لا أظن أن الموقف العربي سوف يدفع المحكمة الجنائية الدولية للتراجع عن نظر الدعوى التي طالب فيها المدعي العام لويس مورينو أوكامبو بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور.


ولا أعتقد أن بيان وزراء الخارجية العرب الذي أدان أوكامبو واتهم المحكمة الدولية بتسييس معايير العدالة سوف يكفي لمعالجة هذه القضية!
ومنذ متى نجحت بيانات الإدانة والاستنكار في معالجة أزمات العرب السابقة حتى تنجح في معالجة التداعيات الخطيرة وغير المسبوقة لأزمة دارفور.
بل إن خطة الجامعة العربية للخروج من المأزق بالبحث عن كبش فداء لمحاكمته بدلا من البشير في السودان تبدو مقتبسة من فيلم مصري.
فمحاكمة المسئولين عن جرائم الحرب في دارفور أمام القضاء السوداني لن تكفي لإسقاط ولاية المحكمة الجنائية الدولية التي تحركها كما هو واضح دوافع سياسية وأطماع دولية!


ورغم تعاطفنا نحن العرب مع الرئيس البشير الذي يدفع ثمن مواقفه المناهضة للولايات المتحدة لكن هذا التعاطف لن يؤثر في موقف المحكمة الدولية التي تعبر عن إرادة النظام الدولي بغض النظر عما يتردد عن استقلالها وحيدتها!
ولو كانت هذه المحكمة تستلهم معايير العدالة الدولية حقا لحاكمت الدول الكبرى على جرائمها بنفس الطريقة التي تحاكم بها الدول الصغرى.
وحتى لا نحلم كثيرا فإن المقترحات التي حملها عمرو موسى أمين الجامعة العربية إلى الخرطوم لن تحقق الكثير لأنها تركز على المسائل السياسية أكثر من الجوانب القانونية.


معركة السودان الحقيقية ليست في التفاوض مع مجلس الأمن الذي كلف المحكمة الدولية بالتحقيق في الانتهاكات التي وقعت في دارفور وليست في حشد المنظمات الدولية وراء قضيته التي يراها عادلة
معركة السودان الحقيقية في المحكمة الجنائية الدولية وعلى السودانيين أن يقدموا لها ما يثبت براءة رئيسهم من التورط في جرائم إبادة جماعية وإلا فإنهم سوف يدخلون في مواجهة مع المجتمع الدولي.

والذين يراهنون على إمكانية إقناع النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة بالتراجع عن نظر القضية أو تأجيلها يتجاهلون الإصرار الدولي على استهداف السودان.
بل إن تصريحات ذلك المسئول العربي الكبير بأن التفاوض مع المحكمة الدولية قد يكون مدخلا لحل الأزمة تبدو كلاما عاطفيا في مواجهة الأطماع الدولية !
أما التلويح بأن محاكمة البشير سوف تهدد السلام والاستقرار في السودان والدول المجاورة فهذا منطق مغلوط لأن الفوضى الخلاقة هي بالضبط ما تستهدفه القوى الكبرى!


أضف إلى ذلك أنه لم يسبق أن تراجعت المحكمة الدولية عن نظر أي قضية أحيلت إليها ولم يحدث أن رفضت طلبا واحدا للمدعي العام أوكامبو منذ تولى منصبه قبل ثلاث سنوات!
وهكذا فالسودان مقبل على معركة قانونية بالدرجة الأولى في المحكمة الجنائية الدولية وكل ما نتمناه ألا يقتنع قضاة المحكمة أو غالبيتهم بالأدلة التي قدمها أوكامبو!

عبد العزيز محمود
[email protected]