ذاتياً مشروطاً ويتكفل بنك النقد الأسري بتقديم المصروف اليومي لهما بشرط أن يقدما للرئاسة كشفاً يومياً بأوجه الصرف ضمانا للشفافية.

ب ـ عند التخرج من الجامعة سندخل في مفاوضات جدية لإنجاز مرحلة التسوية الدائمة وإمكانية توسيع محدود للحُكم الذاتي مع اصراري على السيطرة على كافة المعابر والحواجزفي الجمهورية العتيدة.

وأعلنت بصراحة أن هذا ما أستطيع أن أعد به وبكل ما أوتيت من روح ديمقراطية واعدت إلى الذاكرة شعار جدي quot; أبو النكد quot; quot; اللي عاجبه أهلاً وسهلاً.. واللي مش عاجبه يشرب من بحرغزة....... quot;

ضحكت وزيرة الداخلية وأولادها من ديمقراطيتي العرجاء والتي لاتبدو جميلة و في أحلى حالاتها إلا أمام التلفزيون ساعة اجتماع المجلس الوزاري المصغر عشاء حول صحنين فول.!!

بالأمس قدم ابني الأصغر quot; وزير التموين والرفاه الاجتماعي quot; اقتراحاً عاجلاً لمناقشته في الجلسة القادمة لمجلس الوزراء المصغر يتمنى فيه تحويل الجمهورية إلى إمبراطورية حتى تتناسب وواقع الحال والممارسة في دولتنا الأسرية الفتية التي تعتمد أساساً على المحسوبية ونفوذي الرئاسي القوي..

الاقتراح أعجبني فعلاً وناقشته مع المدام بصفتها السياسية.. وقررنا دون الرجوع إلى مجلس الوزراء إصدار مرسوم ملكي بولادة إمبراطورية quot;عينquot; على أنقاض الجمهورية البائدة... على أن اسلم فورا مقاليد الحكم لابني الاكبر بسلاسة وهدوء نزولا على رغبة وإلحاح وزيرة الداخلية وتهديداتها المبطنة بداع الحرص على المصالح الامنية العليا للوطن..!!

سادتي القراء...

هل فكر أحدكم في أن يسألني لماذا الإمبراطورية؟! ولماذا quot;عينquot; بالذات؟!

وحتى لا تساء بي الظنون فإني قد أعترف بشعوري المتزايد بالغيرة من رفاهية وهيلمان الملوك والرؤساء العرب بدء من البساط الاحمر الى قص شريط الافتتاح وانتهاء بالسهرات والقبلات..!!

وقررت ان أسلم الراية بكرامتي وأعيش ماتبقى من أيامي في عزالبلاط ودفء الحاشية بعيدا عن الخوف من الانقلابات والاحتلالات والاغتيالات والاعدامات..!!

أما quot;عينquot; فهي الحرف الأول من الجملة الشهيرة quot; عوضنا على الله quot;!!

والسلام عليكم ورحمة الله.

توفيق الحاج