بالتأكيد الزيارة التي قام بها روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي إلى تل أبيب تثير أكثر من علامة استفهام. فمن حيث التوقيت جاءت هذه الزيارة في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين توترا غير معتاد بسبب الخلاف حول كيفية التعامل مع برنامج إيران النووي والاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وإحياء عملية السلام.

وفيما يتعلق بالمضمون فقد ركزت الزيارة - التي تعتبر الأولى من نوعها لوزير دفاع أمريكي لإسرائيل منذ عامين- على ضرورة التنسيق بشأن التهديد النووي الإيراني والتعاون في المجالات الدفاعية وتطوير نظام صاروخي مضاد للصواريخ الباليستية وتزويد إسرائيل بمائة طائرة مقاتلة من طراز اف 35.

وفي الوقت الذي اتفق فيه الجانبان الأمريكي والإسرائيلي على ان خيار الحوار مع ايران لن يبقى مفتوحا الى الأبد، حذر جيتس من أن إيران سوف تواجه عقوبات إضافية ما لم تستجب لمبادرة واشنطن بالحوار حول برنامجها النووي في حين اكد ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي ان كل الخيارات مطروحة بما في ذلك العمل العسكري.

وطبقا لما نشرته وسائل الإعلام الأمريكية فقد حاول جيتس إقناع كبار المسئولين الإسرائيليين بإفساح المجال لاستراتيجية بلاده في التعامل مع إيران مؤكدا أن الوقت مازال مبكرا للقيام بعمل عسكري وأن واشنطن تبذل كل ما في وسعها لمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية.

كما ركز على أن المهلة التي أعطاها الرئيس أوباما لإيران سوف تنتهي في أواخر سبتمبر المقبل،بعدها سوف تقود واشنطن عملية دولية لفرض عقوبات أشد على إيران. وإذا لم يؤد ذلك إلى نتيجة ملموسة لا بديل من الحصول على تأييد دولي لquot;موقف أكثر صرامةquot;!

على الجانب الاخر كان الإسرائيليون اكثر وضوحا فرغم تفهمهم لوجهة النظر الأمريكية إلا أنهم لم يقدموا التزاما مطلقا بعدم اللجوء إلى الخيار العسكري، وحسب تصريحات باراك فإن الدولة العبرية quot;تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن النفس ضد التهديدات النووية الإيرانية ودون ان تطلب معونات من احدquot;.

وهكذا فإن ما حققه جيتس في تل أبيب لم يتجاوز اقناع القادة الاسرائيليين بتأجيل اللجوء إلى الخيار العسكري، لكن هذا التأجيل لن يستمر طويلا ، فالإسرائيليين يقولون أنه ليس بمقدورهم الانتظار حتى تنتج إيران قنبلتها النووية.

وقد تسببت هذه النتيجة التي كانت متوقعة في إرسال ثلاثة مبعوثين امريكيين آخرين إلى إسرائيل خلال هذا الأسبوع وهم جورج ميتشل المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط وجيمس جونز مستشار الأمن القومي ودنيس روس مستشار شئون الشرق الأوسط بهدف حث إسرائيل على تفهم وجهة النظر الأمريكية.

فالأوضاع في المنطقة لا تتحمل قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، كما ان هذه الضربة سوف تربك بكل تأكيد خطط واشنطن في العراق وافغانستان والخليج، ويكفي أن المناورات التي اجرتها إسرائيل مؤخرا في البحر الأحمر، وشاركت فيها القوات البحرية والجوية وشملت استخدام الغواصات في إطلاق صواريخ بعيدة المدي، قد اثارت قلق الكثيرين باعتبارها مقدمة لعمل عسكري.

كما دفعت اللواء محمد على جعفري القائد العام لقوات الحرس الثوري الايراني إلى التهديد بضرب منشآت إسرائيل النووية إذا ما تعرضت بلاده لهجوم إسرائيلي، قائلا إن هذه الضربة سوف تكون quot;صارمة ودقيقةquot; بفضل التقدم الذي أحرزته إيران في ترسانتها الصاروخية.

باختصار ما حققه وزير الدفاع الأمريكي في تل ابيب هو تأجيل وليس إلغاء المواجهة العسكرية المتوقعة بين إسرائيل وإيران!

عبد العزيز محمود