نبدأ على غير العادة بسؤال عائم يقلق كل شعوب المنطقة والعالم وأكثر منه الأنظمة السياسية الفاعلة والمفعولة بشكل عام مفاده من هو المنقذ ومتى وأين ستنتهي لعبة الأمم في هذه المنطقة من العالم التي مثلت تفاعل الثقافات وأنتجت المحبة والشرائع والحضارات،والمسكونة اليوم بنقيضها تماما ً...باليأس والنفط والبارود والكراهية وتصادم المشاريع وتناقض المصالح وتباطح الإستراتيجيات الهمجي على قارعة الطرقات فيها ؟! وفي ظروف شعوب المنطقة والإنسانية منها على وجه التحديد والذي تتحفنا بها وتصورها لنا ثورة المعلومات وتقنية الرقميات وتنقلها لنا مباشرة ً على مدار الساعة وتصدمنا بها، بوفودها ومؤتمراتها، بدمها ولحمها المتناثر ليصفع الجميع برعب المشهد وبعجز المشاهدين وتداخل الفاعلين وضياع البعض منهم في سرعة وهمجية الأحداث ؟!، والأغرب من كل هذا هو سؤال عصي على الجواب، هو من يغذي آلة التدمير والموت ويدفع باستمرار إلى التوغل في نفق الرعب ؟، ومن هم تجار تكنولوجيا الموت التي أصبحت صناعة وحرفة كاملة لأعداء الحياة، سوقها هذه المنطقة ومفرداتها البارود والإنسان والأشلاء المتطايرة على فخ هنا ومفخخ هناك ؟، وعلى الجانب الآخر الشعوب ترى وفود قادمة ووفود ذاهبة ومؤتمرات واجتماعات مطلوبة وأخرى ترافق الأحداث التي تجري على الأرض على قاعدة الإنفجار أولا ً والمؤتمر ثانيا ً وبتواتر يحافظ على المسافة الفاصلة بين الموت والتابوت، الزلازل تتكرر والمؤتمرات أيضا ً، وفي كل مؤتمر يعقد لمعالجة كارثة معينة أو تبادل الرؤى لحلحلة الأزمات المستعصية، ينقلنا الواقع إلى كارثة أخرى ومعطيات أخرى ويدخل الجميع في دائرة الفوضى ومتاهة الوفود وزكزاك الموت والحل المفقود.
قد يدرك أصحاب الربط والحل في المنطقة أن الأمور تسير نحو أكثر من فوضى، ويدركون أكثر أن الخروج من النفق المسدود يحتاج إلى مبادرات عملية حقيقية يعكسها الواقع السياسي والأجتماعي والأهلي بماهي محصلة لقوى مؤثرة في مجريات الأحداث، وليس إلى تسويق جديد لرؤى ومشاريع وأنظمة ليس فقط أثبتت فشلها بل ساهمت بتعويم وانتشار عدم الإستقرار بعجزها عن احتواء الأزمات وتطويقها وإيجاد حلول ناجعة لها، إذ على العكس لعبت دورا ً كبيرا ً أنتج فقدان توازن بنى المنطقة الإجتماعية وخلخلتها بشكل كبير، عبر تهميش دور قوى الإعتدال السياسية الديموقراطية والشعبية ودعم النظم الفردية ( النظام السوري مثالا ً) وفتح الباب على مصراعيه لقوى التطرف لتعبث في نسيج المنطقة بشكل مخيف، وعلى إيقاع الهزات السياسية والإنسانية والحروب الأهلية التي تعصف بالمنطقة عقدت الكثير من المؤتمرات وآخرها مؤتمر شرم الشيخ الذي حضرته الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة في المشهد العراقي الدامي بهذا القدر أوذاك، والمنطقة باتجاه حركتها العام تغوص أكثر فأكثر في التطرف والصراعات المتعددة المستويات مبتعدة ً باضطراد عن الوصول إلى آليات فعلية للحل والخروج من المأزق الذي أصبح بحكم إفرازاته الإقليمية مأزق الجميع أنظمة ً وشعوبا ً.
