منذ انتفاضة الكرد السوريين التي اندلعت في الثاني عشر من مارس 2004 في قامشلو، والتي راح ضحيتها العشرات بين قتيل ومعوّقٍ وجريح، وبعد أن جعل الرئيس السوري بشار الأسد، ببعض خطابٍ سُميَ بquot;التاريخيquot;، quot;أكراده المفترضينquot; quot;جزءاً مفترضاً لا يتجزء من النسيج الوطني في سورياquot;(حسب تصريحٍ له لقناة الجزيرة القطرية بُعيد الإنتفاضة)، بعدئذٍ بدأت ظاهرة خطيرة تخيّم بظلالها الكثيفة على المجتمع الكردي السوري، وهي ظاهرةٌ كنت سميتها من قبل بquot;ظاهرة قتل العلَم بالعلَمquot;.
بدأت ظاهرة quot;قتلquot;(أو انتحار، بحسب الرواية الرسمية) المجندين الكرد في خدمة العلم، في القطعات العسكرية السورية، بالتفشي بعد انتفاضة آذار، بشكل مخيف جداً.
الظاهرة، التي نسمع بين كل فترة وأخرى، بسقوط ضحايا جدد عبر مسلسل quot;القتل الغامضquot;، باتت تشغل بال الشارع الكردي السوري، بعامته وخاصته، فضلاً عن إشغالها لبال عوائل المجندين الأكراد، الذين باتوا يعيشون ليل نهار تحت وطأة كابوسها، طيلة فترة خدمة أولادهم أكبادهم الإلزامية في quot;الجيش العربي السوريquot;.
ظاهرة القتل تحت العلم السوري، أو quot;القتل المصطفىquot; في حرم خدمتها الإلزامية، لجنود أكراد حصراً، وفي حوداث متكررة، وquot;مبررَةquot; رسمياً سلفاً، بروايات رسمية متشابهة(كالإنتحار مثلاً)، تحولت في الآونة الأخيرة، إلى ظاهرة خطيرة، تحتاج إلى أكثر من وقفة وأكثر من موقف.
آخر ضحايا هذا quot;القتل الخدومquot; في خدمة العلَم، على الطريقة السورية، كان المجند الشاب خليل بوظان شيخ مسلم، الذي توفى، بحسب الرواية الرسمية، في الثامن من ديسمبر الجاري، نتيجة إقدامه على الإنتحار، وذلك بإطلاقه للنار على رأسه.
الضحية الأخيرة(والتي لن تكون الآخرة، كما يبدو من تاريخ مسلسل quot;القتل الخطأquot; المستمر في خدمة العلم، سورياً) هو الضحية الثالثة والثلاثين منذ انتفاضة آذار 2004، والسادسة عشرة في هذا العام، أي خلال أحد عشر شهراً فقط.
الجدير بالذكر أن جلّ هؤلاء، الذين قضوا نحبهم في خدمة علمهم السوري، بحسب مصادر بعض منظمات حقوق الإنسان السورية(مثل المنظمة الكردية للدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة في سوريا داد، ومنظمة ماف لحقوق الإنسان السورية، ومنظمات أخرى )، إما quot;قُتلواquot; بأكثر من طلقة في الرأس، أو ظهرت على جثثهم آثار تعذيب واضحة، مما ينفي رواية القتل quot;إنتحاراًquot;.
بحسب آخر بيانٍ نشرته منظمة داد أمس(11.12.09)، quot;أنه وبعد الكشف على جثة الضحية تبين وجود رصاصتين قاتلتين في الرأس، مما يثير الكثير من الشكوك في صدقية الرواية الرسمية التي ساقتها السلطات الرسمية لعائلة الضحيةquot;.
وبحسب المصدر ذاته quot;أن الضحية المجند خليل بوظان شيخ مسلم، كان قد أخبر عائلته قبل يوم واحد من مقتله، بأنه يتعرض لعقوبات شديدة يصعب تحملها من قبل مدربيه ورؤساءه وطلب منهم أن يعملوا على تغيير مكانه الذي كان يخدم فيهquot;.
فأيّ عقل يمكن أن يقرأ هذا quot;القتل المتكررquot; تحت العلم، لجنود أكراد متكررين، على أنه مجرد quot;قتلٌ عاديٌّquot;، أو quot;قتلٌ مارقquot;، أو quot;قتلٌ خطأquot;، حدث بالخطأ، أو نتيجة لquot;انتحارٍ خطأquot;؟
ما يجري من quot;قتلٍ خدومquot; لquot;أكراد الخدمةquot; تحيةً لخدمة علمهم السوري، على مرآى ومسمع السوريين رسميين ومعارضين، ليس quot;قتلاً عابراًquot; كما قد يتصوره البعض، وإنما هو قتل سياسي مستغرق، غير بريء بالمرة، طالما الكردي يعيش في quot;المؤخرة السوريةquot;، مواطناً طارئاً، من الدرجة الأخيرة، ممنوعاً، محجوباً، مغضوباً عليه، خارجاً عن كل حقوقه السياسية والقومية، فضلاً عن حقوقه الثقافية والمدنية، حيث هناك حوالي 300 ألف كردي quot;أجنبيquot;، quot;مكتومquot;، طارئ، ممنوع من المواطنة السورية، بموجب المرسوم التشريعي رقم 93 المؤرخ في 23 أغسطس 1962، والمعروف بالإحصاء الإستثنائي، السيء الصيت، الخاص بأكراد محافظة الحسكة.
مقتل 33 شاباً مجنداً في خدمة العلم(16 منهم خلال أقل من سنة)، قضوا نحبهم في ظروف غامضة، تخفيها روايات رسمية لا عقل فيها، سابقة خطيرة، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، وبات الناس يضعون عليها أكثر من إشارة إستفهام.
من هذه الإستفهامات الكبيرة مثلاً:
ترى لماذا قتل الكردي بعلَمه السوري؟
لماذا هذا الإصرار على ضرورة quot;إفزاعquot; الكردي من خدمة علَمه؟
كيف يمكن لquot;خدمة العلَمquot;، التي من المفترض بها أن تكون خدمةً للوطن، إلى quot;كراهيةquot; للوطن ولعلَمه؟
ما هو الخطر الذي يمكن أن يشكله quot;مجند كرديquot; في خدمة العلَم الإلزامية، على العلَم ذاته، حتى يُقتل به؟
لماذا ولمصلحة مَن، يصبح العلَم، هكذا بquot;أمرٍ قاتلquot;، قاتلاً ومقتولاً في آن؟
لماذا تكون سوريا الوطن، ههنا، هي الضحية مرتين، مرةً قاتلة وأخرى مقتولة؟
أسئلةٌ أتركها برسم السوريين، كل السوريين الذين يجمعهم همٌ واحد، في وطنٌ واحد، وجغرافيا واحدة، بعلمٌ واحد، عرباً وأكراداً، وأرمن، وشركس، وتركمان، وآشوريين.
التعليقات