كم يشعر الانسان بفخر واعتزازُ داخلي عندما يتبرع بماله ودمه واحيانا بروحه واولاده بما يحمل هذا الاداء شرف الشعور بالمسؤولية الانسانية والقيم المثلى.. لكن شرط ان يكون الهدف سامياً وواضحاً وغير ملتوياً في النوايا والاهداف.
التبرع من اجل الوطن.. لأجل الدين.. لأجل المريض.. لأجل الفقير.. تسهيل الزواج.. وقد تكون افضل هذه التبرعات في بعض الاحيان عند محبي اهل البيت هو التبرع من اجل العقيدة الحسينية والفكرة السامية لهذه الشهادة.. فلأجلها قُدمت الاموال والارواح وسالت الدماء.
وفي عهد الخليفة العباسي المتوكل كان الزائر عليه ان يسلّم 1000 دينار من الذهب مقابل هذه الزيارة وهو يعلم ان هذا المبلغ الباهض لاقيمة عنده امام تحديات العقيدة التي يمتلكها وامام الحملة الشرسة التي يشنها اعداءه ضد ثورة الحسين وابعادها حتى اصبحت سُنّة التحديات لعشاق اهل البيت عادةً اشتهروا بها منذ العهود الاموية والعباسية ومرورا في عهد صدام حسين في العراق.
في المملكة المتحدة تجرى التبرعات العراقية لأيتام ومحرومي العراق على شكل طرقٍ واساليب مختلفة واهم هذه الطرق تلك التي تجرى تحت مسميات ( مؤسسة اليتيم العراقي ) ظاهرها أبناء ويتامى العراق وباطنها نوايا لايعرفها إلاّ الله سبحانه وتعالى.
في لندن وفي السنتين الاخيرتين إتخذت المجالس الحسينية الخاصة بالنساء طابعاً جديداً ومنهجية مبتكرة تكاد تكون الاولى من نوعها في تاريخ المجالس الحسينية فالدعوات لهذه المجالس ليست مجانية كما جرت العادة ؛ وانما هناك دفع مالي معيّن مقابل المجيء يُعطى بعنوان تبرع لايتام العراق.
( القضية والأعتراض ليس على الدفع المالي، فغالباً ما يمرر على الحاضرين صندوق مال لأجل التبرع وعادةً يكون للايتام والمحرومين ) لكن الاعتراض هو على اسلوب الدفع وعملية الابتزاز التي تتم فيها كيفية التبرع التي تجرى من خلال المجلس. ففي إحدى المجالس الحسينية الخاصة بالنساء وفي دار احدى البيوتات التي يعود صاحبها الى شخصية مسؤولة في البرلمان العراقي تعيّن على كل مشاركة ان تتبرع بمبلغ قدره ( 15جنيه استرليني) يتم دفعها حال الدخول في مدخل الدار ( وطبعاً تتساوى في مقدار الدفع الميسورة في نِعم الحياة وعيشها مع تلك التي تعيش على معونات الدولة،لافرق ولاتفريق بينهما ). وللتأكد من ان جميع الحاضرات قد وفين بالدفع تقف احدى المسؤولات وسط المجلس لتؤكد ضرورة المشاركة بالتبرع ).
ظاهرة لايمكن ان تمر مروراً عابراً ولابد من الوقوف عليها ومابين طياتها وما تسببه من احراج للذين لاتسمح ضروفهم بالدفع لهذا المبلغ اضافة الى انها قد تقلل عدد المشاركين لهذه المجالس هذا جانب. الجانب الاخر. هل يستحق العراقي اليتيم او المشرد او المحروم ان تجمع له الاموال بهذه الطريقة المقززة والمذلة؟ خاصة في زمن يتسابق المتاجرون بقضية العراق وقضية الحسين وقضية ايتام ومشردي العراق فتستغل النفوس وتُصادر العواطف من قبل البسطاء....في بلدٍ يعوم على بركة من الذهب الاسود وفي بلد يعج فيه السياسيون في الفساد المالي ومن العقود المالية الغير مشروعة وشرائهم الصفقات العقارية والارصدة خارج البلد. وفي بلد يتجاوز فيه راتب الوزير او عضو البرلمان بحدود خمسة عشر الف دولار شهرياً في بلد عملته الدينار المتهاوي. هذا ماعدا مخصصات الحماية والسفر والطعام وامتيازات الحج وعدم شمولهم بالبطاقة التموينية اسوة بباقي طبقات الشعب المحروم، وتحسين العيش والسلف الخالية من الفوائد اضافة الى اهداء كل وزير اوعضو ارض مساحتها 400 متر مربع في ارقى احياء بغداد.