وعلى الجانب الآخر إن كل الأطراف التي حضرت مؤتمر شرم الشيخ لها مصالحها الخاصة التي أملت عليها حضور ه، وجلسات المؤتمر وأداء المؤتمرين يشي بقاسم مشترك لهم جميعا ً وهو أنهم منهكين وليس فيهم وفدا ً أو دولة ً تستطيع فعل شيء أو القيام بأي دور، فالنظام السوري وكما عبر عن فرحته وزير خارجيتة وليد المعلم ذهب إلى شرم الشيخ ليحل مشكلته المستعصية مع الإدارة الأمريكية وكل مايهمه هو لقاء وزيرة الخارجية الأمريكية بغض النظر عن فترة ومحتوى اللقاء، المهم هو بحاجة إليه لتسويقه إعلاميا ً لفك عزلته وتخفيف ضغط تشكيل المحكمة الدولية عليه وإثبات نجاحه وفشل المشروع الأمريكي بدونه ! وإيران الواقعة بين استحقاقات تمددها المذهبي والنووي وتشابكها الناعم إلى الآن مع المجتمع الدولي، منهكة هي الأخرى ولاتريد حرق أوراق ملكتها وأدوار أثبتت وجودها لتحقيق استراتيجيتها المرتبط ببقائها واستمرارها قوة إقليمية في منطقة الذهب الأسود، في الخليج العربي والعالم الإسلامي.
والخلاصة: إن الكثير من الأطراف الإقليمية خائفة من الحل وهي جميعها بصورتها الراهنة المعزولة عن شعوبها لاتملك قوة مباشرة لحسم مايجري، والقوة الوحيدة المؤهلة لأن تلعب الدور الكبير في الحسم هي القوى الفاعلة على الأرض زائد القوى الدولية الفاعلة في الأحداث،أحداث المنطقة التي تتمظهر باصطفاف رتلين لاثالث لهما، الرتل الأول منهك وغير فاعل في موازين القوى الإقليمة يمارس دور تغذية الصراع والتطرف لأنه يضمن له تمويه الصورة ويساعده على الإستمرار والبقاء ويمثله الأنظمة الفردية في المنطقة وعلى رأسها النظام السوري الذي يغذي التطرف بشكل كبير، والرتل الثاني منهك أيضا ًوخائف من التغيير وعلى وجه التحديد من نمو قوى الديموقراطية الحقيقية في المنطقة، وهذا الإنهاك يؤشر أن العراق في مأزق ولبنان وفلسطين في مأزق وسورية في مأزق و... الجميع في مأزق،والمنطقة باستمرار غياب المشاريع الوطنية وعدم دعم قوى الديموقراطية الفتية فيها بشكل واضح،واستمرار دعم الأنظمة الفردية والديكتاتورية على خلفية الإعياء وأمل الخروج من الأزمة، كله يسوق شعوب المنطقة نحو موقف ضبابي غير محدد الملامح، الواضح فيه هو أنه مفتوح على كل الإحتمالات...
باختصار القول: إن مايقرر الحل وشكل المستقبل هي المواقف الواضحة وليس المجاملات على حساب مصالح شعوب المنطقة، وحل المشاكل لايتم بالتغطية عليها بل بالتصدي الموضوعي لها،وأن الأطراف الموجودة والغائبة الفاعلة في محددات الصورة العراقية والفلسطينية واللبنانية والإقليمية لايمكن أن تلتقي بغياب البرامج السياسية والقرارات الحكيمة والإستعداد العالي لتنفيذها، ونواياها المختلفة يمكن أن تلتقي فقط إذا عبرت عن نفسها بأفكار ومناهج ومشاريع عملية تضع حدا ً سريعا ً للفوضى وأدواتها، ورفع شرعية المؤتمرات إلى أعلى سقف دولي لها، حينها تكون المقدمة الجريئة بتأشير طرق الحل لكل المآزق المفتوحة على امتداد قطر دائرة الموت والخراب والدماء والبارود... من شرم الشيخ إلى شرخ بيروت...!.
د.نصر حسن
التعليقات