توالت الاحداث والتطورات بشكل متسارع لا يمكن التكهن بنتائجها ابداً. بعد ان تم اختطاف الزعيم الكردي عبدالله أوجلان على يد الاستخبارات الامريكية، وبمساندة كل من روسيا واسرائيل واليونان في 15 شباط من عام 1999 وتسليمه الى تركيا، تظاهر مئات الالاف من الكرد احتجاجا على هذه المؤامرة الدولية التي مازالت مستمرة وباشكال مختلفة حتى الان. بعد ان قسمت القوى الرأسمالية في اتفاقية (سايكس بيكو) منطقة الشرق الاوسط، لم يحصل الكرد على اي كيان سياسي يحمي وجودهم كحضارة وثقافة ضد كل الهجمات التي استهدفتهم عبر مئات السنين. مازالت القوى الامبريالية العالمية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، التي قسمت منطقة الشرق الاوسط مستمرة في مخططاتها التي لا تتطرق فيها الي اي حل جذري لاكبر القضايا الحساسة والعالقة منذ عشرات والسنين الا وهي القضية الكردية. الم تعرف الحضارة الانسانية و تشهد على ما قدمته الاقوام الميتانية، الميدية، الهورية، الكوتية، الايلامية. هذه الحضارات أسست القرى والتجمعات الاجتماعية، وخلقت التطور نحو نشوء المدن والتكوينات الاجتماعية عبر تاريخ المجتمع البشري. وشهد التاريخ ايضا ثورة المجتمع الميدي ضد الملك ( Ezdehak) في عهد الامبراطورية الاشورية. تلك الثورة التي انتهت بتخليص جميع شعوب الشرق الاوسط من بطشه وجبروته. ولتصل تضحيات هذا الشعب الى الذروة بعد تولي القائد والفاتح الاسلامي الكردي صلاح الدين الايوبي قيادة الحضارة الاسلامية في مواجهة الحملات الصليبية و تحرير الاماكن والمدن المقدسة من سيطرة الدول الاوروبية الصليبية المتحالفة ضد العالم الإسلامي.

بعد كل هذه التضحيات وقيم الاخاء مع كل شعوب الشرق الوسط، أيكون من نصيب هذا الشعب ان يتم التكتم والسكوت على ابسط حقوقه الانسانية. أيكون الجزاء في إختطاف قائد هذا الشعب عبد الله اوجلان ووضعه تحت العزلة في الحجرة الإنفرادية في سجن جزيرة (ايمرالي) النائية، وتعرضه للتعذيب النفسي بشكل مستمر من قبل ادارة السجن وتحت اشراف مركز الاحكام الطارئة التابع للحكومة التركية( الإسلامية والمؤمنة جداًََ!!). لقد عمدت الدولة التركية وخلال الاشهر الاخيرة من الصيف المنصرم الى قص شعر أوجلان عنوة بهدف النيل من معنويات الشعب الكردي الذي يرى في الرجل زعيماً قومياً وروحياً يمٌثل ارادته السياسية. لم تكتفي الدولة التركية الفاشية دولة (عصابة الاركنكون) التي لها يد في العديد من حملات القتل والابادة الجماعية بحق الكرد، بذلك بل عمدت مؤخراً الى الإعتداء على أوجلان وطرحه أرضاً وتهديده بالقتل.

ما ان سمعت جماهير الشعب الكردي في جميع انحاء شمال كردستان وغربها، وفي العديد من المدن الاوروبية، حتى ازداد غضب هذه الجمياهير وتدفقت الى الشوراع، لتعبر عن غضبها ضد هذه الممارسات التي بحق قائدها. في كل المدن الكردستانية، استبكت الجماهير مع قوات الجيش التركي، وواصل الشباب الكردي احتجاجاته برشق البوليس وقوات الإستخبارات التركية بالحجارة والزجاجات الحارقة. بالطبع لم تسلم في العديد من المناطق مقرات حزب العدالة والتنمية AKP من غضب جماهير الشعب وهجمات الشبان الكرد.

لكن الغريب في الامر ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان سيقوم بزيارة الى مدينة أمد ( دياربكر: احدى المدن الكبرى في شمال كردستان) للقيام بمراسيم افتتاح السنة الدراسية الجامعية الجديدة في جامعة دجلة، وذلك على الرغم من ان معظم المنظمات والاحزاب الكردية دعت الى مقاطعة هذه المراسيم وعدم استقبال رئيس الوزراء التركي، والمشاركة بشكل كثيف في المظاهرات والاحتجاجات التي تستنكر ممارسات التعذيب الجسدي بحق عبد الله اجلان قائد الشعب الكردستاني.

