تضارب المواقف و إختلاف الرؤى و تزايد مشاهد العنف و الاضطرابات داخل المدن الايرانية أثر إعلان نتائج إنتخابات الرئاسة الايرانية والتي فاز فيها محمود أحمدي نجاد، نقلت للعالم صورة واقعية و طبيعية جدا للذي يجري في هذا البلد العريق في حضارته و المهم جدا في موقعه الاستراتيجي.
الانتخابات هذه التي عول عليها العالم وجانب من الشعب الايراني نفسه، على أمل أن تتمخض عن نتائج تساهم في مجئ رئيس جديد يقود البلاد صوب شطئان تنعم بأمان و طمأنينة أکثر للشعب الايراني و تقود الى وضع حد لتلك الاخطار المحدقة بمستقبل إيران سيما فيما لو إستمرت في برنامجها النووي المثير للجدل و القلق معا، هذه الانتخابات التي حتى لو کانت قد جاءت برئيس الوزراء الاسبق مير حسين الموسوي رئيسا للجمهورية، فإنها کانت ستقف عاجزة تماما عن وضع حد للمتاعب الايرانية مع المجتمع الدولي و کانت ستأخذ في نهاية الامر موقعها الطبيعي کمجرد رقم على المشهد السياسي الايراني و تصطف الى جانب الرئيس السابق محمد خاتمي.
وإذا ماکان النظام الراديکالي المتشدد في إيران قد تمکن من اللعب على المجتمع الدولي بلعبة (التيار الاصلاحي) و منى العالم بإمکانية حدوث ثمة تغيير ما على الساحة الايرانية من خلال إنتخابات الرئاسة الايرانية، فإن شکل و محتوى النظام العقائدي في طهران قد أرسي بصورة لايمکن أبدا المساس بها أو التأثير عليها من دون هدم البنى الاساسية للنظام برمته، ومن هنا فإن الفشل الذريع الذي مني به الرئيس محمد خاتمي في ماسمي بجهوده الاصلاحية وکذلك جهود التيار الاصلاحي کله، قد أکدت للعالم و بصورة دامغة أن ليس هنالك أي فسحة أو مجال ما للتحرك ضد النظام السياسي في طهران خصوصا فيما لو کان التحرك جديا و يستهدف أسس و مقومات النظام ذاته.
لقد أثبتت الانتخابات المتکررة للرئاسة في إيران، من أن لاأهمية تذکر للرئيس الايراني قبالة المنظومة الدينية المتسلطة التي يجلس على هرمها الولي الفقيه وان الرئيس الايراني ليس سوى مجرد شکل من غير محتوى أو نص مسرحي لايمکن تجسيده أبدا على المسرح وان هذا المنصب و الانتخابات المتعلقة به ليست هي في الحقيقة سوى مجرد برقع يختفي خلف سدفه واقع مغاير تماما وان أية انتخابات مهما کانت لايتم إجرائها من دون وضع کل القوى الامنية للنظام في حالة التأهب القصوى لمواجهة کافة الاحتمالات کما أن السيناريوهات المختلفة تعد سلفا لمعالجة الموقف أو حتى المواقف المحتملة وان هذا النظام يسلك قطعا أي طريق أو سبيل لمواجهة الاخطار المحدقة به وهو مستعد للتنکيل بمناوئيه حتى ولو کانت أمواجا مليونية وان الشاه السابق بماعرف عنه من قسوة و بطش قد أثبتت الايام أن جمهورية ولاية الفقيه قد فاقته بفراسخ و فراسخ وان هذه الجمهوريةquot;اللاديمقراطيةquot;و البعيدة عن روح التحضر و الايمان بحقوق الانسان ترتکب أفظع الجرائم بأسم الدين و بذريعة من نصوصه.
اليوم، وبعد إعلان النتائج الاخيرة و مارافقتها من مشاهد عنف قوية عبرت عن رفض واضح للنظام الراديکالي المستبد، قد أکدت للعالم و بجلاء أن نظام ولاية الفقيه (الذي هو لايختلف في واقع أمره عن جمهورية ستالين الدموية) قد سئمه الشعب الايراني و قد طفح به الکيل ولم يعد بإمکانه المزيد من الصبر عليه ولذلك فقد بدأت تباشير التغيير المحتمل في إيران تزف نفسها للعالم و تبين أن العد العکسي لجمهورية ولاية الفقيه قد بدأ فعلا وان الشعب الايراني العريق و الاصيل قد صمم أن يضع حدا لهذه الدولة المترهلة بالقمع و الفساد و الارهاب وانه لم يعد بوسعه تحمل المزيد من التجويع و الافقار و الاضطهاد بذريعة شعارات براقة ليست لاتقدم شيئا وانما تعمل و بکل قوة على تأخير عجلة التقدم و العمران في إيران.
ان حقيقة الموقف داخل إيران ليس مجرد إختلاف بين مؤيدين و مناوئين لهذا المرشح أو ذاك کما تحاول أجهزة الاعلام الايرانية الرسمية أن تجسده في تقاريرها وانما يعبر عن حالة رفض قوية لنظام قمعي شمولي تسلط على رقاب شعب أصيل طوال عدة عقود ذاق خلالها الکثير من الذل و الظلم و الهوان.
نزار جاف
التعليقات