لم يعد الاقتتال الذي يجري بين العراقيين أبناء البلد الواحد ظاهرة يمكن تجاوزها أو حجب الرأي عنها، فطرحت آراء كثيرة وتشعبت الحلول لكنها لم تدخل كبد الحقيقة وأنما لمستها خفافا، فالصراع هو نتيجة ردّ فعل من الطبقات الفقيرة التي عانت صعوبة العوز والفاقة رغم تعاقب حكومات كثيرة على البلد كلها أغفلت دور العراقي المعدوم والذي يصارع الزمن في سبيل الحصول على مورد مادي يجنبه آفة الفقر، فبعدما استطاع الزعيم عبد الكريم قاسم القضاء تماما على الأقطاعيين وشيوخ العشائر وتهميش دور المعممين كي لا يخلطوا أوراق الدين الحنيف بالسياسة خدمة لمصالحهم الشخصية، فأن الاعداء تكالبوا عليه وأوقعوا فيه الهزيمة تنفيذا لرغباتهم الضيقة عندها قام العهد البائد بترميم الطبقات الأجتماعية والعودة الى فصيل العشائر وسيطرة الاقطاعيين خدمة لمصالحه الخاصة وجعلهم مستعبدين يلهجون بآسمه كل ما حلّت مناسبة وهم يرقصون في حضرته يغريهم بالأموال والجاه خدمة لأهدافه حتى عادت الطبقات الثرية الى سابق عهدها وهي تنعم بالثراء على حساب الفقير العراقي الذي لم يفكر في محنته مسؤول أو يقلب صفحته حاكم.


سقط النظام الدكتاتوري وكان يحسب رجل الشارع الفقير ان التمييز الطبقي سيزول تماما من قاموس العراق وأن التوجه الديمقراطي الجديد سيحسب له الف حساب لذا عاش العراقيون أسابيع دون وجود حكومة أصلا ولم يجر الأقتتال مثلما نشاهده اليوم عدا بعض العصابات القليلة التي آغتنمت فرصة غياب السلطة وراحت تقوم بأعمال السرقة ضد الأثرياء فقط، الا أن مايزيد الطين بلة أن الطبقة الفقيرة يأست تماما من إصلاحها في ظل حكومة كان ديدنها الثراء على حساب كل المباديء فأهملت أصلا الطبقة الفقيرة وآقتصرت إمتيازات الدولة كالتعيين مثلا لأقرباء المسؤؤلين حصرا أو الذين يدفعون الأموال وغابت عن تلك الطبقة الكادحة كل حقوقهم ليتسيّد على رقابهم أبناء المسؤولين وأقربائهم ومن هو في حالة مادية جيدة فكانت فرصة ثمينة أن تبسط القاعدة نفوذها وتعوّض الفقراء بالمال الذي حرمتهم الحكومة الحالية منه ليكونوا أوفياء لأمراء التنظيم ينفذون كل ما يملى عليهم لقاء مبالغ بسيطة تفتقد الى الأهمية في سبيل أن يشلوا حركة البلد ويحيلوا نهاراته الى ليال ظلماء وكان ساعدها قوي في ضرب كل قرار تصدره الحكومة وتكون تلك الطبقة هي من أصعب المعارضين للسلطة بل لكل تقدم تروم الحكومة أن تقوم به..


الدولة أساءت لهؤلاء المساكين والشعب هو الذي يتحمل تلك الكدمات من الموت والدمار، مثلا، الحكومة قامت باستيراد الفواكه والخضر من بلدان مجاورة كي تمتص الغضب الذي قد يحدث في حالة عدم توفير الخضرة ونسيت أن آلاف الشباب من أبناء الفلاحين أصبحوا عاطلين عن العمل فلو قامت بإسناد الفلاح ودعمه ومدّ يد العون له كي يقوم بزراعة أرضه لاسيما وأن العراق يمتلك أرضا خصبة معطاء لآكتفى العراقيون من استيراد الخضرة وامتصاص جيش من الفلاحين العاطلين عن العمل لزراعة أرضهم والعيش الحلال مما ينتجه عرق جبينهم، فقد خلقت الدولة جنودا أوفياء لتنظيم القاعدة يمارسون القتل والدمار، أضف الى ذلك المعامل الكثيرة التي تملأ البلاد لم تفكر الحكومة بإصلاحها وتشغيل العاطلين من أبناء الفقراء وآحتوائهم كمواطنين يخدمون بلدهم بدل ما يكونون أذلاء للأجنبي الذي آستغل ظروف معيشتهم وتصرف بالجانب الذي يريده.
فالدولة هي التي ساهمت مساهمة فعالة بانتشار البطالة وآحتواء تنظيم القاعدة لتلك الطبقة العراقية الفقيرة. والدولة هي التي استفزت تلك الطبقة بتعيين أقربائها ومعارفها حتى أصبح من النادر جدا أن نرى أحد المواطنين قد حصل على التعيين وهو لم يكن قريبا لأحد المسؤولين فإن وجدت مثل هذه الحالة فالرشوة هي التي جعلته أن يحصل على حقه،لذا بات من الضروري أن تقوم الحكومة العراقية بآحتواء العاطلين عن العمل وجعل الفرص متكافأة أمامهم دون تفريق بين مواطن وآخر، ولا ننسى رجال العهد البائد حينما حصروا المناصب والوظائف بيد البعثيين كيف كان مصيرهم وما هي الخاتمة التي آنتهوا اليها، فالفقراء الآن يحطمون ويقتلون الكفاءات وأصحاب الدخول العالية تشفيا لعدم التفكير بمأساتهم وانتشالهم من الفقر الذي يعيشون فيه الى أن تمتد ثورتهم الى القلاع الحصينة وعندها لات ساعة مندم.

علوان الهليل