منتهى الاحراج والسخرية lsquo; اين هؤلاء من التبرع؟ لو جرت عملية التبرع بحق كل عضو او وزير. او لو استلف عضو البرلمان او الوزير سلفة خالية من الفوائد كما يحق له و يتم دفعها من راتبه الضخم بشكل اقساط بسيطة لهؤلاء المحرومين لما بقي فقير او محروم بالعراق.
لقد بدءت الناس تستفسر عن صحة ومصداقية ومصير اموال مؤسسات اليتيم. هل فعلا تصل الى اليتيم العراقي بكاملها ام إنها تخضع الى استقطاعات في كل مرحلة تمر بها ابتداءاً من لندن الى العراق حتى وصولها جيب اليتيم او المشرد الذي لم تبقى منها له سوى الاجزاء العشرية؟
ولو افترضنا إن هناك مصداقية كاملة لهذه الممؤسسات ولايكتنفها الشكوك فهذا يفترض ان لاوجود للفقر في العراق وان اليتيم ينعم في بحبوحة العيش بعد انتشار هذه المؤسسات بشكل واسع وما يتم فيها من التبرع بعملة الباون القوي امام باقي العملات اضافة الى دعم الحكومة الانكليزية للمؤسسات الـتي تحمل عنوان الـ.Chrity
. هذا اذا استثنينا مؤسسة اليتيم العائدة الى السيد حسين الشامي واخرى الى السيد ابراهيم الجعفري الكبيرتان والكثير غيرهما.
اعود الى الموضوع الخاص بالمجالس الحيسنية للنساء فلأجل المشاركة في هذه المجالس هناك نموذجاُ آخر لهذه الدعوات حيث تجرى من خلالها التبرعات هذا النموذج يتم فيه توزيع ظروف مغلقة الى كل من ترغب في الحضور كما هو الحال في الظروف الخاصة بدعوات عقود الزواج، الفارق بين الاثنين إن ظرف عقد الزواج يقدم مفتوح ويحوي بداخله كارت معطر يكتب عليه اسماء العريسان وبخطوط ذهبية مزركشة تفتح النفس. قد يتضمن فيه عبارة (ممنوع اصطحاب الاطفال ) اما ظرف دعوة المجالس الحسينية الخاصة للنساء فهي مغلقة واعتقد ان الاسباب معروفة ويحمل الظرف في داخله ورقة معنونة بإسم احدى المؤسسات الخاصة باليتيم العراقي مرفقة بالعنوان ورقم حساب التبرع اضافة الى ( الجرتي نمبر ). هذه الورقة تتناول شرحاً مختصرا لقضية شهادة الحسين (ع ) وما جرى عليه وعلى اهل بيته الاطهار من اعتداء سافر قدم فيه جسده الطاهر بأروع ملحمة من ملاحم البطولة من اجل الدين والعقيدة المحمدية السليمة والقيم الانسانية ثم يعرج الشرح الى قضية ومأساة العراق وما آل اليه شعبنا المظلوم وشيعة اهل البيت من مآسي خلفت الكثير من المظلومين واليتامى والمحرومين في عراق الحسين لذا يستمر الشرح لابد من ( مد يد العون لإنتشال ابناءنا مما حرموا من العلم والثقافة ) ثم تذيل الرقة في نهاية النص بملاحظة وقد كتب عليها ( يرجى الانتباه ان هناك سيكون دفع مبلغ مالي قدره 10 باونات لابناءنا في العراق ثم تنتهي الجملة ليبدء سطراً جديدا كُتب عليه الحضانة شكراً.
