فور أن أقر المجلس الدولي لحقوق الإنسان مشروع توصيات القاضي ريتشارد جلودستون حول الحرب العنصرية التى شنتها القوات المسلحة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة بموافقة 25 صوت بينما عارضته 6 أصوات وأمتنع ممثلوا 11 دولة عن التصويت، سمعنا إعتراضات إسرائيلية وأمريكية وأوربية تصف القرار بأنه quot; تعجل الموافقة علي التوصيات quot;، وان الوقت لم يكن كافيا quot; لدراسة التقرير quot;، وتنعته بأنه quot; فشل في تحديد طبيعة النزاع وجاء منحازا ضد إسرائيل quot;..
العالم كله عرف أن التقرير طالب طرفي النزاع بإجراء تحقيقات داخلية لمعاقبة مرتكبي الجرائم وفي حال عدم تسجيل تقدم في هذا الخصوص في غضون ستة أشهر، فمن حق مجلس الأمن ان يحيل الأمر برمته إلي quot; المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية quot;..
من هذا المنطلق أدان القرار بشدة جيمع السياسات والإجراءات التى إتخذتها قوة الإحتلال الإسرائيلية في تعاملها مع الأوضاع في غزة بما في ذلك تقييد حرية وصول الفلسطينيين إلي أماكن عبادتهم المقدسة وإلي ممتلاكاتهم سواء كانت دور اقامة او مزارع!! ولنفس السبب دعا دولة الإحتلال إلي وقف الحفر والتنقيب حول المسجد الأقصي وفي محيط الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية الأخري..
هذه التعليقات الفارغة من المضمون كانت متوقعة، ولأنها لم تؤثر في صلب القضية.. بادر رئيس وزراء إسرائيل إلي وصف ما جري بأنه quot; يدعم الارهاب ويضر بعملية السلام quot; وتتالت هذه النغمة في تعليقات وتحليلات كثيرة، دون ان يقول اصحابها كيف ان ادانة الممارسات الدولة المحتلة غير الانسانية يُعد من قبيل القرارات التى تعترض سبل السلام بينها وبين الشعب المحتل؟؟..
السلام لم يتحقق منذ توقيع اتفاقية اوسلو، لأن إسرائيل لا تريد السلام ولا تعمل من أجله.. السلام معطل لأن اسرائيل تريد كل شئ بدءا من الحفاظ علي امنها وانتهاءا بوضع يدها علي 90 % من اراضي الضفة الغربية..
توصيات القاضي جلودستون لم تصدر ضد إسرائيل وحدها بل جاءت محايدة تماما بمقدار النسبة والتناسب بين قواتها المسلحة التى شنت حربها الضروس ضد القطاع وبين المقاومة الوطنية التى تصدت لها.. هذه التوصيات نالت تقدير عدد كبير من الدول ليست كلها معادية لإسرائيل، مما يشير إلي نفاذ صبرها من ممارساتها القمعية ونشاطاتها الاستعمارية في الأراضي الفلسطينية التى تحتلها.. هذه التوصيات اعادت الصراع الفلسطينى الإسرائيلي إلي وجهة الأجندة العالمية مرة أخري..
ذلك كله يقلق إسرائيل، لذلك بادرت إلي إدانة القاضي اليهودي ومجلس حقوق الإنسان والدول التى أيدتهما، ولم تجد ما تعلق به علي الموقف الدولي الذي وضع مشكلتها مع إيران في ترتيب متأخر إلا القول أن ما جري يُعرقل مساعي السلام في المنطقة..
غالبية التقارير التى نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلي الأسبوع الماضي تتهم كل من وقف إلي جانب التوصيات ومن ثم صوت لإدانتها معاديا للسلام، مما جعل بعض التعليقات الإوربية تتنبأ بقرب انغماس إسرائيل في دوامة quot; جنوب افريقيا التى سرعان ما شملها الطوفان الذي أزاح بيتر بوتية اليميني المتطرف والإيديولوجي المحافظ quot;.. حتى أن بعضهم وصف إنكماش عدد الدول المؤيدة لها بأنه quot; إنذار يشير إلي إنحسار المدافعين عنها، لأنه من الصعب مواصلة القيام بهذا الدور إلي ما لا نهاية quot;..
العديد من الممارسات الغاصبة التى تقوم بها دولة الإحتلال في الضفة والقطاع مرت دون تعليق دولي حاسم مثل.. إعادة إجتياج الأراضي الفلسطينية التى خرجت منها قواتها باتفاقات شهد عليها العالم.. إقامة العشرات من نقاط العبور والتفتيش.. تعطيل الحياة الإقتصادية علي بدائيتها.. بناء السور العازل.. إغتيال النشطاء والمقاومين بدم بارد.. الإحتجاز خلف الأسوار لعشرات السنين وفق أحكام جائرة.. قطع إمدادات الطاقة.. منع وصول المعونات والإعانات الإنسانية.. طرد السكان من مقار اقامتهم..
لذلك إنتفضت ذات مرة عندما حكمت محكمة لاهاي بعدم قانونية بناء السور العازل، رغم أنه حكم غير ملزم.. وإنتفضت أخري لما هدد البعض باستصدرا أحكام عاجلة بإحتجاز بعض سياسييها وكبار قادتها العسكريين والأمنيين إبان زيارتهم لدول أجنبية، وها هي تقف في عزلة ربما لأول مرة بعد موافقة المجلس الدولي لحقوق الإنسان علي توصيات القاضي جولدستون..
تعطيل مسيرة السلام لن يكون بسبب هذه التوصيات ولا بالتأييد التى حظيت به، لكنه سيكون بسبب إسرائيل دولة الإحتلال التي تعادي القانون الدولي وكل الاتفاقات التي تنظم علاقتها بالشعب الذي تحتل أرضه وتدوس علي قرارات الشرعية الدولية..
مخطط تعطيل مسيرة السلام وفق رؤية حكومة بنيامين نتنياهو نجح في محاصرة مبادرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإقرار السلام في المنطقة، بعد أن أشاعت جماعات المصالح والضغط الأمريكية التى تتبني وجهة نظرها عدم جدوي إقامة دولة فلسطينية :
1 ndash; قبل الإعتراف بإسرائيل دولة لليهود فقط..
2 - وقبل أن تُطبع الدول العربية الفاعلة علاقاتها مع إسرائيل..
3 - وقبل أن توافق الزعمات الفلسطينية علي التنازل عن حق العودة..
4 ndash; وقبل الموافقة علي إحتفاظها بمستعمراتها في الضفة علي حالها..
5 ndash; وقبل ان يوافق الجميع عرب وفلسطينيون وشرعية دولية علي توحيد القدس لتكون عاصمة لها وحدها!!..
هذا هو مخطط السلام الذي تحذر إسرائيل العالم من تعطيله وتدعي أن محاسبتها علي ممارستها العنصرية في غزة يمثل إنتكاسة لترتيبات التفاوض مع الجانب الفلسطينى، و مكافأة للإرهاب..
استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا.. drhassanelmassry@ yahoo.co.uk
التعليقات