تعود العراقيون أو سكان بلاد ما بين النهرين ومنذ الفتح الإسلامي على المصائب والفتن وعدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ومنذ العهد الأموي والعباسي والمغولي والعثماني والبريطاني والجمهوري والقومي حتى الآن،لم يتمتع سكان العراق بالهدوء والسكينة والاطمئنان،وعلى الرغم من افتخار وإصرار بعض العراقيين على إن أجدادهم العراقيين الأوائل هم من اكتشف حروف اللغة الأولى وإن الملك الكبير حمورابي قد وضع القوانين التي تنظم علاقات الدولة بالناس وعلاقات الناس مع بعضهم،وان كوديا ملك الوركاء الورع الذي دعا الناس إلى ضربه في الأسواق ليشعروا وكأنه واحدا ً منهم، وإن أحد ملوكهم الأقوياء قد بنى جنائن ينذهل الناظر إليها،إلا إن ما شهدته وعايشته شخصيا ً وما نشهده الآن يؤكد على إن الدماء والعنف وعدم احترام الآخر والبداوة والتعصب والمؤامرات والخيانات والتاريخ الأسود هي المواصفات السائدة التي تتشكل منها عقلية الفرد العراقي أو على الأصح عقلية سكان مابين النهرين،وهذا ما أكده ابن خلدون ثم د.علي الوردي في كتبه جميعا ً وكذلك هادي العلوي في كتبه وخاصة كتابه الموسوم (تاريخ الإسلام السياسي).

ومنذ البداية اتفق رجال الدين (ليس جميعهم ) وبكل أنواع دياناتهم مع كل فاتح لهذا البلد ومع كل سلطة أو ملك أو سلطان أو والي أو باشا أو حاكم أو ملك أو رئيس جمهورية،والتاريخ يكشف لنا عن أسباب ذلك التواطؤ المؤسف،كما يكشف لنا عن النفاق العام الذي مورس ويمارس من قبل سلطات روحية واجبها المعلن هو الفضيلة وإهداء الناس إلى السراط المستقيم ومساعدة الفقراء واليتامى والمعوزين وإيواء المشردين ورحمة الضالين وكذلك الثورة على الظالم باليد واللسان والقلب..والقلب المكافح هو أضعف الأسلحة.

وفي العراق ومن خلال رجال الدين (كل حسب طائفته ) وحدهم وبسببهم تمت فتن وثورات وانتفاضات تدعو للعدل والكرامة أو للأسف تقاتل احتلال من أجل إبقاء احتلال آخر كما حصل في ثورة العشرين!!!، ولكن أيضا ومن خلال تعاونهم النشيط مع السلطات تمت مؤامرات واغتيالات وإعدامات واستباحات مدن وإغراق قرى وصلب مفكرين وشعراء وأصحاب أعمال ونساء وأطفال،مما أنتج وعبر تقادم السنين والأجيال ثقافة حادّة واحدية تابعة لا تقبل سوى المديح من المستفيدين الوصوليين أو الهجاء حين يتمرد البعض على تلك الثقافة ولا سبيل هناك في اعتدال أو عقل أو دراسة،وكل ذلك يتم تبريره شعبيا ً فكما يقال وينتقل ويدار بين العراقيين إن الخليفة الراشدي الرابع قد (طمغ) أهل العراق بالشقاق والنفاق،فيما دعى عليهم ابنه القتيل شهيد كربلاء بأن يجعل الله منهم (أمما فرقا)،ومقولات الحجّاج فيهم، وكذلك الملك الأردني الحسين حين سمع بمقتل أبناء عمه في العراق عام 1958 الذي قال اللهم اقطع أنسالهم كما قطعوا أنسالي!!!.

حينما جاء البعثيون القوميون قبل خمسة وأربعين عاما إلى السلطة و(حسب اعترافهم بقطار أميركي )،فتكوا بالعراق وأبناءه وبمؤسساته،وكأنهم ليسوا حكاما ً جدد،عراقيون،اختلفوا مع سياسة عبد الكريم قاسم ومناصريه من الشيوعيين في إدارة بلاد شهيرة تاريخيا ً في العالم،فقاموا وكما هو معروف بمذابحهم التي أكدت عدم وطنيتهم العراقية،فيما هم يؤكدون ويكشفون وبكل افتخار عن هويتهم القومية العروبية البدوية،ومن ذلك الحين أصبح الشيعي المتدين صفوي شعوبي،والشيوعي خائن روسي،والليبرالي والمسيحي عميل غربي،والكردي إنفصالي،والسني غير المناصر خائن للعروبة،ثم بعد حين إنهارت قومية عبد السلام عارف على رؤوسهم والذي حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بجعل العراق تابعا ًذليلا ً لقومية عبد الناصر المصرية التي قادت الهزائم فيما بعد.

مرة أخرى جاء البعثيون وهم عراقيون من مختلف الملل والنحل و حسب ما يقولونه بانقلاب أبيض عام 68 من القرن الماضي،ليزينوا إنقلابهم الأسود السابق،وما أن حكموا حتى شرعوا بإعداد المؤامرات والاغتيالات ثم تحالفوا مع الشيوعيين (الأبرياء ) ثم أعلنوا الحرب على الأكراد القوميين، ثم ابتدأت الدولة القومية الطائفية في احتكار الجيش والجامعات ومؤسسات الدولة والمجتمع فأصبح هناك فكر واحد صارم وإجباري في أدمغة العراقيين وهو البعث،حتى ظهور شعار( كل عراقي بعثي وإن لم ينتم ِ... طبعا ً إلى حزب البعث )،وهذه الواحدية الإجبارية هي اكثر العوامل التي تسيء للمخلوق البشري.

تقول امرأة عراقية من البصرة،إن البعث وجلاوزته كانوا لا يحاسبوها لأنها سافرة أو تضع مكياج على عينيها أو أحمر شفاه على شفتيها،لكنهم كانوا يسألون هل أنت بعثية أم لا، تقول الآن ( الجماعة ) يسألون هل أنت دعوة أم فضيلة أم صدر أو بدر ثم بعد ذلك يتفحصون الجسد ويحاسبون على الأمور الشخصية....الله وأكبر هل لهؤلاء علاقة مباشرة مع رب السماوات والأرض؟؟،وفي قناة تلفزيونية تابعة لأحد الأحزاب العراقية الحاكمة يصور عمل كارتوني للأطفال قصة آدم وحواء بتفاصيل جديدة وخاصة في ملابس حواء فقد ظهرت أمّنا العارية حواء وهي ترتدي الحجاب والجلباب...!!.

وهكذا نجد إن العقلية العراقية المتسلطة تستبدل الفكر القمعي الواحدي الشاذ الأسود بآخر....،فحين يفرح بسطاء العراقيين بسقوط صنم صدام لم يك ليتوقعوا أن القادم هو الأسوأ،فمن مصادرة الحريات السياسية والفكرية والثقافية إلى مصادرة كافة الحريات بما فيها (قلم الحمرة ) وكذلك خدمات الماء والكهرباء والغاز والطرقات والمحاكم...الخ، ولي أن أردد الله وأكبر عليكم.

واصف شنون