(1)


سهل جدا أن يدعي الکثيرونquot;کذبا و دجلاquot;بإنهم فلاسفة أو ساسة عظماء متميزون، والاسهل أن ينبري البعض الآخر للتأکيد على إنهم حملة رسالة إنسانية تشم من سطورها عبق السماء و نقاوة الذات الانسانية، و لکن الامر الاصعب هو أن تترجم ذلك على أرض الواقع. قد يکون هناك الکثيرون منquot;أدعياء الثقافةquot; ممن وجدوا لهم حيزا من فراغ يملأونه بأراجيف و کلام وهمي لا يمثل في النهاية سوى الفراغ بعينه. وقد تکون هناك أسماء کبيرةquot;براقةquot; خدعت ماحولها و الدوائر الابعد منها بإنهاquot;لآلئquot; رکنت الى شطئان الانسانية بعيدا عنquot;الزبدquot;الذي ذهبquot;جفاءquot; وتمکنت من فرض نفسها کعناوين لمشروعات ثقافية کبيرة وهي من أکبر و أسوأ حالات السطو الثقافي الذي تتعرض له الامم المغلوبة على أمرها، وقد تکون لسطوة المال و النفوذ و عوامل متعددة أخرى شأنا في إرساء هکذا حالات، وهنا لا نقول کلاما کالذي کنا نستخلصه من الحالات السابقة، إذ إن هکذا حالات کانت و ستبقى ملازمة للإنسان و إنسانيته.


يقول ويل ديورانتquot;نصف التأريخ نصفه مبني على الظنquot; ومع إنه لا يعني من کلامه هذا أن النصف الآخر مبني على اليقين، فإن الوهم و الظن حالتان رافقتا الوجود الانساني على الکرة الارضية و لطالما تم إقصاء أو حتى إغتيال الحقيقة بالکامل عن الساحة وفرض حالات أميبية مزيفة کاذبة على إنها جوهر الحقيقة. وقد نکون منبهرين بأسماء کبيرة لامعة في مجالات شتى و هي في واقعها ليست إلاquot;إمعاتquot;أو أدنى من ذلك! لکن الذي يفصل بيننا و بين الحقيقة العارية هو إننا لا نملك العدة اللازمة لعبور و إجتياز العقبات و الموانع الوهمية التي يتمترس خلفها أولئكquot;الادعياءquot;.


وعلى الضفة الاخرى، قد يکون هناك الکثيرون من الذين ملکواquot;باعاquot; في مجالات ثقافية و أدبية شتى، لکن الظروفquot;المختلفةquot; و quot;المتداخلةquot;صنعت أمامهم سدا و حاجزا فولاذيا ضخما لم يکن بالامکان عبوره أبدا، وهکذا ذهب أولئك و أخذوا معهم إبداعات مدفونة في أعماقهم کان بالامکان أن تصنع أعمالا قد لانجد لها نظيرا بين نتاجات مثقفي و أدباء هذا العصر. مثلما يجب أن نشير الى أن العديد من الطاقات المبدعة الاخرى التي برزت لم تأخذ قسطها الذي کان يجب أن تأخذه من عمر إبداعات هذا الزمان، فقد إندثر حسين مردان وهو لا يزال في عز تألقه و إنتهى ککومة بشرية في زاوية ما ببغداد بعدما أتت عليه تلك الوظيفةquot;المميتةquot;في إذاعة بغداد في السبعينات. وکذلك الامر بالنسبة لصادق هدايت الايراني و للشاعر المصريquot;نجيب سرورquot; و کثيرون آخرون سرقت الظروف الاجتماعية ـ الاقتصادية ـ السياسية القاهرة منا ارقى إبداعات کانوا سيجودون بها علينا لو سارت الامور بسياق مختلف ولو بتغير طفيف نسبيا عن الذي إنتهت إليه.


إننا کبشر نبحث دوما عن العلل و الاسباب و نحاول أن نجد لإخفاقاتنا و إنتکاسات أجيالنا الانسانية أکثر من مبرر و مسوغ، على إننا نرجع دوما بخفي حنين فهوانا لإنسانيتنا يقصيه زنخ تأريخنا الانساني المزيف من أساسه.

نزار جاف

[email protected]
(1) مأخوذة من بيت شعري للشاع الکبير مظفر النواب(تعلل فالهوى علل و صادف إنه ثمل).