مثل ماهي اخبار العراق الغير ساره دائما لايمش لها اكثر الاعلام العربي والعراقي مشيا بل يركض لها بطرق تكون اعجازية مقارنة مع عظائم الاخبار والمصائب العربية الاخرى. وها هو خبر مرض السيد المالكي رئيس حكومة العراق وسفره الى لندن لاجراء الفحوصات لاياخذ حيز كبير في الاعلام فحسب بل ايضا ياخذ الخبر حجم كبير من الاشاعات والتخمينات والتصورات ' الخصبة جدا '. مع العلم الرجل خرج على قناة العراقية وهو يمشي على قدميه نحو الطائرة وادلى بتصريح عن حالته الصحية، لكن مع ذلك من يراقب حالة قناة الشرقية مثلا يشعر بنوع من خفة الدم المسخ التي مارستها من خلال خبر ' عاجل ' ولعدة مرات متغيرة بعد دقيقة واخرى بدات ' بوعكة صحية مفاجاءة للمالكي ' ثم بعد ثوان ' حالة المالكي ساءت وتشاور الاطباء مع افراد عائلته وقرروا ارساله فورا مستعجل الى لندن ' وعاجل جديد بعد دقيقة فقط يقول 'المالكي كان يعاني من ضغط الدم والسكري '. وحقيقة الامر ان مرض مثل ضغط الدم والسكري، هي بصمة عراقية صنعتها ظروف القهر والظلم الطويل. ومع ذلك متابعة للشرقية توقعت في اي لحظة يخرج علينا بيان رقم واحد يؤكد دخول قوات الجيش ' المغوار ' واحتلاله الصالحية والقصر الجمهوري وقيامه بانقلاب عسكري على يد ابناء القرى النائية التي جلبت لنا الكوارث والتخلف. ولو استمرت الشرقية بنفس خطها لتوقعنا مثلا بعد دقيقة اخرى خبر عاجل يقول ' المالكي طلب اللجوء في لندن '.
المالكي. اذا مرض او لم يصيبه المرض فهذا شأن شخصي، لايسعنا الا ان نتمنى له الشفاء العاجل. واذا لاسامح الله وحدث الاسؤ فهذه امانة مستردة لرب الجلالة والمالكي ليس عنده استثناء من هذه النهاية المحتومة لكل البشر. ثم الرجل لايحمل القاب مثل ' بطل التحرير القومي او ابو الليثين او القائد الضرورة او القائد المجاهد او خليفة نبو خذ نصر او عبد الله المؤمن او حامي الحمى ولا هو اخو هدله ولا حتى بطل الحفرة ' وطالما هو لايحمل اي من هذه الالقاب ال '99' فليس هناك مشكلة في العراق. لانه ايضا لم ياتي على دبابة في غفلة من تاريخ العراق وفي ليلة ظلماء من التاريخ العراقي. الذي جاء بالمالكي مازال موجود ' حي يرزق ' وهو صندوق الانتخابات. فالرجل ينتمي الى حزب الدعوة الذي اعطى الكثير والكبير من التضحيات العظام اثناء مقارعة نظام الصنم الساقط، واذا كان من ملاحظات و جدال على الاداء الوزاري لحكومة المالكي فانه لاجدال على تاريخ هذا الحزب العراقي الاصيل وتضحياته. رغم ان نفس هذا الحزب عندما وصل للحكم وبالطرق الديمقراطية لم يعطي الاهتمام الواجب لعوائل شهداء العراق وفي مقدمتهم عوائل شهداء حزب الدعوة نفسه. وهذه صفة اشتركت بها بلا منازع كل الاحزاب الشيعية على وجوه الخصوص. فظل الايتام والارامل والثكالى ومعهم الفقراء يعانون شظف العيش والعوز. بنفس الوقت اخذ ' ابطال برلمان الحج ' حقوق دماء وتضحيات ابناء واحفاد العراقيين وضيوف المقابر الجماعية لاجيال قادمة بدون ادنى من خجل او ذرة من حلم.
عمل المالكي الكثير من الايجابيات هذه يجب ان تذكر وبجانبها ايضا من السلبيات الكثيرة. لكن لايمكن ان تحسب سلبيات الحكومة فقط على رئيسها بل يتحمل ذلك جميع الاحزاب والجهات المشتركة في هذه الحكومة التي تحولت مع الاسف الشديد الى ' جمعية خيرية ' لايستطيع فيها رئيس الوزراء نفسه تغير او اقالة وزير مقصر في عمله او حتى وزير ارهابي قاتل مثل وزير الثقافة ' اسعد الهاشمي ' الذي مازال النائب الثاني لرئيس الجمهورية طارق الهاشمي يوفر له ملاذا في منزله !! بذات الوقت الذي من الممكن ان ترى حسره والم عظيم بعيون السيد مثال الالوسي وهو يرى النائب الثاني لرئيس الجمهورية يتستر على قاتل ولديه ' رحمهم الله '. على الاقل هذا ماشعرت به شخصيا وانا التقي السيد الالوسي قبل حوالي شهر ونصف في بغداد.
ان المالكي حقيقة الامر ليس رئيس لحكومة متجانسة، بل رئيس لمجموعة حزبية وطائفية وقومية مختلفة احدهم لايشبه الاخر، و لاتجمعهم اي اهتمامات او اهداف مشتركة، بل مجموعة مصالح شخصية وفئوية وطائفية. وهذا هو سر كل مشاكل العراق.
لكن للتاريخ ستبقى العلامة الفارقة والكبير في تاريخ العراق والمالكي انه الرجل الذي وقع واصر على تنفيذ حكم الاعدام بصنم العراق الساقط. بنفس الوقت الذي هرب من بغداد اكثر مسؤولي الحكومة والدولة العراقية الى المحافظات او الى دول الجوار !! بل ان بعضهم قفل حتى خط تلفونه ولم يجب على هاتفه !! هولاء جميعا خافوا نعم انه نوع من الجبن ان يتحملون مسؤوليتهم القانونية والتاريخية بتنفيذ حكم القانون وحكم الشعب بالصنم الساقط. المالكي الوحيد الذي تصدى لهذه المهمة القانونية والدستورية والانسانية. وها نحن ندخل عام جديد بلا ' القائد الضرروة جدا'. فادخل الفرح الى قلوب عوائل الشهداء وابناء المقابر الجماعية و لملايين الثكالى والايتام. وايضا وهذه ايجابية كبرى ان ادخل الحزن الى عبدة الصنم الساقط. العراق رغم كل المأسي والاحزان وكل السلبيات لكنه يسير بالطريق الصحيح حيث لاعبادة للصنم وحيث المعاول المتحفزة لتهديم بقايا الصنم الساقط او حتى مشاريع الاصنام الجدد. العراق بخير لان صناديق الانتخابات موجودة وفي الدورة القادمة والتي بعدها سيكون للناس رأيهم واختيارهم المستقر بعيدا عن التحفيز الطائفي والقومي. والعراق بخير كبير لانه لايمرض اذا مرض المالكي او غيره. فالعراق اكبر من الجميع، وهو الذي يحتضن الجميع، وليس هناك الان ' كفوك ابو الليثين ' لتفيض خير على العراق كما كان يقال حينها لان هذه الكفوك السوداء و رموزها اخذت مكانها الطبيعي والحقيقي في الحفرة التاريخية الحقيرة. العراق سيفيض خير على جميع العراقيين دون استثناء. طالما غير مرتبط بشخص معين فالعراق اكبر من كل الاشخاص وبكثير.
محمد الوادي
[email protected]
التعليقات