منذ عهد قريب بدأت صيحات تتعالى تطالب المالكي بالتنحى عن منصبه، بحجة عدم كفاءته وانه لم يفعل شيئا يذكر خلال عام من حكمه للحد من الارهاب و توفير الخدمات لأبناء الشعب البائس المسكين. معظم هذه الصيحات تصدر عن اناس يرغبون فى استمرار الوضع كما هو او أسوأ لتسنح لهم الفرصة للوثوب على الحكم، سواء من البعثيين، او الطائفيين، او من المتأسلمين الذين يحلمون بدولة اسلامية تشمل الكرة الأرضية.
لو تنحى المالكي عن منصبه فمن سيخلفه؟ ان طبقت الديموقراطية فان خليفته سيكون من الأئتلاف ايضا بحكم الأغلبية فى البرلمان. قد يكون فى الائتلاف شخصا أقدر من المالكي ولكنه ماذا يستطيع ان يفعل؟ الأمريكان لم يعطوا الحرية الكاملة للمالكي ولن يعطوها لغيره، فهم يريدون تطبيق الديموقراطية حسب رأيهم وقد رأينا فشلهم الكامل لا فى العراق وحده بل فى لبنان وفلسطين وافغانستان ايضا، ولا يوجد مؤشر على انهم سيغيرون من خططهم الحالية.
أساس العلة ليس الأمريكان أو الاحتلال، بل العلة هى تشرذم الشعب وتدخل دول الجوار. الأمل ضئيل جدا بأن الشعب العراقي سيحل خلافاته الطائفية والعرقية خلال القرن الحالي. والدليل على ذلك ان وضعه المأساوي يزداد سوءا يوم بعد يوم منذ سقوط حكم البعث، والكراهية بين ابنائه وصلت الى حد مهول يصعب ايقافها بسبب الجهل الذى يلف الأغلبية خلال 44 عاما من حكم دكتاتوري كمم الأفواه والعقول.
ان الأوضاع فى العراق ليس الأولى من نوعها فى العالم بل حصلت فى بلدان اخرى. الهند مثلا فيها من الأديان والقوميات واللغات المختلفة بالمئات، فلم يجدوا حلا بغير الديموقراطية، ونجحوا وأصبحت الهند اليوم أكبر ديموقراطية فى العالم، لا يعكر صفوها غير باكستان المنفصلة عنها لاستحالة التعايش بين المسلمين والهندوس.
مثل آخر، السويد والنرويج انفصلتا سلميا بعد ان وجدوا انهم لا يمكنهم البقاء متحدين بسبب اشتداد الخلافات التى كادت ان تؤدى الى معارك دموية بين الطرفين.
تقسيم العراق قد يكون حلا مناسبا لمشاكل العراق ولكن هل ينجح، وكيف؟ هل سيوافق السنة بالاقتصار على منطقتهم الصحراوية وترك الشمال والجنوب الغنيين؟ لا أظن ذلك. هل تنجح فيدرالية بين الشمال والجنوب والغرب؟
لا أظن ذلك لأن كل منطقة تريد ان تكون السلطة لها.
يقول البعض بأن حاكما عسكريا عاقلا عادلا مستبدا ذوا قبضة فولاذية، يستطيع ان يسيطر على الأمور و يحل البرلمان ويعطل الدسنور ويخرج البلاد من محنتها. وحتى هذا لا أجده ممكنا بسبب وجود الأمريكان وتشقق الشعب وانانية الزعماء الحاليين.
المثقفون العراقيون يقفون عاجزين عن عمل شيء لقلتهم. الشارع يسيطر عليه كل من هب ودب ويملكون كل انواع الأسلحة الفتاكة التى لا ينقطع سيلها من خارج الحدود الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية. الناس العاديون مرضى جائعون يائسون يقتلهم حر الصيف وزمهرير الشتاء وتفشت بينهم امراض التايفوئيد والكوليرا، وصار واحدهم يتمنى الموت للخلاص من هذا العذاب المقيم. اليتامى والأرامل والمعوقون والمهجرون بالملايين. هل الوضع ميؤوس منه؟ بالتأكيد. الى متى سيدوم هذا الحال؟ حتى يدرك الأكراد انهم لا يستطيعون الافتراق عن عرب العراق، وحتى يعرف السنة والشيعة انهم لايستطيعون الافتراق عن بعضهم ولا عن الأكراد. انه امر صعب ولكنه ممكن متى ما عزمنا عليه وتركنا الأنانية وحب الذات ووحدنا صفوفنا وطردنا الغرباء، وشعرنا بأننا عراقيون فوق وقبل اي شيء.

عاطف أحمد العزي