للنفاق و المنافقين في العراق ماضيا و حاضرا قواعد تاريخية ثابتة، و اسس منهجية راسخة تناقلتها أحداث التاريخ، و تغنت بذكرها الركبان، ولعل العبارة الرائعة التي وصف بها الشاعر الفرزدق حقيقة مشاعر و نفسيات أهل العراق لسيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام و رضوان الله عليهم ) وهو متوجه وصحبه الإيماني لتلبية دعوتهبالمبايعة تعبير حقيقي عن الحقيقة المرة فقد قال الفرزدق: ( قلوبهم معك و سيوفهم عليك )!!

و فعلا وقعت الواقعة المؤسفة و العار الأكبر و قتل و سبي أهل بيت النبوة في العراق في واحدة من أسوأ الصفحات سوادا في التاريخ الإسلامي، لقد بايعت قبائل الكوفة و العراق عموما الإمام على إستعادة حقه و على نصرته و على إقامة العدل على سنة الخلفاء الراشدين، و لكن الغدر كان أقوى من كل التعهدات وذهبت صرخة الإمام الشهيد في التاريخ عنوانا عظيما للظلم و رفض الغدر و كانت قولته الشهيرة ( إن لم تكونوا عربا فكونوا أحرارا ) و التي أتبعها بصرخته التحررية الكبرى ( هيهات منا الذلة ) التي ذهبت مثالا للصمود على الحق و المباديء، أستشهد الإمام الحسين في كربلاء كما أستشهد بعده أفواج طويلة و لا تنتهي من الأحرار و الرافضين للظلم و لكن ظل الغدر و النفاق هو سمة الجماهير التي تخلت عن نصرة الحق و أختارت الخنوع و السلامة و تشبثت فقط بالشعارات و الدعايات الإعلامية و التمسك بالقشور و المظاهر الخادعة و التخلي عن الأصول الحقيقية للمبدأ و العقيدة، فالإمام الحسين حينما قدم روحه الشريفة و أهل بيته طعما لسيوف الطغام و القتلة لم يكن يطمح أن يكون مجرد موضوعا للطم و التطبير و شق الصدور و الظهور أو أن يكون مادة موسمية سنوية لأهل الشقاق و الإستعراضات الكرنفالية الرخيصة، بل أنه حدد معالم الطريق بقولته الشهيرة: ( إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني.. و هيهات منا الذلة يأبى الله ذلك و رسوله ).

لقد رسم بذلك خطا نضاليا و جهاديا متصاعدا لا يعرف الهوادة و لا المجاملة ودخل تاريخ الإنسانية كأعظم الشهداء و الرجال فهو سليل الدوحة النبوية التي كانت مصنعا للبطولة و المباديء الحرة الكريمة، قتل الإمام وهو وحيد رغم أن من دعوه و بايعوه كانوا يتفرجون على المجزرة بغض النظر عن أية تبريرات أخرى غير مقبولة!

وذهب ذلك الغدر مثلا تاريخيا فظيعا في طبيعته، وقد ثار العديد من الثوار بعد الحسين كان مصيرهم جميعا الفشل بعد تخلي القاعدة الشعبية عنهم كالإمام الشهيد الثائر زيد بن علي بن الحسين الذي صلب في كناسة الكوفة، وظلت حالة الغدر من ألأمور المعروفة عن المزاج الشعبي العراقي وهي حالة إستمرت و تجلت حتى في التاريخ الحديث و سأتوقف عند حادث مصرع العائلة الهاشمية المالكة في العراق صبيحة يوم 14 تموز / يوليو 1958 و الذي كانت أحداثه الدامية لا تختلف عن السوابق التاريخية الماضية، لقد تجلت الوحشية و البدائية وتسيد الرعاع الموقف و سحبت الجثث التي حرم الله إنتهاك حرمتها و التي منع الرسول الكريم التمثيل بها ( لا تمثلوا و لو بالكلب العقور ) و سحلت في الشوارع و بعملية غدر وجبن رخيصة جثث رجال العائلة المالكة و آخرون في شوارع بغداد القائضة بل أن سكاكين الغدر قد دفعت حتى بعض النسوة لقطع الجثث البشرية التي كان أصحابها ينتمون نسبا لأهل البيت!! ومع ذلك حدث ماحدث و لم كن هناك أية مؤثرات دينية أو نفسية تمنع أو تفرمل البشاعات التي حدثت و التي أعادت إلى الأذهان ذكريات معركة ( الطف ) و الغدر الذي رافقها..

إن ما دعاني للإيغال في بعض صفحات التاريخ العراقي الأسود هو ما أتابعه من مظاهر النفاق الرخيص و المبتذل الذي يبديه بعض الأرزقية من بعض أهل العشائر العراقية في الهتاف و التطبيل لرئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي وخصوصا تلك الهوسة الفضيحة التي أطلقها البعض مؤخرا و التي تقول كلماتها البدائية:

( نريدك ما تنطيها.. و إحنا جنود وياك )!!

و أقسم بالله العظيم أنه لا أحد سيقف مع المالكي أو غيره فيما لو حدث له أي مكروه! أو فيما لو هزم و حزبه في الإنتخابات القادمة التي سيكون في حدها و نتائجها الحد بين الجد و الهزل!!، لا بل إن المهوسين أو الذين هوسوا و دبكوا إنما يكررون و بشكل سمج و نفاقي ( ماسخ ) ما كانوا يفعلونه أمام صدام حسين الذي كان يتعمد نفث دخان سيجاره الكوبي عليهم ثم يأمر لهم ببعض الأعطيات بعد أن يعمد لبهذلتهم و إهانتهم!

فكانت ( الهوسات المعروفة ) من أمثال ( صدام إسمك هز أمريكا )!! أو ( صدام إسمك عز وهيبة)!! هذا دون أن ننسى آلاف القصائد و مئات الأغاني التي جعلت صداما يصدق إنه نصف إله أو يكاد؟ وذلك المنظر البائس بات اليوم و بعد ( التحرير الأمريكي ) يتكرر و بشكل سمج ليعطي مؤشرات مخجلة لواقع سياسي متخلف يأبى مفارقة التخلف بل يمعن في تكرار المأساة وفي صنع الطغاة و المستبدين.. لقد خلق النفاق في العراق واقعا مأساويا و يستمر أهل النفاق اليوم في تحديث مسيرتهم المنافقة و بما سيدخل البلد في دورات جديدة من المآسي... فمتى يحجم المنافقون عن علك نفاقهم؟.

[email protected]