قرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة منع اللجنة العربية لحقوق الانسان، التي تتخذ من باريس مقراً لها، من مخاطبة الهيئات التابعة للمنظمة الدولية لمدة عام. جاء هذا القرار رضوخا لاتهامات الجزائر اللجنة بتعيين المحامي رشيد مسلي الذي تقول إنه إرهابي كناطق باسمها.

خبرٌ يثير الاشمئزاز كما يدعو للضحك حتى القهقهة. كيف أن هيئة حقوق دولية بهذا الحجم ترضخ لابتزاز من هذا النوع؟ أول ماسمعت بهذا الخبر ربطتُه بحادثة إلصاق فرنسا تهمة الإرهاب بمواطنها المحامي الشهير جاك فيرغيس بعدما أنقذ المجاهدة جميلة بوحيرد وعدد من المجاهدين من حبل المشنقة حيث عُرف بدفاعه المسميت عن الثورة الجزائرية.

من هو رشيد مسلي؟

هو ناشط حقوقي جزائري. بدأ مهنة المحاماة عام 1985 بالجزائر، وعُرف بتوليه قضايا وطنية مهمة وعلى رأسها الدفاع عن قيادات وأعضاء في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، سجنته السلطات الجزائرية قرابة أربع سنوات. سافر إلى سويسرا عام 1999 للعلاج ثم حصل على حق اللجوء السياسي عام 2000 وقد شارك في إعداد تقارير دولية عن انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر، واستفادت من خبرته القانونية منظمات معروفة مثل منظمة العفو الدولية ndash;أمنيستي-. رشيد أصبح المدير القانوني لمنظمة الكرامة لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية أزعجت الكثير من الأنظمة العربية بتقاريرها الدورية حول انتهاكات حقوق الإنسان. كما اختير مستشارا قانونيا للجنة العربية لحقوق الإنسان التي تترأسها العالمة النفسانية الدكتورة فيوليت داغر، ويشغل الدكتور هيثم مناع منصب الناطق باسمها. اتهام محام من العيار الثقيل بالإرهاب يقودني إلى طرح السؤال التالي.

من هم الارهابيون في الجزائر؟

كثيرون، أولئك الذين تبنوا فكرة العمل المسلح في الجزائر منذ توقيف المسار الانتخابي في يناير من عام 1992 وفرض حال الطوارئ. منهم من انضم إلى الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي حلّ نفسه ودخل في ما يسمى بميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ومنهم من التحق بالجماعة الإسلامية المسلحة ومنهم من يزال تائها في الجبال والصحاري منضويا تحت لواء الجماعة السلفية للدعوة والقتال أو تنظيم ما يسمى بالقاعدة في المغرب الإسلامي.

وآخذ هنا ثلاث عينات، مدني مزراق أمير الجيش الإسلامي للإنقاذ سابقا، و عبد الحق العيادة مؤسس الجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا) والتي تبنت أغلب المجازر ضد المدنيين في الجزائر، وحسان حطاب أبرز قادة الجماعة السلفية للدعوة والقتال، وهؤلاء جميعا قَتلوا أبرياء واعترفوا بجرائم القتل وتضليل الشباب الجزائري الذي التحق بهم. والمفارقة أن هؤلاء جميعا يعيشون في فيلاتهم تحت رعاية وحراسة الأجهزة الأمنية الرسمية ويتلقون رواتب شهرية وإعانات. وهنا نطرح السؤال، من يحمي الإرهابيين ويؤويهم ويدافع عنهم؟ بل من يدافع عن النظام في الداخل والخارج؟ العيادة على سبيل المثال، أصبح نجم الفضائيات العربية والغربية مؤخرا، وهو يُفتي في قضية رهبان تيبحرين. كما أن حسان حطاب يملأ الصفحات الأولى في بعض الجرائد المحلية ويستقبل ضيوفا أجانب في بيته. ومدني مزراق يتحدث في السياسة ويحاجج حتى الرئيس بوتفليقة.

المصالحة الوطنية؟

عندما اعتقلت السلطات الهندية نجل عباسي مدني (الرجل الأول في الجبهة المنحلة) السيد أسامة مدني في أحد مطاراتها امتثالا لمذكرة الاعتقال الصادرة بحقّه من السلطات الجزائرية عبر الأنتربول، تم إطلاق سراحه في وقت قياسي وادعت السلطات الجزائرية بأن المذكّرة قديمة وأن الظروف تغيرت والبلد قد دخل في مرحلة المصالحة. كما أن النظام ادعى بأن احتضان الإرهابيين جزء من هذه المصالحة التي تتطلب تنازلات مؤلمة من جميع المتضررين من الأزمة. طيب، هذا كلام جميل رغم أنه غير مقنع. أليس من حق رشيد مسلي أن يستفيد من قانون المصالحة حتى وإن افترضنا خطأ بأنه دافع عن إرهابيي الأمس، حلفاء اليوم لدى النظام؟ لستُ هنا في صدد الدفاع عن قادة الإنقاذ ونشطائها لأن قناعتي راسخة بأن الذي يُخيّر الشعب الجزائري بين حكم هؤلاء وحكم النظام الحالي كالذي يُخيّره بين الطاعون والكوليرا، لكن في دولة المواطنة التي ننشدها، الكل سواسية أمام القانون. فهناك تساؤلات منطقية يجب طرحها من قبيل، لماذا لم تُلحق تهمة الإرهاب مثلا بالمحامي القدير و المعروف علي يحيى عبد النور الذي أسس هيئة الدفاع عن الإسلاميين في الجزائر؟ أو بالمحامي ميلود ابراهيمي ndash;المحسوب على التيار الاستئصالي- حينما كان يدافع عن قيادات الجبهة؟ فلماذا كل هذا الحقد على محام مارس مهنته ضمن الأطر القانونية والدستورية؟

إنه مزعج!

مصدر غربي في جنيف قال إن السيد رشيد مسلي، يُشكّل مصدر إزعاج كبير للنظام الجزائري لأنه رجل قانون متمرس في كشف الثغرات والخروقات في القانون. أعترفُ بأن هذا الرد، جميل ومقنع ويُغنينا عن البحث في تفاصيل أكثر في القضية المثارة. أما عن الدول العربية التي صادقت على القرار دون نقاش، فهي تنتمي إلى نفس الأنظمة القروسطية التي يؤرقها عمل المنظمات العربية غير الحكومية والتي تضم في مكاتبها خيرة أبناء الأمة من محامين وأساتذة تعرضوا لكل أنواع التعسف وإرهاب الدولة.

سليمان بوصوفه