المتمعن بين سطور الدعوة الغريبة وبأسلوبها الجديد الغير معتاد ان هناك لغط في التعبير وان هناك من تقصّد بأستعمال اسلوب التورية في عرض الشرح وإلاّ فما ربط الدعوة والتبرع والحضانة واذا كان التبر ع لأجل انشاء حضانة للاطفال ؛ السؤال اين ستقام هذه الحضانة؟ في لندن؟ او في العراق؟. واذا كانت في العراق لماذا لم تشير الورقة بتوضيح كامل مفصل يشير الى ان هناك مشروع انشاء حضانة؟ كلامُ سُخرت فيه تعابير التورية الدينية حتى يسهل اختراقه وتستغل عواطف البسطاء. السؤال الاخر لماذا لانلاحظ استخدام هذه الاساليب وهذه الدعوات مقابل المال من اجل التبرع لايتام العراقيين الاّ في بيوتات زوجات المسؤولين العراقيين؟
اعود الى زمن المتوكل عندما كان على زائر قبر الحسين ان يسلم 1000 دينار من الذهب مقابل هذه الزيارة كان مستعدا ايضاً ان يقدم تضحيات جسيمة اخرى بقطع يديه وارجله وهذا مانص عليه:( لو قطعوا ارجلنا واليدين نأتيك زحفاً سيدي ياحسين ) فقد كان على يقين انه سينال ثواب الاخرة لم تقف امامه التضحيات ولا التبرعات باليد او الارجل او الارواح فقد كان يعلم ان هناك مكاسب روحية واجتماعية وسياسية في زمن مليء بالتحديات والصعوبات والمشاق.
لكن في زمن تغير النظام البائد وفي زمن يعوم العراق على بركة من الذهب الاسود كما ذكرت.. وفي زمن يُعلن فيه ميزانية الحكومة العراقية لعام 2008 بـ (48 ) مليار دولار واذا ما اعتبرنا تصريحات احد المسؤولين ان عائدات النفط العراقي خمسة مليارات دولار شهرياً يعني ان ميزانية العراق لعام 2008 هي 60 مليار دولار وليس 48 مليار. وان مايتقاضاه الوزير او عضو البرلمان او رئيس كتلة نيابية اومستشار او دبلوماسيين قد يصل بمجموعها الى ملايين الدولارات شهرياً، فلو تسلم المواطن العراقي مايستحقه بشكل عادل وبموجب القانون اضافة ايضاً لو تسلم المحروم واليتيم والمشرد حقوقه المالية من الخمس والزكاة والصدقات بشكل عادل من قبل المرجعيات الدينية فأنه سوف لن يحتاج الى ان يسجل له التاريخ مالاً جُمع عن طريق الصدقات والمؤسسات الضبابية. وهو على يقين انه لن يستلمها بشكل عادل.؟ كما ان لوكان كل واحد من هؤلاء المسؤولين تبرع بقيمة 100 دولار شهرياً من راتبه ومخصصاته الخاصة للاكل والسفر والحماية وتحسين العيش لما بقي فقير اومشرد اومحروم في العراق. ولا كان نصير شمة ولأجل ان يسد جوع و رمق العراقيات
ويخفف عنهن ضنك العيش وانحرافاتها؟ يقوم بحملة استجداء للعراق الثري. عراق الحضارات فيجوب البلدان والمنظمات والجامعة العربية التي ماوقفت يوما من تاريخها مع الشعب العراقي.
وصمة عار على جبين المسؤولين ان يستجدى للعراقيين بهذه الطريقة امام المليء وامام العدسات ووصمة عار اخرى ان تستغل طريقة الدعوات لحظور المجالس الحسينية للنساء بجمع الاموال للايتام والمحرومين في العراق.
ليلى البحراني
التعليقات