تعاني اليوم كثير من الدول العربية والإسلامية من آفة الإرهاب الأسود الذي يكاد يعصف بأمن وسلامة معظم هذه الكيانات العائلية والقبلية والعشائرية الكرتونية ويجعلها على كف عفريت. ولا يكاد يمر يوم إلا وتسمع عن عملية إرهابية هنا، أو القبض على مجموعة سلفية هنا، أو اعتقال خلية نائمة، أو محاصرة فئةما هنا او هناك.

وفي الحقيقة فإن تلك الأعمال برغم دمويتها، ووحشيتها، لما ترتق بعد إلى حجم الدعم، والاهتمام، والتعبئة التي حظيت بها، ولم يكافئ الإرهابيون أنظمتهم بما ينبغي ويردوا لهم الجميل quot;على أصولهquot;، وما زالت تلك الأعمال، وبرغم كل ذلك في حدود عقلانية وطبيعية، ولن تنفس عن حجم مكنوناتها الفظيعة التي أشبعت بها على مر السنين. وأعتقد أن أولئك الإرهابيين لم يزالوا على قدر كبير من الاحترام، والأدب، والخجل والحياء والوفاء للخبز والملح لأنظمتهم التي ربتهم على ثقافة القتل والموت واحتقار الحياة كما الآخرين واسترخاص حياتهم ودمائهم، وحيث لم ينجروا حرفياُ وراء كل تلك الدعوات والفتاوي والخطب التي يسمعونها من وزارات الأوقاف، والإعلام الرسمي العربي الذي لا يكل ولا يمل من حشو رؤوسهم بالخزعبلات والأباطيل والكلام الفارغ والتحريض الطائفي والعنصري البغيض. ومن يستمع يومياُ لبعض وسائل الإعلام الرسمي العربي، وهي تدعي بالفناء والموت وquot;العزاء والشحارquot;، والويل والثبور للآخرين، يعتقد أن القيامة ستقوم بين ساعة وأخرى، وأن حروباً جهادية ومقدسة ستقع بين طرفة عين وانتباهتها، وأن دول العالم قاطبة قد تركت كل أعمالها ومشاريعها وطموحاتها، وتفرغت للتآمر علين، وتحسدنا، نظراً لما نتمتع به من قوة وحضارة ورقي.

فلقد سعت منظومة الاستبداد الشرق أوسطية تاريخياً للتحالف مع القوى الماضوية والتيارات السلفية لمواجهة مشاريع الحداثة واستحقاقات العولمة الضاغطة، واستعانت بهم لمطاردة القوى العلمانية ومحاربة الفكر النير الذي لن يكون لها مكان، لو استشرى وانتشر التنوير، لا سمح الله وقدر، والكل يتذكر كيف تم اغتيال المفكر فرج فودة تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية، وكذلك محاولة الاعتداء الآثم على نجيب محفوظ عما يعتقد على خلفية روايته أولاد حارتنا التي يتطرق فيها برمزية تامة للمكبوتات التاريخية. وقد استطاعت هذه الأنظمة أن تعيد مجتمعاتنا إلى عصور ما قبل الجاهلية والحجرية عبر تاريخ مديد من تقزيم العقول ومسخها وحشوها بالأباطيل الأسطورية التي لم يعد لها مكان، ولا يقبضها أحد في عالم اليوم، وكانت هذه النتائج الرهيبة مجتمعات رثة هشة مفككة تقبع على براميل بارود بسبب من ضخ أجوف لأفكار بالية وميتة وفاقدة الصلاحية. لا بل مارس هذا الخطاب نوعاً ممنهجاً من تزييف الوعي عبر أيهام أولئك الجهلة والمغفلين من الإرهابيين بأن سبب بؤسهم وتعاستهم هو ذلك المختلف الديني والآخر الكافر وليس نفس الوكيل المحلي الذي يجرعهم سموم الإرهاب المشبعة بالدسم القاتل بشكل يومي.

هؤلاء الإرهابيون والقتلة لم يهبطوا من السماء ولا تم استيرادهم من الصين ولا من سنغافورة او من بقية الدول التي نستورد منها حتى حفاضات أطفالنا. إنهم منتج سلطوي عربي بامتياز، تعبت عليه الأنظمة العربية، ويا عيني عليها، وربتهم برموش العين وأطلقتهم، ليعودوا إليها محملين بالعبوات والأحزمة الناسفة وينفجروا هكذا من غير quot;إحمquot; ولا دستور ولا ميعاد. هذه هي بضاعة الأنظمة العربية الخالصة المخلصة التي ردت إليها، لأن لا مكان لها سوى في هذه المجتمعات المتفجرة.

وإن بيانات الاستنكار والشجب العربية لهذه الأعمال العربية مردودة، وغير مقبولة منها، وعذراً، فهذه هي بضاعتها التي ردت إليها بكل أمانة، وإن كنا نعتقد، جازمين، أن الإرهابيين لم يردوها كما ينبغي وكما تلقفوها منذ نعومة أظفارهم بملاعق الأنظمة إياها التي تذرف الدموع مدراراً على آفة الإرهاب السلفي.

نضال نعيسة
[email protected]