في الوقت الذي اقتربت ساعة وصول اردوغان الى مدينة دياربكر، حتى ازدادت وتيرة المظاهرات في جميع انحاء المدنية والتي تخللتها صدامات واشتباكات بين جماهير الشعب وقوات الشرطة والإستخبارات التركية. كما تم نشرعدة بيانات في المدينة تطالب بإغلاق جميع محلات المدينة ودكاكينها. كل ذلك كان بمثابة رد قوي جماهيري على زيارة رئيس الوزراء التركي لآمد. ما ان بدا العد التنازلي لقدوم اردوغان حتى توقفت حركة السير والبيع والشراء باغلاق اكثر من 90% من محلات واسواق المدينة. مع كل هذا الوضع المتأزم في المدينة، لم يغير اردوغان من برنامج زيارته غير الميمونة للمدينة، وهذا يدل على مدى بجاحته ومراهنته على المواجهة والحرب.

في الآونة الأخيرة، تلقت الدولة التركية الطورانية عبر جيشها ضربات من قوات الدفاع الشعبي الكردستاني HPG. ومثال ذلك الهجمات الاخيرة التي استهدف كتيبة ( بيزلة) على الحدود المتاخمة لجنوبي كردستان مع العراق، وإثر سلسلة من العمليات العسكرية في كل من (اورامار) و (زاب) و(بيزالة) ايضا للمرة الاولى. لذلك خلقت تلك الضربات ازمة سياسية في الدولة التركية والتي رأت ان المنفذ الوحيد من هذه الازمة هو التوجه الى تطبيق ممارسات التعذيب الجسدي بحق القائد الأسير عبدالله اوجلان في سجن ايمرالي.

هذه الاحداث التي يٌظهر منها انها لن تكون الأولى ولا الأخيرة في الوقت الذي يلاحظ وجود تكتم إعلامي من قبل الاعلام التركي وبعض مؤسسا ت الاعلام الشرق اوسطي عليها، هذا بالاضافة الى العديد من مؤسسات الاعلام الغربي وفي مقدمتها هيئة الاذاعة البريطانية، والاعلام الامريكي، وهذا ان دل على شيء فانما يدل على ان هذه المؤسسات الاعلامية مازالت تلعب دوراً يخدم المصالح التركية المشتركة مع الدول الكبرى العالمية، والتي كانت ذات دور في تقسيم منطقة الشرق الاوسط في المراحل السابقة.

هل يمكن ان تتخلى بعض هذه المؤسسات الاعلامية عن النزاهة الاعلامية التي تعتمد على مبدأ نقل صورة حية لما يحدث في الواقع؟، اذ انها تعمد الى نقل احدى الاحتجاجات المحدودة في بعض المناطق من انحاء العالم، لكن ان تشهد جميع المدن الكردستانية في شمال كردستان انتفاضة عارمة وغاضبة، فإن هذه المؤسسات quot;الاعلاميةquot; لاتعمد الى نقل مايحدث وتغطية الأحداث هناك. هل يا ترى تشترك هذه المؤسسات مع القرار الذي اصدرته الدولة التركية في انكار وابادة الشعب الكردي خلال عشرات الاعوام السابقة؟.

معايير المهنية ومبادئ الاخلاق تحتم على هذه الوسائل الاعلامية ان تقوم دون تأثير من السياسة والمصالحة. متى سيكون الاعلام القوة الثالثة في المجتمع بعد الدولة والمجتمع، يكون له دوراً فاعلاً وحضاريا في تطور المجتمع؟؟. كل هذه الاسئلة تخطر في البال مع مثل هذه الاحداث والتطورات. هل يجب ان يقوم الاعلام بالفرار من مهامه، بمساندة النظرة العسكرتارية المتسلطة والترويج لادعائاتها و نظرة الدولة القومية الواحدة الضيقة التي اصبحت من البنى المتخلفة حسب تطور العلم و العصر.
الاحداث االتطورات المتسارعة كفيلة بايجاد الاجوبة الناجعة للعديد من مثيبل هذه، من التي تخطر على المخيلة.

مصطفى حسن

* اعلامي كردي في المنفى